أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
فيّاض: إعادة بيع الوهم!!

بقلم : رشاد أبو شاور ... 21.04.2010

هذاالرجل، سلام فيّاض، يبدو واثقا تمام الثقة، بأن الدولة في جيب بنطلونه، بل لعلّه وهو يدس يده في جيب بنطلونه أمام المشاهدين والكاميرات يبدو متيقنا بأنها حقّا في جيبه!
أيّام الفاكهاني وقف أحد (القادة) خطيبا في قاعة جمال عبد الناصر، في أحد أيّام 1974 بعد حرب تشرين، وأخذ يتأوّد ممسكا بالميكروفون وكأنه أحد مغني الروك، وهو يردد: الدولة في الجيب!
يومها لاحظت بأن بنطال الرجل كاد يسحل فصحت: يا زلمة ـ رجل باللهجة الفلسطينيّة ـ دير بالك على بنطلونك.
واصل الخطيب تبشيره بالدولة الواقعيّة، والكف عن الحلم بتحرير كامل التراب الفلسطيني، وأمعن في شرح موازين القوى، والمتغيرات، وانتهاز الفرصة الواقعية التي هي في مرمى اليد.
الدكتور سلام فيّاض أعادني إلى أيّام تلك الأطروحات، ببيعه لوهم الدولة من جديد!
منذ ذلك التاريخ ونحن نتابع ليس عملية خلع البنطلون، ولكن كل الملابس التي تستر الجسد، في ستريبتيز سياسي توّج بصفقة (أوسلو)، و..لم نحصل على دولة، وتكشّف سراب السلام عن شيء يشبه محميّات الهنود الحمر.
من أين للدكتور سلام فيّاض هذه الثقة التي تفيض في مقابلاته، وخطاباته؟ الرجل بات مولعا بالخطابات والكاميرات، على غير ما عهده الناس في بداية ظهوره المحتشم، أيام الرئيس عرفات.
اكتسب الرجل أهميته من إصراره على تنظيم مالية السلطة، التي للحق كانت سائبة، وإنقاذ ألوف المتفرغين الذين كانت عمليات التلاعب في رواتبهم تؤرق أيامهم، فأراحهم بتحويل رواتبهم على البنوك ملغيا دور الوسطاء الذين كانوا يتحكمون بهم، ويبتزونهم، ناهيك عن نهب رواتب وهميّة لمتفرغين لا وجود لهم..وهذا ما يحتسب له.
الدكتور سلام فيّاض خاض معركة مع الراحل عرفات، وتوصل معه إلى تحديد صلاحياته ـ أي عرفات ـ في الصرف، واتفق معه على المبلغ الشهري المحدد لمصروفات الرئاسة، وهكذا وضع حدّا لتحكّم مزاج وتوقيع الرئيس عرفات بالمال العام، ونهب بعض المحيطين به، وهكذا وفّر الرجل كثيرا من المال، وإن لم يوقف عملية النهب، وتفشي الفساد!
جاء الرجل من البنك الدولي بخبرات مالية، و..لم يفصح عن طموحه إلاّ بعد رحيل عرفات، وتفكك فتح، واحتدام صراعاتها الداخلية، وانهيارها أمام حماس في قطاع غزّة، وضمور انتفاضة الأقصى، و..بؤس حال ما يسمّى بـ (اليسار)!
ليس هذا فقط، فقد بدأ ضخ المال للسلطة يحوّل ويصرف تحت إشرافه! ولأن المال الذي يفترض أنه عصب الثورة، بات السبب الأوّل لديمومة السلطة في رام الله ـ السلطة في قطاع غزّة تعيش بضخ أموال المؤمنين!ـ وتضخيم جهاز الأمن الوطني الذي يتولى الإشراف والإنفاق عليه سلام فيّاض، بحكم أنه رئيس الوزراء، والذي أظهر العين الحمراء في وجه المقاومين، وجعل من الأمن عصا في يده، فإذا بالرجل ليس مجرّد ما توحي به ملامحه، ودماثته! إنه في لحظة يمكن أن يكشّر عن أنيابه، و..يضرب أيضا، ويعلن مباهيا ما يأمر به أجهز(ته) التي أعدّت بإشراف الجنرال دايتون لقمع أي مظهر من مظاهر المقاومة!
الرجل هو حاليا الأقوى في السلطة، فأبو مازن ورغم تلاعبه بالمؤتمر السادس لحركة فتح، لم يزدد قوّة، وضعف فتح زاده ضعفا وعزلة، وكرّسه هدفا لغضب الفتحاويين المؤيدين له والمعارضين، ناهيك عن ان شركاءه في (السلام) حشروه أيام أولمرت، و..ها هم يعصرونه في حقبة نتنياهو وعصابته.
سلام فيّاض هو الأقوى لأنه الممسك بالمال، وكثير من قادة فتح السلطويين اعتادوا على الصرف بلا سقف، وهم يلوذون بالدكتور الذي يزودهم بما اعتادوا وأدمنوا عليه.
