بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 09.06.2010
الجنرال كيث دايتون ليس منسقا أمنيا بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل فقط، وإنما هو مخطط وموجه اقتصادي كبير، ويعمل على إحداث ثورة تنموية اقتصادية في الضفة الغربية. هو لم يظهر في اجتماع بيت لحم لرجال الأعمال لأن الاجتماع كان علنيا وأمام العدسات والفضائيات، لكنه ظهر في أحد منازل مدينة نابلس حيث كان مدعوا إلى الطعام مع مدعوين كثيرين من رجال الأعمال وأشخاص من المدينة. عدد لا بأس به من المتواجدين معروفون بأنهم ماسونيون، ويشكلون بالتالي دعامة أساسية وقوية لإسرائيل.
انتهز الجنرال فرصة اللقاء البعيد عن وسائل الإعلام ليحاضر في الجميع حول ضرورة تنمية الضفة الغربية اقتصاديا، وأبدى توجيهاته حول ما يجب أن يُعمل. ركز الجنرال على أن التنمية وتحسين الظروف الاقتصادية للناس سيقود إلى إقامة دولة فلسطينية. عندما تتحسن ظروف الناس ويشعرون بالاطمئنان على أطفالهم وبيوتهم، فإنهم سيشعرون بأهمية السلام وسيقبلون بحل الدولتين. وتحسين الظروف يؤدي إلى انحسار الإرهابيين، وإلى ضعفهم مما يجعل قدرتهم على تخريب المشروع الوطني الفلسطيني أقل. من الممكن هزيمة الإرهاب والإرهابيين من خلال التنمية الاقتصادية. ثم لماذا التوتر والحروب إذا كان الهدف هو أن يعيش الناس ويجدون وسائل الراحة والترفيه؟ لقد أعطى توجيهات حول مجالات التنمية والاستثمار، وطلب من رجال الأعمال ألا يبخلوا من أجل إقامة دولتهم المستقلة.
دايتون لم يتحدث عن تحرير الأرض والشعب، وقد اختصر جدليته إلى مقولة معروفة في السياسة الأمريكية وهي: "العلف مقابل الوطن والحرية والكرامة." لم يذكر عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وممتلكاتهم، ولم يتحدث عن تحرير الوطن، وقلص القضية الفلسطينية إلى قضية أمعاء. ولم ينس أن يقول إن الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية تتحسن، وإن الناس يشعرون الآن بنوع من الهدوء والاطمئنان. وفي هذا الصدد، قام دايتون بجمع العديد من العسكريين الفلسطينيين على خلفية تدشين إسرائيل لكنيس الخراب ووجهم نحو ضرورة المحافظة على الهدوء محافظة على الناس من القتل والاعتقال. هو لا شك قادر على خوض جدليات تجعل العار عزة، والهزيمة نصرا.
دايتون ومن لف لفه من فلسطينيين وأوروبيين وأمريكيين يكذبون على شعب فلسطين. سياسة أمريكا وإسرائيل في الأرض المحتلة/67 قامت بعد أوسلو على عنصرين وهما ضرب الإنتاج الفلسطيني ورفع مستوى اعتماد الفلسطينيين على التسول، والهدف هو خنق الشعب الفلسطيني بحيث لا يستطيع أن يتمرد على الصحن الذي يأكل منه. دليلي على ذلك أنهم زادوا أعداد الموظفين الحكوميين بخاصة في الأجهزة الأمنية بشكل كبير، وشجعوا الاستيراد من الخارج من أجل ضرب المنتوج الفلسطيني. هناك الآن حوالي 200,000 موظف يتقاضون رواتب من الدول المانحة، وهؤلاء تم ربط معيشتهم بالراتب، ومنهم من هو مستعد للقتال من أجل استمرار عملية التسول. وهناك عاطلون عن العمل في مختلف المجالات، وهم الذين كانوا منتجين في السابق. فمثلا تعطلت ورش الأحذية بالخليل، وورش الخياطة في طولكرم، ومعامل النسيج في بيت جالا، فضلا عن الفلاحين الذين تركوا أراضيهم بسبب الخسائر المادية. عطل الأمريكيون والإسرائيليون منتجين فلسطينيين أكثر من الذين وظفوهم. لقد دمروا شعب فلسطين برفع مستوى الاعتماد على الآخرين. ناهيك عن وظائف أغلب المؤسسات غير الحكومية والتي تعتمد على الدعم المالي الخارجي، وعن الهبات التي تعطى هنا وهناك ولهذا الغرض أو ذاك.
نزع الأمريكيون والإسرائيليون من فلسطينيين كثر نزعة الاعتماد على الذات، وبذلك أنهكوهم معنويا وماليا وأخلاقيا، وجعلوا عددا منهم مجرد أدوات لخدمة الأسياد. من أراد خيرا بالشعب الفلسطيني، فعليه أن يعلمه كيف يصطاد السمك وليس كيف يأكل السمك. التسول عبارة عن تدمير متعمد وممنهج من أجل تصفية القضية الفلسطينية.
دايتون يقوم بأعمال معادية للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية، ومطلوب من الشعب الفلسطيني أن يرفع صوته بهذا الخصوص. قد يبدو أن العسل يقطر من لسان دايتون، لكن سمّه أقوى من سمّ الأفاعي. ومطلوب من كل الفلسطينيين التوقف عن التعامل معه ومع أفكاره التي لا تخدم في النهاية سوى إسرائيل!!