بقلم : رشاد أبوشاور ... 02.06.2010
مساكين القراصنة الصوماليون، فهم غالبا، صيّادون فقراء حرمتهم البوارج والسفن الغربيّة من التقاط رزقهم من البحر الذي لوثته، وسممت أسماكه..ومع ذلك فقد انتفضت دول أوربة وأرسلت بوارجها لمطاردة أولئك الصيّادين الفقراء، وزوارقهم الفقيرة مثلهم، وتنافست على التنكيل بهم، معتبرة أن ما تقوم به محاربة للقرصنة!
قراصنة المتوسط، ليسوا جوعى، ولكنهم مُتخمون مالاً وسلاحا، ولهم نشيد وعلم، وإن غابت الجمجمة عن العلم، فإن الجماجم تتساقط منه مع كل هزّة هواء، فهو وعن جدارة لا يضاهيه علم للقراصنة عبر تاريخ البحر المتوسط، و(الكاريبي) الذي شاهدنا عنه أفلاما مثيرة، مسليّة، فيها الكثير من المبالغة والتشويه لقراصنة بعضهم شبه حقيقي، وبعضهم من خيال كتّاب السيناريوهات في سينما الإثارة.
هنا القرصنة هي هوية (دولة)، وثقافتها، ومكونها الرئيس، وفلسفتها، وهذا ليس هجاءً، ولكنه وصف لحالة ما عادت مارقة في المتوسط، وشرق المتوسط، ولكنها تمرق على العلم كله، برعاية أمريكيّة.
فجر يوم الاثنين 31أيّار/مايو - وهذا التاريخ يفترض أن لا يمّر كما مرّ غيره - داهمت قوّات محمولة جوّا، وبحرا، سفنا مدنيّة تحمل مئات المتضامنين مع غزّة، ودواءً، وغذاءً، وإسمنتا لإعمار بعض البيوت المهدمّة، وعربات تساعد من بُترت أطرافهم، وأيضا، وهذا هو الأهم: غزة لن تبقى محاصرة، ونحن كبشر من بلدان وأديان وقارات مختلفة سنكسر الحصار.
يفترض أن لا نفاجأ نحن العرب بخّاصة، بعقلية البلطجة والزعرنة التي خطط لها قادة الكيان الصهيوني على أعلى مستوى، والوحشيّة التي نفذتها قوّة عسكريّة بحريّة، وجويّة، تكفي لاحتلال بلد، بحّق متضامنين مع شعب فلسطين المحاصر في قطاع غزّة، على سفن مدنيّة تحمل مساعدات إنسانيّة تضامنية من بشر أحرار وفدوا من32 بلدا، من أعمار، وبلدان، وثقافات، واديان، وأعراق مختلفة، يجمعهم الضمير الإنساني النزيه، والغضب على هذا الظلم الذي تمارسه (دولة) القرصنة التي تحاصر وتخنق كل فلسطينيي القطاع، وتقتلهم قتلاً بطيئا مُعلنا مفضوحا، بلا رادع من أحد، دوليا، ومحليّا...
قافلة الحريّة في حال مرّت كانت ستدشن بدء انتهاء الحصار، وفك حبل الموت الملفوف حول عنق غزّة، وهذا سيعني مقدمة لصعود فلسطين من جديد قضية إنسانيّة، ينصفها رأي عام عالمي، يتجاوز حالة النفاق، وهيمنة أمريكا على المنظمات الدولية، وإشهارها الفيتو حماية للكيان الصهيوني، لتفلت من العقاب باستمرار، وتواصل دورها قرصنةً وبلطجة.
يستدعي منّا ما جرى أن نبتعد عن الوصف، وأن نضع الحروف على النقاط.
ما فعله الكيان الصهيوني هو من صلب طبيعته، فهو مارس القرصنة برّا وبحرا وجوّا، في البحر المتوسط، وأجواء الوطن العربي، دمّر طائرات مدنيّة في الجو وعلى الأرض وهي جاثمة في المطارات- الطائرة الليبية، والطائرات اللبنانيّة في مطار بيروت- واختطف بعضها
بحجة ملاحقة (إرهابيين)، وفجر موانئ..وكل هذا بسبب الضعف العربي الرسمي.
الحصار المضروب على قطاع غزّة ينفذه بشراسة نظام حكم غيّب دور مصر، وارتضى دور التابع الذليل، لضمان حكمه ومنافعه، وهو لا يستجيب لصوت شعب مصر، ولا لأنين مليون ونصف المليون في قطاع غزّة تدّب فيهم الأمراض، ويحرق الاحتلال أرضهم بحيث لم تعد تصلح للزراعة، ويلوّث مياههم ليموتوا بالأمراض التي ازدادت فتكا بهم بعد حرب (الرصاص المصبوب)، ونداءات ملايين العرب، وأصوات ملايين البشر في العالم.
الشهداء والجرحى أتراكا وأوربيين وعربا، نضيفهم إلى قائمة ضحايا الحصار، وكلهم وإن كان الكيان الصهيوني يتحمّل المسؤوليّة المباشرة في قتلهم وجرحهم وترويعهم، فإن نظام الحكم في مصر هو شريك رئيس في الجريمة، هو الذي يوقع يوميّا ضحايا فلسطينيين جددا في الأنفاق، وأمام بوّابة رفح الموصدة.