وسلام فيّاض يقبض على أجهزة الأمن، ولا سيّما جهاز الأمن الوطني، الذي ضخّم بعناية ورعاية دايتون، والمستوعبون في الأمن الوطني هم من الشباب الصغار الذين لا يعرفون شيئا عن الثورة الفلسطينيّة المعاصرة، والذين يربون ويحقنون بالحقد على المقاومة التي هي (إرهاب)، وعلى أن ( إسرائيل) جارة ( لنا) و..نحن ستكون لنا دولة بجوارها، ولكن من خرّب و(أجل حصول.. نا) على الدولة، هم (المخربون)!
هؤلاء الشباب المضللون يعانون من البطالة، ومن الجهل، فهم غير متعلمين، فالمتعلمون لا يستوعبون في الأمن الوطني!
يظن سلام فيّاض أنه أقوى من (عرفات) الفدائي، قائد الثورة، رئيس المنظمة، الذي قدّم تنازلات لا يجرؤ عليها أحد..ومع ذلك كوفئ بالسّم!
من أين للدكتور سلام فيّاض الجرأة ليعلن لصحيفة (هآرتس) الصهيونية، أنه سيستوعب اللاجئين الفلسطينيين في الدولة الفلسطينيّة ..أي في ما تبقّى من الضفّة؟! ..مع التذكير بأن القطاع يضيق بساكنيه!
الدكتور فيّاض يتنازل عن حقوق ليست له، فالفلسطيني لا يمثّله أحد في حقه بالعودة، ليس فقط لأن القرار 194 يكفل له هذا الحق، ولكن لأن فلسطين هي وطن الفلسطيني الذي لم ولن يتنازل عنه.
الفلسطيني رفض التوطين، والوطن البديل، وتبديل الوطن، ورفع شعار حق العودة، وأورثة لأبنائه الذين سيورثونه للأحفاد، وهكذا حتى تتحرر فلسطين، ويعود الفلسطينيون إلى أرض آبائهم وأجدادهم.
في حواره مع صحيفة (هآرتس) الصهيونيّة ـ اسمها الأرض يا للمفارقة ـ يتنازل فيّاض عن حق العودة، واعدا بتوطين اللاجئين في الضفّة، منفذا ما أراده باراك في (كامب ديفيد) من عرفات، وبثمن بخس، هو الحفاظ على السلطة!
الدكتور فيّاض كان خبيرا في البنك الدولي، وخبرته قد تفيد في تنظيم المال الفلسطيني، ولكنها لا تبيح لصاحبها أن يتنازل عن فلسطين وعروبتها، وحق شعبها بها!
قيادة فتح عمليا تنازلت عن حق العودة، بلسان أبو مازن، وبالقبول بدولة على الـ'22 من الضفّة، و..لأنها قبلت بهذا السقف المنخفض، فقد خسرت حتى ما أرادت أن تحصل عليه لبناء الدولة المأمولة في الضفة والقطاع والقدس الشرقيّة!
يبدو أن الدكتور فيّاض لا يتوقع منّا طرح أسئلة عليه، فهو يتصرّف وكأنه المنقذ المنتظر، وأنه لثقة الممولين الأوروبيين، والرعاة الأمريكيين، والمحتلين الذين يشاركهم احتفالاتهم ويهنئهم بها، سيحظى بثقتهم جميعا، بحيث يمنحونه دولة لحسن سلوكه، ولأنه أنهى المقاومة، مؤقتا، في الضفة، بمطاردة وشراسة رجال أمنه (الوطني)!
لا ينظر الدكتور سلام فيّاض إلى مواقع قدميه، ولا يعترف بأنه لم تبق أرض تكفي أهلنا في الضفّة، وأهلنا في القدس الذين يختنقون، وينتزعون من بيوتهم، ويلقى بهم في العراء والخيام...
أين ستوطن هؤلاء من جديد يا دكتور؟!
أيّام قليلة على حوار رئيس وزراء تصريف الأعمال مع 'هآرتس'، وإذا بقرار طرد فلسطينيي غزّة و(ترانسفيرهم) من الضفة التي لا سيادة لكم عليها!
يا للفضيحة!..إذا فأنت يا دولة الرئيس لا تمون على منح فلسطينيي القطاع حّق الإقامة في الضفّة!
قريبا سيلاحق من لا يحملون إقامات!..تباهيتم كثيرا بتسريب قرابة مائتي ألف بعد (أوسلو)!..ماذا عن الزوجات الأجنبيّات، فالترانسفير على مراحل!
الدكتور فيّاض يبشّر بدولة في غضون سنتين!
على أية أرض؟ ..وما هي الأوراق في يد الدكتور فيّاض وبطانته الموالية المنتفعة..سوى التنازل عن حق العودة، وملاحقة المقاومين؟!
يباهي فيّاض ببناء مؤسسات الدولة رغم أن الأرض ضاعت، والقدس هوّدت إلاّ قليلا..ومؤسسته الوحيدة التي بنيت برعاية دايتون هي مؤسسة الحفاظ على أمن الاحتلال.
أنت ومن حولك يا دكتور لستم سوى غطاء لنهب الأرض، والترانسفير، فاتعظ يا رجل..وكف عن بيع الأوهام..قبل فوات الأوان..هداك الله!