أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
حلاوة المُر: فسحة أمل على ضفاف الجرح الفلسطيني !!

بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 05.06.2010

في ثنايا خلايا العقل الفلسطيني لابد ان تكون هناك مساحة او فسحة فكريه تأمليه تتامل صلابة وقسوة الواقع الفلسطيني ألاخذ في الغرق في طيات اليأس وفقدان الامل والاخذ بالانشطار جغرافيا وديموغرافيا, والاخذ بالابتعاد عن الشاطئ نحو اعماق البحار والامواج العاتيه لابل الاخذ بالابتعاد عن قلب وجوهر فلسطين الوطن وفلسطين الحلم وفلسطين الالم وفلسطين اللوعه وفلسطين الصمود وفلسطين التي تحمل في جوف ارضها احشاء وطن اراده الاعداء ان يكون اشلاء وطن...فلسطين ذلك الافق الشاسع والواسع التي تغرد في سماءه افواه الملايين الفلسطينيه...عصافير تأبى الشيب والمشيب وأبت الغياب والتغييب وما زالت تغرد وتزغرت لوطن حي يرزق يتنفس الصعداء.., لكنه ما زال يتنفس وينبض ويتجدد ويتوالد ويتكاثر وينشد نشيد الوطن ونشيد الامل القادم لا محاله حتى ولو بدا ويبدو للبعض انه حلم مستحيل في ظل واقع قاتم موبوء.. واقع فلسطيني موبوء بوباء الفصائليه والجهويه العدميه التي لا ترى في مِرأة الوطن سوى ذاتها ومصالح ثلل غارقه في قاع خزَّان الباطل وتحاول اغراق الوطن والحق الفلسطيني في مستنقع اليأس وفقدان الامل ليتسنى لها عقد حلول المصالح مع اعداء الحق والشعب الفلسطيني... بشَّعوا بفلسطين وواقع شعبها حتى ينفردُوا مع اسرائيل في تفتيت المُفتت وتجزئة المُجزأ ليجلسون على مائدة طعام مشتركه مع اسرائيل على شواطئ يافا النكبه ويافا التاريخ.....يتبادلون الخبرات المخابراتيه مع شرطة اسرائيل حتى يقمعون شعبهم بعصا دايتون وراتب اقل ما يقال فيه انه راتب بخيص ونذل مجبول بعذابات ودماء الشعب الفلسطيني!... اليوم لا نحتاج الى اشعه خاصه حتى نشخص المرض والخلل الفلسطيني لانه ببساطه الجرح الفلسطيني بائن وظاهر وينزف دما والما لابل ماهو جاري ان رموز سلطة اوسلو غربا وشرقا يرُشون الملح على الجرح الفلسطيني ويزيدونه اتساعا ونزيفا.....كُونوا على ثقه انه : لا سلطة غزه ولا سلطة رام الله ستُحرر شبرا من فلسطين او ستعيد لاجئا فلسطينيا واحدا الى دياره وكُونوا على ثقه اننا كشعب وقياده منفصمين انفصاما حادا وهنالك هوَّه كبيره بين تطلعات الشعب الفلسطيني وبين برامج ومخططات الفصائل الفلسطينيه وهنالك امر اغرب من الغريب وهو ان السُلطتين الفلسطينيتين المزعومتين يزعمان بانهما[ كل على حده] يمثلان تطلعات الشعب الفلسطيني..... لا ..لا .. السلطتين دمَّرا الجغرافيا والتاريخ الفلسطيني جنبا الى جنب مع الاحتلال الاسرائيلي والامبرياليه الامريكيه!... الواقع الفلسطيني الراهن يفرض علينا التحلي بالشجاعه والاعتراف : ان النزاع بين حركتي حماس وفتح نزاع يدور بالاصل على السلطه ضمن [وعلى] اطر قطع جغرافيه وديموغرافيه[ داخل فلسطين] و فتات ما تركه الاحتلال الصهيوني من ارض بعد ان نهش و شبع وتُخم استيطانا واحتلالا في الارض الفلسطينيه... النزاع الدائر بين الفصائل الفلسطينيه يدور على فتات وطن وليست على ارض وطن... ارض الوطن الفلسطيني ليست غزه ولا رام الله ولا القدس ايضا:: كل هذه هي اجزاء وجزيئيات من كامل الوطن الفلسطيني وعليه ترتب القول ببساطه: ان القضيه الفلسطينيه هي قضية ارض وشعب وكلاهما في الوقت الراهن مُحتَّل ومغيَّب:: الارض الفلسطينيه تحتلها اسرائيل صديقة شمعون عباس والشعب الفلسطيني باكثريته مهجَّر ومشرد خارج وداخل فلسطين... وماهو موجود داخل جغرافيا فلسطين اليوم هو ببساطه: فتات ارض وفتات شعب[ تفتيت وتشتيت الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينيه]...