بقلم : سلوى زكزك ... 22.12.2009
لاأدري أهي صدمة عاطفية أم فكرية تلك التي عصفت بي عند التقائي بها وبعد السؤال عن الحال والأحوال فاجأتها بلكمة شرسة وسألتها "كم ولد عندك..؟" ففاجأتني بلكمة أشد ضراوة "ولا واحد.."
وقبل أن أداري خجلي اعتقاداً أني قلبت أوجاعها الصامتة قامت بتسديد الضربة القاضية "أنا من الأساس أرفض فكرة الإنجاب ومتفقة مع زوجي على هذا، زواجنا لن يكلل بالأولاد كما هو العرف.."، جوابها أدهشني ودفعني لتكرار السؤال على نساء عديدات متزوجات وعازبات.
كان الجواب الأكثر شيوعا والأكثر مدعاة للألم هو أن إنجاب الأولاد أمر غير قابل للنقاش وان الزواج في أساسه مؤسسة للتوالد ولاستمرار الأجيال.
لكن بالمقابل عازبات عديدات بررن لي أنهن لم يتزوجن لرفضهن القاطع للإنجاب، أخريات قلن أنهن لا تحتملن أوامر الرجال ومشاق مسؤولية البيوت والزوج وأهله والقوالب المجتمعية، فكيف ببكاء الأطفال ومخلفاتهم وهمومهم، بينما ذهبت أخريات إلى حد التشنج والمغالاة حين أعلن وبجفاء شديد "الكلبات يلدن في الطرقات فهل لا نكون نساء إذا لم نتوالد..!".
ثمة نساء كثيرات لديهن أبناء، لكنهن عبرن عن أسفهن لأنهن لم يستطعن تأجيل إنجاب الطفل الأول على الأقل، كي تتاح لهن فرصة التعرف والتعود على الزوج والحياة الجديدة..
وأكدت بعضهن وهن الآن مطلقات، أن النساء لو كنّ واعيات أو قادرات على التحكم بقرار الإنجاب في السنة الأولى لوفرنّ العذاب والشقاء والتشرد عن آلاف الأطفال..
أما المتزوجات في أعمار صغيرة فيعترفن بأنهن تعاملن مع أطفالهن الأوائل كدمى حية أضفت على حيواتهن بعض التسلية وبعض الدموع الطفولية.
إذن لم يكن ما صرحت به تلك الصديقة حالة خاصة وعرضية وربما أستطيع الآن فهم سبب رفض الكثير من الأمهات لأبنائهن الأوائل واكتئاب وانتحار أخريات.
لابد من ملاحظة إن قضية الإنجاب تفتح الباب مشرعا أمام البحث في طبيعة الأمومة وضرورة التعامل معها بوصفها وظيفة اجتماعية ومن حق كافة النساء اختيارها أو رفضها مع التشديد على ضرورة احترام قراراتهن مهما كانت وربما من المفيد بمكان عدم ربط نجاح الزواج وديمومته بعملية الإنجاب.
وفي النهاية وإذ أتقدم بالشكر الجزيل للنساء الجريئات اللواتي يرسمن حيواتهن وحياة الآخرين، بشفافية ومسؤولية، بما فيها الحياة المحتملة لأبناء قررن أن لا ينجبهن لأسباب مختلفة، رغم مواجهتهن للرفض والسخرية والتخوين.
اسمحوا لي أن أقول خير البشر من يولد الكثير من الأسئلة والدهشة مهما كانت صادمة.