بقلم : حميدة العربي ... 02.02.2010
منذ بدأت الحياة على كوكب الارض , طبق فوقها مبدأ , البقاء للاقوى .. والقوة هنا تقاس بالعضلات والجهد الجسماني .. ولأن الرجل يتميز بتلك العضلات فصار بديهيا ان يفرض سلطته على الآخرين ممن لا يملكون عضلات , ومنهم المرأة .. وحتى بعد ملايين السنين عندما استخدم الانسان العقل في بناء كيانات وعلاقات على اسس جديدة ظل المبدأ القديم ( البقاء للاقوى ) سائدا .. مع بعض التعديل , حيث اصبح , البقاء للاصلح ! ..
ولأن الرجل كان قد هيمن على كل شئ منذ تلك الحقبة البدائية واضحت بيده كل مقومات الحياة الاساسية وخصوصا الاقتصادية .. لذا اعتبر نفسه هو الاصلح .! .. ومنح نفسه الحق بالتسيد والتسلط .. وليس امامه سوى المرأة ليتسلط عليها في عالمه الصغير , البيت , والمجتمع ككل , عندما يصبح حاكما او ذا نفوذ اوسع !
وبمرور الزمن تراكمت افكار ومعتقدات واعراف , قبلية وعشائرية ودينية ( كلها تصب في مصلحة الرجل ) وكونت في النتيجة عقلية المجتمع وصبتها في قالب ثابت جامد , لا يتغير ولا يتزحزح رغم الاحداث والمنعطفات الكبيرة التي مر بها المجتمع على مدى تاريخه . . ورغم متطلبات العصر ( الحديث ) التي تحتم التغيير لمسايرة عجلة الزمن والتطور .
والمرأة , عندنا , هي نتاج تلك العقلية وذلك المبدأ القديم ( البقاء للاقوى او للاصلح ) لأن الرجل , الذي يمثل المجتمع , والذي اعتبر نفسه الاصلح دائما , عجن المرأة وكونها بالطريقة التي تناسبه والتي تبقيها راضخة لسلطته وتابعة لأرادته وسن القوانين ( مدعوما بالتقاليد والاعراف الاجتماعية والدينية ) واسندها بأشد العقوبات لمنعها من اي حركة توحي بالخروج عن سلطته أو التمرد على ارداته ... وهكذا ترسخت تلك الافكار والمعتقدات في اذهان النساء قبل الرجال , فصارت المرأة تتبناها وتدافع عنها وتورثها لأبنائها جيلا بعد جيل , رغم النضال المستميت الذي خاضته النساء المتنورات والمثقفات على مدى سنين طويلة , الا ان الجهل والعقلية الظلامية , كانت دائما بالمرصاد لكل المحاولات الرامية لتحرير المرأة من تبعية الرجل وتحقيق مساواتها معه .
والملاحظ ان الاحزاب ذات التوجه الديني ومتى ما استلمت الحكم في مكان ما , أنها تستهدف المرأة اولا واخيرا .. وكأن رجال هذه الاحزاب لا يشعرون بسلطتهم الفعلية ولا نفوذهم الحقيقي الا من خلال المرأة , بقمعها واضطهادها , كما حصل في ايران او افغانستان , ايام طالبان , والآن في العراق .. حيث اعادوا المجتمع , والمرأة بشكل خاص , الى العصور المظلمة ..
ورغم وجود حالات استثنائية يكون فيها العنف او الظروف الاقتصادية الصعبة .. عوامل تجبر المرأة على الرضوخ والاستسلام لسلطة الرجل وترغمها على السكوت عما يصيبها من اذى .. الا انه وفي حالات اخرى تتحمل المرأة نصف المسؤولية ( او كلها احيانا ) وذلك حين يكون الخيار بيدها ولا تفعل شيئا لصالحها .. بل ترضى بأسوأ الامور بسبب قلة وعيها واتكاليتها او بساطتها او اندفاعها العاطفي ( الغيرة او تقليد الاخريات او الطمع المادي .. الخ ) .. مثلا :
موافقة المرأة حين يتزوج عليها الرجل ( زوجها ) .. لماذا تقبل او تتقبل هكذا وضع وبيدها اكثر من خيار ؟ ( ان يتراجع عن قراره او تنفصل عنه ) الا ان الكثير من النساء يتقبلن هذا الوضع بحجة الاولاد او كلام الناس وغير ذلك من التبريرات .. او يستغل هو , بساطتها , و يخدعها بكلام مثل انت ام الاولاد وام البيت والكبيرة العاقلة .. الخ فتصدق وتستسلم .. وهذا بحد ذاته تشجيع للرجل على الاطاحة بكرامتها وحقوقها .