قليل من الارض والكانتونات وجزء او اجزاء من الشعب الفلسطيني, بمعنى بسيط ومبسط: غزه ورام الله رافدين من روافد الارض المحتله وليست من روافد الارض المحرره والُسلطتان الوهميتان الذان يحكمان في غزه ورام الله ما هما الا نتاج لاوسلو والاحتلال ولايمثلا كامل الشعب الفلسطيني الذي يصل عدده اليوم الى 11 مليون فلسطيني ومجموع ماهو في الضفه والقطاع هو جزء من الشعب وليست الشعب الفلسطيني::: عباس يُغني في رام الله وهنيه يغني في غزه!,, لكن الاثنان لايشاركان في العرس الفلسطيني جغرافيا وديموغرافيا... الاثنان[عباس وهنيه] يشاركان في اعراس فصائليه على جغرافيا وديموغرافيا مفتته ومشتتهّ داخل فلسطين المحتله!!
من المؤسف القول " العُرس في الجبل والرزعه في الباديه" وان الغائب الحاضر في الوقت الراهن هو جوهر وقلب القضيه الفلسطينيه ومن المؤسف القول ايضا ا ن الوضع الفلسطيني الراهن هو تكرار لماهو مُكرَّر واعادة ماهو مُعاد ومُجرَّب دون القفز عن روتينية تكرار الاغلاط السياسيه والوطنيه ودون البحث عمقا في مكامن الخلل واشكالية مسببات الانقسام الفلسطيني الفصائلي الجاري منذ مدة ليست بقصيره .. هنالك من يظن خطأا ان الانقسام الفلسطيني جاري منذ عام 2007و2006[ فوز حماس في الانتخابات التشريعيه واستيلاءها على السلطه في غزه] لكن الحقيقه ان الخلل والانقسام الفلسطيني قائم منذ عقود داخل تركيبة منظمة التحرير الفلسطينيه وقبل اوسلو عام 1993, ولكنه زاد حده بعد اوسلو وبعد الصراع المسلح[2007] بين فتح وحماس في قطاع غزه ومن ثم ازداد سوءا بمجئ دايتون الى الضفه الفلسطينيه وحصار غزه وعزلها عن العالم وعن فلسطين........ الجنرال الامريكي دايتون جاء الى الضفه بموافقة اسرائيل بهدف تفتيت المفتت وتقسيم المقسم ومساندة الاحتلال الاسرائيلي في تجسيد نموذج لحِد اثنين في الضفه الفلسطينيه وعلى الجانب الاخر تكفلت اسرائيل والنظام المصري بخنق قطاع غزه وتدميره وعدم اعماره وفرض حياة القطاره على الناس في غزه.. ولاحظوا معنا هنا ان الحديث حول المصالحه الفلسطينيه الفصائليه يدور على اساس اعادة سيطرة سلطة رام الله على غزه ولا يدور حول مصلحة الشعب الفلسطيني.. الواقع الفلسطيني الراهن و المر يتجلى في غياب رؤيه وطنيه فلسطينيه مشتركه تتجاوز مرجعية اوسلو وشروط الرباعيه وتداعياتها المدمره على كامل مكونات القضيه الفلسطينيه والمطلوب ....مرجعية اوسلو وشروط الرباعيه جاءتا بالاصل لتفتيت الارض الفلسطينيه وتشتيت الشعب الفلسطيني وتثبيت وجود اسرائيل وهما[ المرجعيه وشروط الرباعيه] امتداد لقرار التقسيم عام 1947 وسلسله من المبادرات والمؤامرات العربيه والغربيه اللتي جرت منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا.... اوسلو والصراع على سلطة الوهم هو شرك نصبته اسرائيل وامريكا للفلسطينيون بهدف تفتيتهم وتقسيمهُم وهذا ماهو حاصل اليوم بين قطاع غزه والضفه الفلسطينيه::: صراع على السلطه وليست على فلسطين... ميزان السلطه.. و ميزان الوطن.. الكفه الحاليه تميل لصالح الصراع على السلطه وليست الوطن... فتات وطن وشعب والسلطه هي في الواقع اليوم عباره عن راتب يدفع لميليشيات مسلحه تحمي وجود السلطتان في غزه ورام الله!!
