بقلم : رشاد أبو شاور ... 14.04.2010
فوجئت يا دكتور أرون غاندي بأنك حفيد قائد الهند الخالد: غاندي.
لم أكن أعرف أن لذلك الرجل أبناءً، فما بالك بأحفاد!
الحّق أنني كفلسطينيين كثيرين، داخل فلسطين تحت الاحتلال، وفي الشتات، سررت بزيارتك وزوجتك، لثقتي بأنها ستعزز انحيازك لكفاح شعبنا.
تأملت صورتك وزوجتك السيدة أوشا،على أحد الحواجز، وهي تصرخ في وجه جندي احتلالي متعجرف، وأنت ساهم وفي حالة حزن ودهشة مما ترى!
وأنا أتأمل صورتك والسيدة زوجتك، استعدت ملامح وجه جدّك العظيم وهو يقود المقاومة السلميّة الديمقراطيّة، وهراوات جنود بريطانيا الديمقراطيّة تهوي على رؤوس الهنود، وهم يتساقطون والدماء تنفر من رؤوسهم.
لم يغب عن بالي أن جدكم راهن على قوّة الهند بملايينها، من بوذيين ومسلمين وهندوس، وهم يتحدون احتلال بضعة ألوف من جنود بريطانيا بمقاومة سلميّة، تكللت بهزيمة بريطانيا، ورحيل قوّاتها العسكريّة، وتخليها صاغرةً عن (درّة) التاج!
ولكن، وكما شاهدت على أرض الواقع، يا سيّد غاندي الحفيد، فإن الاستيطان الصهيوني يختلف عن الاحتلال البريطاني الذي بطش بأمتكم، ودبر المكائد لتمزيق وحدتها وقوتها، ولكنه يئس وأحبط في نهاية الأمر، وإن لم يترككم تتدبرون أموركم بعد رحيله، فقد غرس في الهند مرض الصراع الديني، وهو ما فتت الهند، وقسّمها، وما زالت تعاني من شروره.
في بلادنا التي تختلف ظروفها، انفجرت ثورات عنيفة ردّا على عنف بريطانيا، واجتلاب المستوطنين الصهاينة من أوروبا، وزرعهم في أرضنا.
شعبنا خبر النضال السلمي، فتظاهر، وأضرب، واحتّج، وأرسل الوفود إلى لندن، وهيئة الأمم..ولكن لا فائدة، فبريطانيا كانت تريد فلسطين لتجزّىء الوطن العربي بغرسها للمشروع الصهيوني، لإدامة هيمنتها على طريق الهند..بلدكم!
أنت وزوجتك حضرتما إلى فلسطين، وهالكما ما اقترفته بريطانيا، وما تفعله أمريكا وريثة دعم ورعاية المشروع الاستيطاني الصهيوني.
أتوقع أن السيدة أوشا التي رأيت صورتها بيديها المتوترتين النحيلتين المرفوعتين بحركة غاضبة، كانت تصرخ في وجه الجندي الاحتلالي: لماذا تعذبون الفلسطينيين؟ لماذا لا ترحلون وتتركونهم يعيشون؟ لماذا لم تتعلموا أن الشعوب تنتصر دائما على أسلحة الاحتلال والقمع؟!
لكن جندي الاحتلال لولا قليل من الحرج من الكاميرات، وربما بتوصية من قادته، لم ينهل بعقب بندقيته مهشما عظام رأس السيدة غاندي..زوجتكم!
لو أن، وهذا ما خطر ببالي، بمعجزة ما، بُعث جدّكم حيّا، وحضر إلى فلسطين، بثوبه القصير الذي حاكته له جدتك، وجسده النحيل شبه العاري، وصاح مُرددا هاتين الكلمتين: الحريّة لفلسطين، كما كان يردد في وجه المُحتلين الإنكليز: الحرية للهند..فكيف سيكون رد فعل جنود الاحتلال على جدّك ..المقاوم سلميّا؟!
الاحتلال البريطاني اتهم جدّك العظيم بأنه إرهابي..حتى وهو يحلب شاته، ويلبس الثوب الذي نسجته جدّتك، ولا يحمل بندقيّة!
لو أن جدّك عاد إلى الحياة، وحضر مثلك لزيارة فلسطين، وشاهد الجرّافات وهي تقتلع أشجار الزيتون، والمستوطنين وهم يستحوذون على أرض الفلسطينيين، فبماذا تتوقع أن ينصح الفلسطينيين؟!
هو اختار الكفاح غير العنفي لكنس الاحتلال البريطاني العسكري..والسياسي، لكنك رأيت رأي العين أن الاحتلال في فلسطين مُختلف، فبريطانيا لم تكن تقتلع الهنود من أرضهم، وتهجرهم، وتغيّر معالم وطنهم مدعية ملكيتها للهند بوعد إلهي!
أنت شاهد عيان على ما اقترفه جنود الاحتلال والمستوطنون بالفلاّح الفلسطيني شبيه جدّك غاندي، وأنت وزوجتك في الطريق إلى الخليل عبر بيت لحم والخضر، الفلاّح الذي غرس الزيتون والتين والعنب والقمح، وأشجار الصبّار لتحرس حقله من أبناء آوى...
