بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 07.06.2010
يبدو أن مقاتلي كتائب القسام في قطاع غزة قد شبعوا أسمنت، وفاض عن حاجة مواقعهم، أو اكتفوا بما جهزوه من مواقع عسكرية قادرة على مواجهة إسرائيل، ولم يعودوا بحاجة إلى مزيد من الأسمنت لتحصين آلاف الأنفاق التي حفروها على طول قطاع غزة وعرضه. لا أذيع سراً عسكرياً، وإنما أشير إلى حقيقة أسعار الأسمنت التي انخفضت في قطاع غزة بنسبة 70% مما كانت عليه قبل عام، بل أن الأسمنت يعرض للبيع في شوارع قطاع غزة مثل الطماطم، والخيار، والبطاطس، وتراه مكدساً في الشوارع مثل البطيخ!
إذن لا صحة لما تدعيه إسرائيل، ومخابراتها، وأجهزتها الأمنية، بأن إسرائيل تمنع إدخال مواد البناء لئلا تستخدمها حماس في بناء مواقع عسكرية، وأن إسرائيل منعت السفينة "راشيل كوري" لأنها تحمل على ظهرها 500 طن من الأسمنت، ستمكن حماس من إنشاء قواعد عسكرية، والشواهد على قارعة الطريق تقول: الأسمنت المهرب من الأنفاق يفيض عن حاجة مواقع حماس العسكرية، وقد سمحت إسرائيل قبل أيام بدخول أول شحنة من الأسمنت لوكالة غوث اللاجئين، ونشر ذلك في خبر صغير مر عليه أي مواطن دون انتباه، وربما لا يعني هذا الخبر شيئاً للعربي الذي يسمع عن حصار غزة، ولكن للأمر دلالة النصر والهزيمة، الصمود والانهيار، الوطن والخيانة، الاحترام للنفس والمهانة، فعندما تسمح إسرائيل بإدخال الأسمنت ـ وإن كان لوكالة غوث اللاجئين ـ فمعنى ذلك أن الأسمنت الذي تهرب من خلال الأنفاق، وبكميات تسمح بالتعمير في غزة، قد كسر الحصار الإسرائيلي، والاحتكار أيضاً، ومعنى ذلك أن هذه المادة قد خرجت من قائمة الضغوط على سكان غزة، ومعنى ذلك؛ أن الإنسان لقادر على صنع حياته، وأن أبا القاسم الشابي قد رضع الحليب من صدر غزة، ونظر في عينيها وهو يقول:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
يعرف الناس في غزة أن سعر الأسمنت سيصير في الأيام القادمة أرخص من سعره في رام الله، تماماً مثلما صار ثمن السجائر في غزة أرخص منها في رام الله، ومثلما صار ثمن الوقود في غزة أرخص منه في رام الله، ومثلما صار الاستعداد العسكري الفلسطيني للجولة القادمة من الصراع أجلى وأوضح من تواصل المفاوضات في رام الله.
لقد أثبتت التجربة أن المنع الإسرائيلي في إدخال الوقود، قد رفع سعره قبل عامين حتى صار كالذهب، وعندما نجحت الأنفاق في إدخاله، وكسر احتكاره، صار سعره ربع السعر في رام الله، وكذلك السجائر، وباقي الحاجيات التي نجحت أنفاق الكرامة في كسر حصارها. ليطل علينا السؤال مع الغمز: لماذا يهاجم أعداء غزة الأنفاق، ويكتبون فيها قصائد الهزل والتهكم؛ والحقيقة تقول: لقد نجحت غزة في بناء برج الكرامة من داخل النفق؟.