المرأة الثانية التي توافق على الزواج من رجل متزوج .. وهي تعلم بذلك , وليس هناك من اجبار في الزواج ( الزواج اساسه القبول ) .. ان موافقة المرأة على الارتباط برجل متزوج فيه الكثير من التعدي والتجني على حقوق الزوجة الاولى والاولاد ( ان وجدوا ) وعدم راحة او استقرار لكل الاطراف وخلق مشاكل كثيرة قد يكون الجميع في غنى عنها , اضافة الى ان روح الكراهية والعداء التي تتفجر بعد هذا النوع من العلاقات تؤدي , احيانا , الى ارتكاب جرائم .. وهذه الموافقة , في الوقت نفسه , دافع آخر للرجل على الاستمرار والتمادي بهكذا ممارسات .. فهو يجد المرأة الاولى موافقة ومتقبلة .. والمرأة الثانية موافقة ومتقبلة فلماذا لا يتمادى ويستمر في قهرهن واستعبادهن ؟
وكذلك المرأة التي يطلقها زوجها بالثلاث وعليها ان تتزوج رجل آخر لكي يعيدها زوجها الاول ما يسمى عندنا باللهجة العامية ( التجحيش ) وهذه التسمية كافية لتدل على مدى الاحتقار الذي يكنه الرجل ( المجتمع ) للمرأة .. كيف ترضى المرأة بهذه الاهانة المريرة وهذا الاذلال ؟.. اذا كان طلقها ثلاث مرات , حسب مزاجه , وارتبطت برجل آخر فكيف تتقبل العيش معه بعد كل ذلك ؟ .. انها هي , المرأة التي تفسح المجال للرجل ليضطهدها ويهين كرامتها ويهدر حقوقها .. بسكوتها عن كل ما يفعل .. وقبولها بكل ما يفعل .. ولو وقفت النساء , بوجه الرجل , وقفة جادة وعامة , ورفضن اساليبه وممارساته .... عندما لا يجد امرأة توافق وتتقبل كل ما يفرض ويريد .. لاستطعن ان يثبتن عادات واعراف وتقاليد جديدة تجبر الرجل على الاعتراف بحقوقهن.. وقد تختفي الظواهر المسيئة للمرأة وللرجل معا .. كما حصل في الغرب وبعض البلدان الأخرى مثل تركيا وتونس .
وفي بلد مثل العراق يكثر فيه الجهل والأمية ( حتى بين بعض المتعلمين ) وتسيطر عليه الخرافات والأفكار البالية وتنقصه القوانين المتحضرة المنصفة .. تصبح مهمة تحرير المرأه , من الرجل ومن عقدها الموروثة , شبه مستحيلة .. والنضال لمن يتبناه أمرا شاقا وصعبا , أذا ما استعرضنا حال المرأة العراقية الآن والنماذج التي تهيمن على صنع القرار من ممثلات الشعب ( النائبات ) اللواتي وقفن دائما ضد مصلحة المرأه لصالح احزابهن .. والمجاميع النسوية التي خرجت متظاهرة قبل ثلاث سنوات تقريبا ضد المساواه ، ثم أخيرا الطلب الذي قدمته عضوات مجلس محافظة واسط باعتماد , محرم , يرافقهن ويحميهن .. الا دليل على مساهمة المرأة في عملية استعبادها والتقليل من مكانتها.. ... وتأكيد على انعدام ثقه هولاء النسوة بأنفسهن وعدم كفاءتهن لتحمل مسؤولية العمل وحاجتهن الى من يرعى مصالحهن , فالمرأة التي لا تسطيع ان تتحمل مسؤولية نفسها , كيف لها ان تتحمل مسؤولية المجتمع ومهامه الكبيرة ؟ عليها , اذن , ان تنسحب وتترك المجال لمن هم اكثر جدارة و كفاءة .
.. و موافقة مجلس واسط بالاجماع تعني ان المجلس كله على هوى واحد وجاء هذا الطلب على ما تشتهي سفنهم .. من حيث الموقف من المرأة والنظرة اليها . وفي كل الحالات تتحمل النساء نصف المسوؤلية عن هذا الوضع الذي اعاد المرأة الى الوراء وثبتها في خانة القاصرين والعاجزين .. ... والذي انشرح له أغلب الرجال لانه يصب في مصلحتهم .. والدليل هو سكوتهم المتواطئ وممارساتهم المتخلفة!