أنت شاهدت يا سيد غاندي كيف وُضع الفلسطيني أمام خيار مقاومة مُختلف..وهو ما كان جدّك سيختاره لو كان فلسطينيّا.
جدك لم يطرد من بيته، ولم يستول الانكليز على حقله، وهذا حال يختلف عن حال الفلسطيني، ومعاناته، وما يفعله به الصهاينة.
أحسب يا دكتور غاندي أنك وأنت تتنقل على الحواجز مع السيدة زوجتك، وتريان الأرض المصادرة، والفلسطينيين المطرودين من بيوتهم في القدس والذين يعيشون تحت الخيام في وطنهم..أحسب أنك فكّرت بالكفاح غير العنفي، وأنك حاورت في عقلك جدّك العظيم، وطرحت عليه أسئلة يمكن تلخيصها بسؤال واحد: يا جدّي..ماذا كنت ستفعل لو كنت فلسطينيّا؟!
يا سيّد غاندي، في رحلتك إلى بلادنا، بلاد العجائب، أنت رأيت شعبنا صبورا، عنيدا، شقيّا، معذبا، مقاوما..لا يهزم، رغم أنه أعزل إلاّ من الكرامة والكبرياء.
يا دكتور أرون، لقد بلغت التفاهة والوقاحة بأصحاب المشروع الاستيطاني أنهم أعلنوا اكتشافهم لقبيلة يهودية ضائعة منذ ألفي سنة..وأين؟ في الهند!..وهذه القبيلة يريدون إعادتها إلى (أرض الميعاد)..أرض وعد يهوه، وبلفور البريطاني..في حين يهدمون البيوت على رؤوس الفلسطينيين أصحابها!
بالله عليك: لو كنت فلسطينيّا..هل كنت ستدعو للمقاومة غير العنفية..في مواجهة هكذا عدو؟!
هل ستعود أنت وزوجتك إلى الهند، بعد رحلتكما إلى فلسطين، التي فجعتكما، وأوجعتكما، كما جئتما؟!
أنت قرأت عن مسيرة أوسلو (السلميّة) ..فهل أقنعتك هذه (المسيرة) بعد أن رأيت نتائجها على الأرض، وما جرّته على الفلسطينيين؟!
لا أعرف إذا كان قد أتيح لك أن تزور القدس، لتطّلع على ما يفعله الاحتلال فيها من تبديل، وتغيير، وهدم، وحفر أنفاق، ومحاصرة المقدسات وتعذيب لأهل المدينة، وقهر للمؤمنين الفلسطينيين الذين يؤمونها للصلاة..في زمن السلام!
أنا واثق أنك، وجدك، وزوجتك، وأي هندي، يزور بلادنا، سيتبرأ من أصحاب أطروحات التفاوض، والمزيد من التفاوض، و..المقاومة السلميّة التلفزيونيّة التي لم يسلكها جدّك!
يا سيد غاندي: زوجتك وأنت عانيتما في زيارتكما القصيرة من جنود الحواجز الذين يجعلون من حياة الفلسطينيين جحيما لا يطاق، ولذا صرخت زوجتك غاضبة في وجوه الجنود، ولم تحتمل حقارتهم، رغم أن معاناتها متواضعة، ولا تقارن بمعاناة تلميذة فلسطينيّة من مدينة الخليل، أو قلقيلية، تمضي إلى مدرستها تحت فوهات البنادق، وتحت أزيز الرصاص.
يا سيّد غاندي: الم تذكّرك هذه (الدولة) بشركة الهند الشرقيّة البريطانيّة؟
لقد بدا هذا المشروع الاحتلالي الاستيطاني بمعسكرات، برعاية بريطانية، تحمل اسم كومباني ..يعني شركة، والفلسطينيون سمّوها كبّانية!
هل تعرف يا سيّد غاندي أن بعض (القادة) الفلسطينيين يتزاورون مع قادة الاحتلال، يأكلون في بيوتهم، ويقبلون أيدي زوجاتهم - يعني انهم متحضرون وليسوا إرهابيين كأبناء شعبنا - و..يراهنون على سلام مع هؤلاء المحتلين الذين نهبوا من أرض الفلسطينيين، تحت غطاء وعود السلام، ما عجزوا عن نهبه في زمن المقاومة والانتفاضتين!
نحن ابتلينا بهذا النوع من القادة الضعيفي الإيمان، قصيري النظر، المرتهنين لحياة الدعة والبطر.
هل ابتليتم بهكذا قادة أيام المرحوم جدّكم غاندي العظيم؟!
يا سيّد غاندي..ربما لن تصلك رسالتي هذه، ولكنني واثق أنها ستصل إلى كثيرين، وفي كل حال أنت في غنى عن أن تصلك، فأنت بعد زيارتك لفلسطين، ستعود إلى الهند بقناعات أكثر وضوحا وصلابة وانحيازا لفلسطين وشعبها المقاوم..الذي من حقّه المقاومة بكل ما يقع تحت يده، من الحجارة إلى البنادق...