أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أليس للحجر ألوان.. غير الأسود؟!

بقلم : ردينة حيدر  ... 12.03.2010

على مدى تسعة أيام لأفلام مهرجان الدوكس بوكس، ونحن نعيش بفرح طفل امتلك لعبة، كانت مجرد حلم في واجهات المحلات، نعيش تلك التجارب المذهلة لبشر آخرين، يعيشون معنا على هذه الأرض، وليس بمحض المصادفة..
نملئ بشغف قاعاتي مسرح الحمراء وسينما الكندي، نعيد لها الضجة، وتعيد لنا الحياة، نتواصل، فنتذكر أننا بشر قادرين على الضحك، على البكاء، على التواجد بكثافة حيث الضوء، لكن اليوم في فلم حجر أسود (الذي تناول حياة مجوعة من الأطفال العاملين في جمع النفايات التي يعاد تصنيعها، في منطقة الحجر الأسود)، ولأكثر من ساعة، لم يكن هناك في الصالة الممتلئة، أي أثر لأية همسة أو ضحكة أو تعليق كما اعتدنا في الأفلام السابقة، اليوم خيم البؤس والأسى، عدنا أدراجنا إلى عصور ما قبل الضحك، أي ما قبل الإنسان، وحيث خيم الصمت ككابوس فوق صدور توقفت عن الشهيق، وحده الذل كان سيد المواقف، وسيد الصالة، وخلفه كنا متوارين تماما، كل ما استطعنا إليه سبيلا، هو "التنفيخ من عمق موشك على الاضمحلال" ..
وعندما وقف مخرج العمل بشجاعة، كتلك التي صور بها الفلم، أمامنا ليتلقى تعليقاتنا على الفلم، وقف كل المشاكسين، والباحثين عن الثغرات الإنسانية، مكمومي الأفواه، فهل ثمة إنسانية بعد كل ذلك، كل ما كنا نفكر ونتوحد به كفكر جمعي، كان ماذا سنفعل بعد ذلك؟ السؤال الذي ربما لم يتجرأ أحد على طرحه، فالكل يعرف أن الجواب هو "لاشيء" سوى أننا إذا ما صادفنا أحد هؤلاء "الصاعين" في الشارع، وحاولوا تعريفنا على أنفسهم بنظرة حزن عميقة، قد تكون مصحوبة ببعض التلطيشات، سيمر في ذاكرتنا شريط فلم حجر أسود، فصمت..!
لكن في الحقيقة كان ثمة سؤال آخر أشد خطرا وفتكا للروح، ألا وهو: كيف سمحت الرقابة العتيدة، بعرض هذا الفلم الأسود بعد أن منعت، ولوقت طويل، عرض كل الأفلام التي تتناول واقع عمالة الأطفال في قلب دمشق، كما في الكثير من مناطق السكن العشوائي المنتشرة كالوباء في ضواحي دمشق..!
والجواب الخانق هذه المرة، أنها لم تعد تكترث، لأننا نحن أيضا لم نعد نكترث..!
وحجمنا الثقافي العائلي، صار هو العمى..!
لكن للحجر ألوان أخرى.. وحيث كان يشير بطلا الفلم في النهاية، من قاسيون، كان يتربع على عرش السفح الممتد لون رمادي..
سيصبح بعد قليل أسود.. أسود كبير..!
تحية لنضال الدبس، وخالد خلفية وكل من ساهم في هذا العمل الموجع، كخبطة متواصلة على الرأس..
تحية لكل من ساهم في إنجاز هذا المهرجان الرائع.. أفلام الدوكس بوكس..

المصدر : موقع نساء سوريه