أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
ردع الديمقراطية العربية!!

بقلم : د.خالد الحروب ... 19.05.2010

إن الافتقار إلى الديمقراطية في العالم العربي يرجع إلى تحالف آثم شرير بين المصالح الغربية والأنظمة الاستبدادية المحلية، وهو التحالف الذي يبرره الطرفان بمزاعم "الخصوصية الثقافية" التي تنفرد بها المنطقة. أو نستطيع أن نقول باختصار إن الغرب وجد أنه من الأسهل كثيراً أن يتعامل مع أنظمة حاكمة غير ديمقراطية في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الاستعمار، ومن الواضح أن هذه الأنظمة استفادت كثيراً من دعم الغرب لها واعترافه بها في تهميش القوى الليبرالية والديمقراطية المحلية، فمهدت بذلك الطريق لصعود التطرف الإسلامي.
ولقد استخدم الجانبان العصي والجزر لصيانة هذا التحالف. على سبيل المثال، كان تركيز الغرب على الإصلاح والديمقراطية في الأعوام الأخيرة في كثير من الأحيان بمثابة رسالة تهديد مفادها: "إما أن تساعدونا في العراق أو نمارس الضغوط لفرض الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدانكم". وكان رد الأنظمة العربية على نفس القدر من التهديد: "إن لم تكفوا عن الضغط علينا فيما يتصل بقضية الإصلاح فلن نتعاون معكم في الحرب ضد الإرهاب!".
وهناك قضيتان رئيسيتان أخريان أسهمتا في تعزيز هذه المقايضة: إسرائيل وصعود الحركات الإسلامية. ينظر أغلب العرب إلى إسرائيل باعتبارها كياناً غريباً وغير مشروع فُرِض بالقوة على أرضٍ فلسطينية وبدعم من الغرب. وإذا تسنى توجيه هذا التصور عبر قنوات ديمقراطية وسُمِح له بصياغة سياسات البلدان العربية في التعامل مع إسرائيل، فلا شك أن أي مفاوضات سلام سوف تصبح أشد تعقيداً مما هي عليه الآن.
وعلى هذا فمن الأسهل كثيراً بالنسبة للأنظمة الاستبدادية في بلدان مثل مصر والأردن (وربما سوريا في المستقبل) حيث لا يحتاج الأمر إلى موافقة برلمانية، إطلاق المفاوضات والتوقيع على اتفاقيات السلام مع إسرائيل. وعلى نحو مماثل، في بلدان مثل المغرب وتونس وموريتانيا وقطر وعمان والبحرين، حيث نجد مستويات منخفضة متفاوتة من الاتصالات والتمثيل الإسرائيلي، تستطيع الأنظمة غير الديمقراطية أن تعين مستوى العلاقات التي ترغب في إقامتها مع إسرائيل كيفما تشاء.
ولا يشكل صعود الإسلام المتطرف عقبة أقل خطراً حين نتحدث عن الديمقراطية العربية. ذلك أن عقوداً من التحالف الآثم بين الأنظمة العربية المستبدة والغرب كانت سبباً في ظهور الإسلام المتطرف باعتباره قوة "للخلاص". وإذا افترضنا إمكانية إجراء انتخابات حرة نزيهة في أي بلد عربي، فإن نتيجة هذه الانتخابات سوف تكون صعود الإسلاميين إلى السلطة. وكانت هذه هي الحال في الجزائر في الفترة من 1991-1992، وفي العراق في عام 2005، وفي الضفة الغربية وغزة في عام 2006. ولقد سمحت بلدان أخرى مثل الأردن والمغرب والكويت واليمن والبحرين بحيز أكثر تقييداً من الديمقراطية، وهناك أيضاً شغل الإسلاميون ذلك الحيز على الفور.
لقد أهدر الغرب عقوداً من الزمان، وضيعوا عدداً لا حصر له من الفرص لتأسيس أنظمة قادرة على تمكين القوى الليبرالية والديمقراطية العربية. وكان الدعم الأعمى الذي كفله الغرب للحكام المستبدين في البلدان العربية سبباً في تقلص أي أمل في التغيير السلمي. وفقدت العملية الديمقراطية هالتها المميزة وزخمها، لأسباب ليس أقلها أن العملية الديمقراطية تبدو وكأنها تؤدي إلى صعود حركات سياسية يرى الغرب أنها غير مقبولة. وتآكلت فكرة الديمقراطية بالكامل وفقدت مصداقيتها بعد أن فاض التطرف الذي غمر العديد من المجتمعات المسلمة وانتشر إلى جالياتها المقيمة في الغرب.
وعندما أطلقت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش مبادرة شراكة الشرق الأوسط لإرساء الديمقراطية في عام 2002، تبين أنها جاءت متأخرة أكثر مما ينبغي ـ وبطبيعة الحال وافاها الأجل قبل الأوان. كانت الميزانية التي خصصت لهذه المبادرة 29 مليون دولار، ولكننا نستطيع أيضاً أن نعزو وفاتها السريعة إلى تصميمها الذي اتسم بقِصر النظر ـ وباراك أوباما الذي أبدى اهتماما ضئيلا بالقضية. والواقع أن امتداح باراك أوباما للرئيس المصري حسني مبارك بوصفه رجلاً يسهل التعامل معه كان سبباً في إحباط معنويات الجماعات المصرية المعارضة، التي كانت تناضل ضد الحاكم المستبد الذي طال أمد حكمه وضد جهوده الرامية إلى ضمان توريث منصبه لولده جمال مبارك.
والولايات المتحدة ليست الطرف المذنب الوحيد في هذا السياق. فقد لعبت أوروبا دوراً رئيسياً في تثبيط وعرقلة الإصلاح الديمقراطي في ليبيا والمملكة العربية السعودية. فقد تحولت ليبيا إلى مقصدٍ للحجاج من الزعماء الأوروبيين الراغبين في الفوز بصفقات النفط والاستثمار التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات. ولم تشتمل عملية إعادة تأهيل نظام القذافي على أي مسعى نحو تخفيف القمع السياسي في ليبيا.
وتشكل المملكة العربية السعودية حالة أكثر دلالة، إذ لم يجازف أي زعيم أوروبي بمعاداة النظام السعودي من خلال إثارة قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان. فلا تزال المرأة السعودية ممنوعة من قيادة السيارات، والسفر بمفردها، والعمل أو الدراسة من دون حصولها على إذن من أحد أقاربها الذكور. والواقع أن المجتمع السعودي، وغيره من المجتمعات في بعض بلدان الخليج الأخرى، يفتقر إلى المستوى الأدنى من الحرية والمشاركة السياسية. وباسم الخصوصية الثقافية تنتحل الأنظمة العربية المعاذير لإبقاء الوضع الراهن على حاله ـ وتستخدم الحكومات الغربية نفس الذريعة لتبرير السياسات "المفرغة من القيمة" التي تنتهجها في التعامل مع هذه الأنظمة.
إذا جمعنا كل المقايضات بين الغرب والأنظمة العربية وأضفنا إليها العامل الإسرائيلي وعامل الإسلام المتطرف، فمن المحتم أن نصل إلى استنتاج مثير للقلق ولا مفر منه: ألا وهو أن الغرب لا يستطيع تحمل تبعات الديمقراطية في المنطقة.