بيانات الشجب والاستنكار (بأشد العبارات) التي يدلي بها الناطقون باسم الدول العربيّة، جديرة فقط بالاحتقار و(بأشد وابلغ) عبارات الاحتقار، والسخرية، والازدراء، لأنها تصدر عن كذبة منافقين تعرف جماهير الأمّة أنهم هم لا غيرهم من جرّأ الكيان الصهيوني على استباحة سماء بلاد العرب، والبحر الأبيض المتوسط الذي يفترض أنه بحر عربي لما للبلاد العربيّة على شواطئه من امتدادات.. (كان يوما بحيرة عربيّة)!..ولكن ليس في زمن هؤلاء الـ...
إن أمريكا هي راعية (دولة) القرصنة والبلطجة، ولا يمكن ردعها إلاّ حين تبدأ بالخسارة اقتصاديا، وسياسيّا، في بلاد العرب..وهذا لن يتحقق إلاّ إذا وجدت حكومات تمثّل شعوبها، وتنطلق من مصلحة أمتها، وتضع فلسطين في قمّة أولوياتها، وتجعلها أساسا في علاقاتها مع كل دول العالم.
من يتخلّى عن فلسطين تتخلّى عنه، ويخسر نفسه، ولا يربح سوى أن يكون تابعا وعميلاً وذيلا.
انظروا إلى جماهيرنا العربيّة من بيروت إلى غزّة، إلى عمق فلسطين الـ48، إلى المغرب العربي الكبير..إن العلم التركي يرفرف عاليا، عنوانا للشجاعة، والاستقلاليّة، والانحياز للحّق، و..انتزاع دور كان بانتظار من يؤديه عربيّا، بالفعل لا بالأقوال.
قيادة تركيا الذكية تنطلق من الجانب الإنساني في سعيها الحثيث لكسر الحصار، وهي بهذا تفوّت الفرصة على من يمكن أن يتهمها بالانحياز إسلاميّا، وتراكم دعما تركيا داخليا من جماهير لا يغيب عن وعيها قدسية القدس وفلسطين، والتاريخ المشترك، وعامل الدين، والجغرافيا، وهذا يجد صداه في نفوس ملايين العرب المحبطين من حكّام باتوا عبئا، وعامل ضعف، وخذلانا لكل قضايا الأمّة وفي مقدمتها قضية فلسطين.
على سفن كسر الحصار حريّة غزّة، التقى الأتراك واليونانيّون، رغم العداوة بين البلدين، ففلسطين تجمع، وعلى اسمها تسمو المشاعر الإنسانيّة، واليونان بادرت بعد الهجوم على سفن القافلة فاحتجت، ونددت، واستدعت سفير الكيان الصهيوني ولحقت بها إسبانيا، والنرويج، بينما حتى ساعة متأخرة من الليل لم نسمع عن موقف (المملكة)!
السيّد عمرو موسى (ندد) و..نسي أن وزراء خارجية (دول) الجامعة، وفي كنف الجامعة، وبرعايته..غطّوا عودة السلطة الفلسطينيّة للعودة للمفاوضات غير المباشرة !..فهل سيعلن مجلس الأمناء - أمناء على ماذا؟! - ووزراء الخارجيّة إنهاء الحوار غير المباشر، والمباشر، و..( المبادرة) العربيّة..التي وضعت استرضاء لإدارة بوش الابن؟!
تستحق الجماهير البريطانية التي تدفقت مع العرب على شوارع لندن، وغيرها، في المدن الأوربيّة، والأمريكية، أن لا يسيء إليها احد ( باسمنا) و(اسم) قضايانا، فهذه الجماهير، ليست (عدونا)، ومن الجنون أن نستعديها هي التي تنزل إلى الشوارع في الوقت الذي تواصل جماهيرنا العربيّة حالة الخنوع والسكينة..إلاّ ما ندر!
قادة الكيان الصهيوني خططوا للبطش بالمتضامنين، لكسر استمرار القوافل البحرية، وهذا ما يدركه حتما القائمون على حملة كسر الحصار، و..أحسب أن إفشال مخطط وأهداف الكيان الصهيوني، سيتحقق بالمزيد من القوافل مهما يحصل، لفضح (دولة) القرصنة، ومن يرعاها ويدعمها، ومن يتواطأ معها (عربيّا).
غير مقبول من حاكم مصر سوى فتح معبر رفح، وإنهاء الحصار...
حكّام العرب هل شعروا بالحرج والخجل وهم يصغون لخطاب القائد التركي أردوغان، وهو يعلن مواجهة تركيا للكيان الصهيوني؟!
الدم الذي غطّى زرقة المتوسط، فتح ثغرة في الصمت على موت فلسطينيي غزّة، وألحق مزيدا من العار بالكيان الصهيوني وأمريكا، و..زادنا يقينا بأن الحكّام العرب ليسوا حتى (ظاهرة صوتيّة)، ولكنهم ظاهرة لا سابق لها في التخلّي عن أعدل قضيّة، وخذلان أمّة وبيعها، تهالكا على كراسي حكمهم...