بقلم : منى الحبانين ... 12.12.2009
تثبيت القهر في نفسية المرأة البدوية بكل الطرق وبكل الوسائل في جسدها وقلبها وعقلها ,سلب منها الإرادة والقدرة على المجابهة على جميع الأصعدة سواء كان على الصعيد الشخصي او الاجتماعي اوالعام ,لذا نجد أنفسنا كنساء بدويات باننا نشعر باننا بحاجة إلى الآخر أو الأخرى,..تجدنا مشلولات القدرة على الرفض والموافقة او المبادرة ,ونشعر بالقهر ونستمتع به حبا قهريا لإرضاء الآخر. و منذ طفولتي وأنا أشاهد واسمع مصطلحات كنت ارددها حين أقوم باللعب مع قريناتي ,اشعر بالزهو حين العب دور المعيل وأشير إلى الأنثى بيا "حرمة هاتي" ويا "ولية" ويا "مستورة" "بنت" الخ,وكنت أرى بهذه المصطلحات إنها صادرة من الجهات القوية المسيطرة "مصدر القوة"على تلك الفئة التي تتلقى الأوامر ,كنا نقلد الأدوار ليس أكثر.
وحين ترعرعت وكبرت أصبحت استاء جدا من هذه المصطلحات ولكن بشعور خفي غير ناطق ,حديث النفس للنفس التي تحلل وتغضب تثور زوبعة داخلية لا تتعدى الأنا ,حرمة ما معنى حرمة ,ولماذا تلك النبرة الآمرة "بنت",ولماذا لا يتم التوجه إليها باسمها ,كنت اسمعها تناديه يا أبو احمد ,ولما لم تقول له "يا ولد" أو يا "مستور",وكنت أفكر لو مرة بانها نادته بهذه المصطلحات ماذا يمكن أن يحدث؟ ,وفي إحدى جولات اللعب في الحقل كانت هنالك طريق للمارة ... حيث مر رجل غريب فطلبت من إحدى البنات أن تناديه "يا ولد" ولا تتركه حتى يلتفت إليها ،عملت بقولي فالتفت إليها لاعنا أباها ونعتها بأنها "قليلة التربية",يا ولد تنزل من قيمته وكرامته كرجل لذا ثار جدا ,فالولد هو الشخص الغيربالغ ,فلماذا ينادون المرأة البالغة بيا"بنت" هل هي لم تعد ناضجة بعد لست ادري ؟,..صاحبني ذلك الشعور الساخط على تلك المصطلحات والمعاملة ,وحدثتني نفسي انها ستزول مع مرور الزمن ,ومرت السنين بي ونعتوني بتلك المصطلحات ,وصراحة صمتت, لم ابد اعتراض بل بقي عميقا في داخلي شعوري بالاستياء والنقمة على تلك المصطلحات ,اشعر بغضب خفي واردد عبارات "أنا مش بنت أبوك",وددت لو اصرخ بصوت عالي ومسموع بتلك العبارة ونحن لسنا حريم بل شريكات في الحياة متساويات ,عليهم احترامنا على اساس اننا جزء من العائلة ومن المجتمع ولسنا الشى الثانوي الذي يتحتم عليه الانصياع وتقبل الأوامر وتقديم الطلبات بالنهر والسيطرة وبحكم عادات سيئة متوارثة , والرجل ينظر الى المرأه وهي تحاول بكل قدرة لديها أن تقوم بإتمام أعمالها المنزلية ويتوقع أن تقدم له كاس ماء ايضا وتخدمه!!.
يرفض في ذاته وأنانيته التي نشا عليها أن يقوم هو بالنهوض وجلب كاس ماء لنفسه,وهنا اتساءل : هل اذا أقدم على جلب كاس الماء لنفسه يشعر بنقص في تسلطه وسيطرته على تلك ألكائنه التي يدعوها رفيقة دربه؟..نعم انه حب السيطرة والسيادة والعلو التي نشا وتربي عليها ,والتي تماما تناقض ديننا الحنيف لأنه رسولنا صلوات الله عليه وسلامه قام بمساعدة زوجاته رضوان الله عليهن في اعمالهن المنزلية ,وما يقومون به اليوم ما هو إلا موروث عادات وتقاليد وتلك النزعة الذكورية وتفضيل الذكور على الاناث وتهميش دورهن وسلبهن حقوقهن الإنسانية والاجتماعية في الحيزين العام والخاص التي قام ديننا الحنيف بإعطاء المرأة فيها كافة الحقوق والميزات التي يجب أن تفتخر بها كل مسلمة , فقد كانت الكثير من النساء فقيهات مفكرات وشاعرات ولديهن استقلالية اقتصادية فقد عملن في التجارة ونافسن الرجال وشاركن في الندوات,بينما اليوم هنالك عراقيل وحواجز لمجرد دورات لمحو ألامية أو مشاركة في موتمرات رغم انه في الاسلام خرجن النساء للجهاد في ساحات الحروب,,, فاليوم تُمنع أن تشارك في مظاهرة لنصرة دينها ورسولها!!
ومن جهة اخرى ومع كل هذه المعوقات نرغب بوجود مجتمع متنور ومتقدم؟ ولكننانقوم ببتر جناحه ونطلب منه التحليق بجناح وحيد فحتما ذلك الطير الذي يحاول التحليق بجناح وحيد سيكون طيرانه مثيرا للغرابة والاستهجان ومن ثم بعد عدة أمتار سوف يسقط و سيبقى لفترة زاحفا يمد يداه يود النجدة ,أو انه لن يبقى هنالك طير!!.