من هنا ورغم قتامة الوضع الفلسطيني الراهن واستمرار نزيف الجرح الفلسطيني, الا انه من واجبنا الوطني والاخلاقي ان نزرع الامل على ضفاف وشواطئ الجرح الفلسطيني في كل قرية ومدينه ومخيم وفي وجدان كل طفل فلسطيني بان المستقبل له ولحقه في وطنه ..طال الزمن ام قصر.. بنى الاحتلال الاسرائيلي ابراجا ام لم يبني.. حاصرو حصارهم ام لم يحاصروا... بقي دايتون او ذهب... الشعب الفلسطيني شعب باقي وسيبقى حيا وعُود نار حيه لشعب حي وباقي طال الاحتلال ام قصر.. طال وجود سلطات اوسلو ام قصر وعليه ترتب القول::سلام عليك وعليكم في الوطن والمهجر والقدس والمخيم والقريه والمدينه,,,,سلام عليكم في السهل والجبل والساحل والصحراء..سلام عليكم اينما كنتم وتواجدتم وطنا ومهجرا في زمن الشدة الشديده وزمن فقدنا او كدنا نفقد فيه بوصلة اتجاه الوطن والوطنيه الفلسطينيه, وزمن نسينا فيه اعداءنا وجلادينا واستدرنا الى الجسد الفلسطيني نجلده وننهشه في ام المعارك الفصائليه والعبثيه وزمن العدمية الفلسطينيه اللتي بدأت تأخذ منحى اخر واتجاه اخر يقود الشعب الفلسطيني الى صحراء التيه وتيه الصحراء .. يقود شعبنا وارضنا الى مزيد من الفتات والتفتيت والتشتيت, ولكن مع كل هذا هنالك فسحة امل قادم سينهمر كالغيث من فوهات وطاقات النور القاهر للغيوم المتلبده في سماء فلسطين.......هذه الغيوم العابره ستنجلي من خلال وعبر الصبر الفلسطيني والثبات, والكمْش على الحق حتى لو كان كمشا على الجمر هو مفتاح الفرج والنصر.. حلاوة المر ومرارة الحلو ..عائدون وصامدون هنا وهناك.. وباقون...وهنا باقون :
كأننا عشرون مستحيل ..
في اللد , والرملة , والجليل
هنا .. على صدوركم , باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج , كالصبار
وفي عيونكم
زوبعة من نار
هنا .. على صدوركم , باقون كالجدار ......
[.......]
ونزرع الأفكار , كالخمير في العجين [توفيق زياد...هنا باقون]
في العام 1965 كتب توفيق زياد قصيدة هنا باقون في ظروف الحكم العسكري الاسرائيلي والقمع الذي كان وما زال يتعرض له الشعب الفلسطيني... وفي العام 1966 كتب توفيق زياد قصيدة السُكَرُ المُر وها انا اعيد كتابتها لكم في العام 2010 في ظروف مشابهه...
أجيبيني !!
أنادي جرحك المملوء ملحاً يا فلسطيني !
أناديه وأصرخُ :
ذوِّبيني فيه .. صبّيني
أنا ابنك ! خلّفتني ها هنا المأساةُ ،
عنقاً تحت سكين .
أعيش على حفيف الشوقِ ..
في غابات زيتوني .
وأكتب للصعاليك القصائد سكّراً مُرّاً ،
وأكتب للمساكين .
وأغمس ريشتي ، في قلب قلبي ،
في شراييني .
وآكل حائط الفولاذ ..
أشرب ريح تشرين .
وأدمي وجه مغتصبي
بشعرٍ كالسكاكين .
وإن كسر الردى ظهري ،
وضعت مكانه صوّانة ،
من صخر حطين .. !!

*كاتب فلسطيني , باحث علم اجتماع, ورئيس تحرير صحيفة ديار النقب الالكترونية