بقلم : آدم يوسف * ... 03.05.2010
[**بعد الإقبال والشهرة اللذين حظيت بهما الرواية النسائية السعودية، بدأنا نلحظ وجود روائيات من الجزائر يسلكن الطريق نفسها. كانت أحلام مستغانمي أول من كسر حاجز «الجسد» وعبرت برواياتها المحيط نحو المشرق العربي. وبعد مرور عقدين من الزمن، بدأ جيل جديد من الروائيات يخوض الكتابة ويكسر حاجز الممنوع والمحرّم.]
كنت منهمكاً في البحث عن سمات مشتركة للكتابة النسائية عموماً وللرواية السعودية خصوصاً، حين وقعت عيني في إحدى المكتبات الكبرى في الكويت على رواية «شهقة الفرس» للكاتبة الجزائرية سارة حيدر وعلى مجموعة قصصية للكاتبة فضيلة الفاروق. كان هذان الكتابان بمثابة شرارة جعلتني أعيد بوصلة اتجاهات بحثي مجدداً، فأقبلت على مطالعة الرواية النسائية الجزائرية، لا سيما أننا، لعقدين متتاليين، لم نعرف سوى أحلام مستغانمي وذاكرتها الغارقة في «الجسد». وبمستوى أقل من الشهرة، ربما يكون بعضنا سمع عن الروائية الجزائرية جميلة زنير صاحبة «أصابع الاتهام» و«تداعيات امرأة قلبها غيمة».
ثمة جيل جديد من كاتبات القصة والرواية في الجزائر بدأ يثبت أقدامه ويصنع لنفسه نهجاً وطريقة مختلفة عن سابقيه، كما هي الحال مع الطفرة الروائية النسائية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، خصوصا بعد رواية «بنات الرياض» والمكاسب المادية والمعنوية التي تحققت لكاتبتها رجاء الصانع، بعد أشهر قليلة من نشر الرواية وبيعها في الأسواق. كذلك ثمة قدر كبير من التنميط والتهم «المعلّبة» أو الجاهزة التي تلصق بالكتابة النسائية، منها أن لا هم لها سوى توصيف الجسد، والغرق في كشف مفاتنه ومواطن اللذة فيه، وأن المرأة تكتب تحت وطأة الخوف والشعور بالنقص إزاء الرجل وتسلُّطه، لذلك غالباً ما تأتي كتاباتها في سياق الدفاع عن النفس، أو معركة متوهمة مع عدو لا وجود له على أرض الواقع. أضف إلى ذلك ما يقال إنها لا تبدع سوى في الميادين الاجتماعية والكتابة عن حاجاتها وهمومها اليومية، من الاهتمام بالمنزل وتربية الأبناء. أما القضايا الوطنية والقومية ذات الطابع الفلسفي، فلا يمكن أن تبدع فيها أحياناً. بغض النظر عن صحة هذه الاتهامات أو خطئها، لا بدّ من أن نعترف بأن للرواية النسائية، والمقصود هنا الرواية المكتوبة بأقلام نسائية، سمات وملامح مشتركة لا تتوافر غالبا في ما نقرأه من أدب مكتوب بأقلام الرجال.
*الرواية السعوديَّة
يكفي أن تتأمل عناوين كهذه لتعرف الاتجاه الذي يسير فيه بعض أنماط الكتابة الروائية في السعودية: «نساء المنكر»، «حب في السعودية»، «شباب الرياض»، «سعوديات»، «بيت الطاعة». قد لا يحمل العنوان توصيفاً دقيقاً لمحتوى الرواية، وربما يتطلب الأمر قراءتها بالكامل كي يتسنى لنا تكوين رأي نقدي سليم عنها، لكن أنّى أن نقرأ هذا الكم الهائل من الروايات التي تصدر في عام.
لم أشأ أن أتحدث في العموميات، أو أتخذ من نماذج قليلة حكماً كلياً على أعمال روائية قد تكون شديدة التباين والاختلاف، لذلك عمدت إلى اختيار أربعة أعمال روائية نسائية: «بيت الطاعة» لمنيرة السبيعي و«الفردوس اليباب» لليلى الجهني من السعودية، «وطن من زجاج» لياسمينة صالح و«شهقة الفرس» لسارة حيدر من الجزائر. نحاول أن نتتبع فيها ملامح الكتابة النسائية، ومدى تحقق النضج الفني لهؤلاء الكاتبات، بحيث يبتعدن عن الإثارة المقصودة لذاتها والتوصيف المجاني للجسد.