إن تهميش دور النساء كشريكات حياة وليس فقط تهميش بل الغاءالدور هو الخطأالفادح الذي يقوم به المجتمع باقتناعه انه بهذه الطرق وبهذه الصورة يساهمون في الحفاظ على قداسته وحفظ عاداته وتقاليده وهذا باعتقادي خطأ كبير, حيث ان عدم افساح المجال للمرآة البدوية بالتقدم واخذ دورها كشريكة لها واجباتها اتجاه مجتمعها وحصولها على كامل الحقوق يجعلها انسانة بلا دور لا تشعر بالمسوولية اتجاه الغير ومجرد انسانه اتكالية على الغير تعتد على قرارات الغير ,غير مستقلة فكريا واقتصاديا, وتكون مجرد امراة اليه تحركها الاوامر الذكورية وليست من خلال قدراتها كفرد له تطلعاته واماله وافكاره!!
وعليه يترتب القول لكل من يبحثون عن الحضارة والتقدم , بانه بهذه الصورة لن تُبنى حضارة بتاتا فعماد المجتمع الام, وهذه الام للاسف جعلنا منها انسانة جاهلة واتكالية والزمناها بقوانين الأعراف والتقاليد الباليه ,وما زلنا ننعتها بالحرمة وبمصطلحات ينعتها بها المجتمع بالجهل و "كلام حريم" و"كلام نسوان",[أي كلام فارغ تافه غير جدي ], وبالتالي لابد من الاعتراف ان المجتمع الذي لا يعطي الفرصة للمرأة بالتقدم واخذ دورها كما يجب مجتمع غير حضاري,فليس هنالك مجتمعات ناجحة دون امراة ناجحة ,لان العماد والأساس وخاصة في مجتمعنا العربي هو المرأة التي تقوم على تنشئة الاجيال,فحين لا تكون واعية لحقوقها ولتاريخها ولثقافتها وهويتها وعروبتها فلن تكون هنالك اجيال واعيه وستنشأ أجيال تتقمص دور الرجولة الذكوري وتقلده بإتقان, وهو الدور الشكلي المظهري الذي قمصه اياه مجتمعه ,دور هامشي سطحي يطغى عليه الشكليات والمظاهر وحب الذات ,وتلك النفخات والنفحات والنزعات العائلية والقبلية والنظرة الدونية لشريكة الحياة التي تتمثل بالزوجة والاخت والام, ويتحول الى شخصية انانية مادية محبة للشكليات والمظاهر التي نشا عليها مما يجعله فردا غير معطاء غير مساهم لا يشغله هموم مجتمعه وشعبه واكثر ما يشده هو مجاراة العصر والتقليد الاعمى للمظاهر الشكلي!!
ولكن ما يتعلق بالمرأه فنجد ان مكتسباتها لا شئ حيث,ترعرعت على الولاء والاستسلام والاعتماد على العائلة التي تتمثل بالوالدين ومن ثم تنتظر فرصة الانتقال الى بيت الزوجية دون ان تعطى فرصة تعليم او الاستقلالية والاعتماد على الذات وابداء رايها وطرح قرارتها ,ولذا نجد ايضا ولاء الام وخضوعها وترويضها على الولاء لعادات تحرمها من ممارسة حقوقها في الحياة يجعلها تروض ابنتها على نفس النمط وتخضعها له وتتهمها بالتمرد حينما تحاول التغيير في واقعها!!
من هنا نجد ان المرأه وتطلعاتها تبقى محدوده , حيث ان اكبر واقصى انجاز نفتخر به كنساء عربيات في النقب هو حصولنا على اللقب الاول او الثاني في الكلية او الجامعة بينما الحقيقه هي ان علينا ان نكون اقوى في مجالات اخرى متعددة ويجب ان تكون هنالك الباحثه العالمه والمتخصصات في مجالات اخرى غير العمل في مجال التعليم!,ولماذا لا نساهم مثلا في دورنا في اتخاذ القرارات ودمج انفسنا في السلطات المحليه ولماذا لا توجد حركة نسوية تعنى بجميع المجالات دون انتظار سياسة صناديق الدعم المعرقلة لصيرورة العمل!,..علينا ان نتحدى العراقيل لنصل ,وعلى الطرف الاخر والمتمثل في الرجال ان يفقه اننا يجب ان نعمل كجسم واحد للسمو بالمجتمع لانا هدفنا هنا ليس التمرد بل نود تقييم المجتمع وتحدي الافكار "الغربية" التي تغزو مجتمعنا,, نحن بالتأكيد لا نود التغيير الشكلي بل الجوهري لنستطيع تغيير ما هو سئ واستقبال الطيب ليشعر الجميع بالفخر بالمراة العربية البدوية وعليه يتطلب القول في الختام باند من المفروض ان لا يساهم المجتمع بابقاء النظرة الدونية نحو المرأه ..فلدى النساء البدويات طاقة وقدرات ولكن هنالك عراقيل وكبت لقدراتها ,فان الاوان للعمل لان العمر يمضي والحديث عن المساواة لا ينتهي فاتركوا الجدل وهيا يد بيد لركب الحضارة والتقدم!!