أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
استنفار القلم في يوم "حرية" الصحافة !!

بقلم : أ.رابحة الزيرة ... 03.05.2010

يحتفل العالم في مثل هذا اليوم؛ الثالث من مايو من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وشعار هذا العام هو "حرية الإعلام: الحق في الحصول على المعلومات"، ودرجت العادة في كل عام على اختيار عشرة مواضيع رئيسة تُعطى أولوية إعلامية قصوى لتوعية الناس بها وذلك لتوجيه الاهتمام الدولي وتوحيده نحو قضايا أمميّة قد تكون مهمّشة أو منسيّة رغم أهميتها في تحسين أوضاع الناس الحياتية، كما يتمّ تكريم شخصية أو مؤسسة إعلامية مميّزة (بحسب معايير اليونسكو) أسهمت في تعزيز حرية التعبير وتكون الأحقّية عادة لأولئك الذين تعرّضت حياتهم للخطر دفاعاً عن حرية الصحافة والإعلام.
ربّما تماشياً مع هذه التوجّهات، ولتحقيق مصداقية أكبر لدى المحافل الدولية أعلنت وزارة الثقافة والإعلام البحرينية في اليوم العالمي لحرية الصحافة من العام الماضي "جائزة البحرين لحرية الصحافة" في محفل إعلامي ضخم حيث أكّدت على "أن هذه الجائزة التي ستُمنح للمرة الأولى في يوم الصحافة العالمي 2010 تأتي متواكبة مع سعي مملكة البحرين لتحقيق قدر أقصى من (الأمان) و(الحرية) للصحافة والصحافيين في إطار القانون وتنظيم الأطر الإجرائية التي ترتّب ممارسة العمل الصحافي، باعتبار ذلك كلّه بعداً أصيلاً من أبعاد المشروع الإصلاحي".
كثيراً ما أتحاشى الخوض في الشأن المحلّي بسبب ضيق صدور المسئولين هنا وسوء استغلالهم لوسائل الإعلام والصحافة على وجه الخصوص للمسارعة بالردّ وتبرئة ساحتهم بكلام أنسب ما يقال فيه أنه "كذب صريح" رغم وجود كل الشواهد والأدلة التي تثبت عدم صدقيته، ولكن، ثمّة مفارقات استنفرت قلمي لأتطرّق في اليوم العالمي لحرية الصحافة لبعض ما غضضت الطرف عنه من انتهاكات لحرية التعبير وتداول المعلومات في بلد تُخصَّص فيه جائزة سنوية لحرية الصحافة!
من المفارقات، إن القرار رقم "واحد" لوزارة الثقافة والإعلام لعام 2009 أمر بـ"حجب المواقع الالكترونية التي يصدر بشأن حجبها قراراً من الوزير"، ما أدّى إلى إغلاق ما يفوق ألف موقع الكتروني محلّي وإقليمي وعالمي، بعد إدراجها تحت قائمة المواقع "الطائفية" و"الإباحية"، كان على رأسها موقع "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" وهي مؤسسة قانونية مستقلة تتّخذ من المواثيق الدولية مرجعية لها، وغيرها من مواقع إخبارية ومنتديات حوارية ومدوّنات صحافية لا علاقة لها بالطائفية ولا الإباحية.
صدر هذا القرار في يناير 2009 واستمرّ رغم مخالفته لتعهّدات البحرين أمام مجلس حقوق الإنسان، ولبنود العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على "أن لكل إنسان حق في حرية التعبير"، ولميثاق العمل الوطني، وللمادة 23 من دستور البلاد، ورغم كل الجهود التي بُذلت لرفع هذا الحظر على حرية الإعلام. وبحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، فإن مرتبة البحرين في مؤشر حرية الصحافة تراجعت 52 رتبة منذ عام 2002 (بداية عهد الانفتاح)، بينما تردّت 23 رتبة مقارنة بالعام 2009، فحلّت في المرتبة 199 عالمياً بعد أن كانت في المرتبة 96 (!) وتزامن ذلك مع التضييق على عدد من الصحافيين ورفع الشكاوى المسيّسة ضدّهم أمام المحاكم!
تستدلّ الجهات الرسمية على اتّساع مساحة حرية التعبير وترسيخ قيم حرية الصحافة والإعلام بارتفاع عدد الصحف اليومية والأسبوعية الصادرة في المملكة، حيث كانت أربع صحف في العام 1999 فأصبحت أربعة عشر صحيفة في العام 2010، مع أن أكثر أخبارها الرسمية لا تعدو أن تكون نسخاً مكرّرة من حيث صياغة الخبر، وطريقة نشره، والصور المصاحبة له، فيكاد القارئ يجزم بأن نشر الخبر وتوابعه قد ( أُملي) على الصحف، وإن أنكر القائمون على وسائل الإعلام ذلك .. فكثرة الصحف إذاً ليس دليلاً على تعدّد منابع الأخبار أو صدقها، ولا على مزيد من حرية التعبير بعد أن تحوّلت كل صحيفة إلى منبر خاص لفئة ما أو جمعية أو طائفة.
لا ننكر أن المعلومات المتوفرة لعموم الناس الآن من خلال الصحافة الورقية والالكترونية أكثر بكثير مما كانت عليه سابقاً نتيجة لعلم الجهات الرسمية بأن الأخبار التي تحاول إخفاءها أو التستّر عليها ستنتشر وبسرعة أكبر رغما عن إرادتها وبخلاف ما تريد فتبادر هي بصياغة الخبر وتعتيمه في محاولة أخيرة لحجب الحقيقة عن الناس، فإن انكشف وتمّ تداوله شُكّلت (لجان تحقيق) لكي يُنسى مع الزمن.
على غرار ما تقوم به الجهة المسئولة عن "اليوم العالمي لحرية الصحافة"، أقترح على وزارة الثقافة والإعلام بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني اختيار مجموعة من القضايا المحورية، والملفّات العالقة، ذات العلاقة بمستقبل الوطن وحقوق أبنائه وسلمه الاجتماعي – كملف العنف الطائفي في المدارس، وأملاك الدولة، والتدهور الأخلاقي، والاعتداء على الأطفال وغيرها - لتوليها اهتماماً (إعلامياً) خاصاً خلال العام المقبل بحيث تضمن توعية الناس بها بنشر الأخبار (الصادقة) عنها.
لا علم لي بمعايير جائزة حرية الصحافة، ولا الجهة المخوّلة بالاختيار، ولكن العقل يقول بأنه لابد أن تكون جهة محايدة وذات مصداقية، والحكمة تقول حبّذا – في المستقبل - لو يتم اختيار أكثر الصحافيين أو الصحافيات (جرأة) و(موضوعية) في طرح القضايا التي تمسّ واقع الناس وتدفع نحو حلّ مشاكلهم لا المتسلّقين المتملّقين.

جمعية التجديد الثقافية - مملكة البحرين