*بيت الطاعة
تتحدث «بيت الطاعة» عن نورة، امرأة سعودية متزوجة من شاب ثري يدعى إبراهيم، ويعيشان في حي النخيل شمال الرياض ذي الغالبية الارستقراطية. تكتشف خيانة زوجها وعلاقته بفتاة أخرى، الأمر الذي يقلب حياتها رأساً على عقب. بالطبع تمضي الرواية بين شد وجذب، وتتكاثر الشخصيات ويأخذ الحدث أبعاداً اجتماعية وعائلية تزداد نمواً وتعقيداً مع مرور الأيام. شخصيات الرواية غالبيتها نسائية: نورا وصديقاتها ومصففة الشعر المغربية مليكة، ولعل ذلك عائد إلى طبيعة القضية التي تناقشها الرواية. يتمثل الحدث/العقدة في خديعة الزوج لزوجته والأثر الذي تتركه، وثمة خيوط أخرى مساندة توظفها الكاتبة لمناقشة الحدث الرئيس واستكماله، وهي في المجمل هموم نسائية وثرثرات وأمور أخرى، منها نظرة المجتمع السعودي إلى المطلقة، الحفلات النسائية الخاصة وما يرافقها من بروز لظاهرة الفتيات المسترجلات، تقول في مقطع من الرواية: «وكأننا في حفلة تنكرية!... حدثت نفسها متعجبة من أشكال أولئك الفتيات. لاحظت كذلك أنهن كن يمشين مشية ذكورية، وقد تأبطت أذرع بعضهن فتيات أخريات بدت أغلبهن على قدر من الجاذبية. ولوهلة ذهلت نورة لما وقع نظرها على مسؤولة الدي جي فهذه خاصة لم تستطع نورة أن تجزم هل هي فتاة أم رجل». أما «الفردوس اليباب»، فهي رواية نسائية بامتياز أيضاً، إذ تحوم حبكتها الدرامية حول «حمل سفاح» تتورط فيه البطلة بعدما خُدعت بقصة حب زائفة، فتتخلص من حملها عبر عملية قيصرية سرية. تبدو هذه الرواية مفتقرة إلى النضج الفني إذا ما قورنت بسابقتها «بيت الطاعة». تعتمد ليلى الجهني على تداعيات الخواطر وسرد متواتر لخلجات النفس، فهي تسهب في الحديث عن عشقها لمدينة جدة، وتوصيف لجمالها ولمفارقات الحياة فيها. كذلك تفتقد إلى الشخصيات، فنحن لا نجد سوى شخصية واحدة تتحدث عن ذاتها منذ البداية وحتى النهاية، وإن وجدت بعض الشخصيات الثانوية مثل عامر الذي يتسبب في الحمل السفاح والمرأة التي تجري عملية التوليد، وإلى الترابط الفني وحضور الحدث وتفاصيل المكان التي يمكن توظيفها لخدمة الحدث الرئيس في الرواية. وقعت الرواية في خطأ الحديث باللهجة العامية، بحيث يتم الإسهاب إلى أن يزيد الأمر على صفحة كاملة.
*شهقة الفرس
تخوض الروائية الجزائرية سارة حيدر غمار الممنوع في رواية «شهقة الفرس»، فهي تتحدث عن خيانة امرأة لزوجها، وتوغل في وصف جسد المرأة، والوقوع في أمور يراها المجتمع المسلم عادة محرمة، ويزداد إنكاره لها إذا صدرت عن فتاة. تبالغ كثيراً في وصف تفاصيل الجسد، تقول: «.. يقترب مني، يداعب شعري بحنان، ينزل بسبابته نحو شفتي، يرسمها من جديد، ثم تتابع الإصبع السحرية مسيرتها إلى تفاح الخطيئة الذي يزداد استدارة عندما تلامسه رياح الجنوب(...) يمتد بيده إلى المناطق المكهربة، يشعرني بحرارة جسده وهو يلتصق بي، يتجول كعالم آثار بين الحواس القديمة»
*وطن من زجاج :
تبدو الروائية الجزائرية ياسمينة صالح أكثر نضجاً وتمكناً من أدواتها الفنية. ففي «وطن من زجاج» استطاعت أن تتخلص من الأنماط الجاهزة للكتابة النسائية، ولم تتطرق إلى الجسد أو هموم المرأة الاجتماعية من قريب أو بعيد. اختارت أن تكتب رواية ذات أبعاد تاريخية، تتناول فترة زمنية هي الأكثر عقدة واختلافاً في التاريخ الجزائري الحديث، سيطرت فيها المذابح وأصناف القتل الجماعي في أواسط الثمانيات من القرن المنصرم. تبدأ القصة بالحديث عن شاب جزائري قُتل بسبب أفكاره وآرائه، ثم تعود الكاتبة بالذاكرة الروائية إلى الوراء لتتحدث عن فترة الستينات وتحرر الجزائر من الاحتلال الفرنسي، وما رافقه من تضحيات. تطرح أسئلة مهمة تتعلق بالوطن وأهميته بالنسبة إلى الإنسان من بينها: ماذا يقدم الإنسان لوطنه؟ ما هي حقوقه نحو هذه الأرض التي يضحي بروحه من أجلها؟ تعتبر الرواية مفاجأة إبداعية بالنسبة إلى من لا يعرفون الكثير عن الإبداع النسائي في الجزائر، تضع كاتبتها في الصف الأول وتبشر بميلاد روائية حقيقية لا تستسلم للسهل أو الجاهز من أنماط الكتابة. ويمكن أن نذكر الروائية الجزائرية فضيلة الفاروق أيضاً، فغالباً ما يضعها المتابعون للكتابة النسائية في صفوف متقدمة جنباً إلى جنب مع ياسمينة صالح.