بقلم : د. كمال عبد الرشيد ... 12.05.2010
[*الجزائري يقرأ للآخر و يتعلّم لغة الآخر و يتقنها... نحن نصنع نجوما في كرة القدم فقط]
•أول سؤال يتبادر إلى ذهني هو أين تضع جميلة نفسها في منصة الإبداع الجزائري الراهن؟
•لست أنا من تضع" نفسها أنا حيثما وضعتني كلماتي " شظايا"،وردة الرمال ، شاء القدر، أوجاع الذاكرة و تحت الطبع لدي الفينيق و بوح أنثى و أشتغل على عمل روائي فيه الكثير من أسئلة الإنسان حول نفسه و حول الآخر في مواجهة مع القدر.
•ثمة من يقول أن المشهد الثقافي الجزائري مبنيا على الأسماء أكثر مما هو مبني على الأعمال.. ما رأيك؟
•هذا حديث ذو شجون ، دعني أتنهّد عميقا لأقول لك أنّ ما يحدث في الساحة الثقافية يجعلنا نطرح أسئلة كثيرة حول أسماء مبدعة جادة مغيّبة عن الساحة الثقافية و أسماء أخرى صنعها الإعلام و تواجدها في المركز أي الجزائر العاصمة و أسماء أخرى شرّفت الجزائر و وجودها جميل في المشهد الثقافي الجزائري ، بل و تعدّته إلى العربية و العالمية. هنالك أسماء روادنا الذين نعتز بهم : مالك حداد، مولود فرعون ، مولود معمري ، هنالك عبد الحميد بن هدوقة و الطاهر وطار و غيرها من الأسماء الكبيرة بأعمالها الخالدة و هاهي أحلام مستغانمي اسم كبير يثبت بأنّ الأعمال الجزائرية كبيرة و جميلة و إضافة مميّزة للأدب العالمي.
•لعل هذا السؤال يقودني إلى سؤالك عن الرواية، كيف تصنع جميلة عوالمها الروائية، وماذا تضع نصب عينيها، القارئ أم الناقد أم ذاتيتها؟
•الكتابة هي لحظة احتراق لنُبعث من رماد آلامنا و أوجاعنا و همومنا كطائر الفينيق تماما، هي لحظة تصالح مع الذات و هي أقرب الى حالة المتعبّد في المحراب ، هي الزاوية التي نجلس فيها إلى أفكارنا و نسمع صوتنا في صفاء تام متحدا مع أصوات الآخرين، حين نعود الى الرواية الشهيرة العجوز و البحر للروائي الكبير الحائز على جائزة نوبل أرنست همنجواي تستوقفنا مقولة هامة وردت على لسان العجوز و هو يحدث الطائر : خذ نصيبك أيّها الطائر الصغير ثمّ إذهب الى موعدك مع القدر كأيّ إنسان أو أيّ طائر أو أيّة سمكة. إنّها فكرة تبنى عليها رواية و الرواية بناء متماسك ، هذا العالم الكبير و الجميل لروايات أرنست همنجواي و غيره من العمالقة الذين نطمح لأن نقدّم شيئا يذكر مثلما فعلوا جعلني أكون في كتاباتي أنا و ليس شخصا آخر ، أنا بالفكرة التي أبني عليها عالمي القصصي أو الروائي و أنا أنحت الطريق إليها بجملة من الأحداث تحرّك أبطالا يصارعون الطبيعة و الظروف القاسية و يواجهون القدر لأخلص إلى الرسالة التي أردت أن أوصلها للقارئ منطلقة من مقولة أرنست همنجواي على لسان العجوز: الإنسان يمكن هزيمته ، لكن لا يمكن قهره..
•وأنا أقرأ روايتك "أوجاع الذاكرة" بدا لي عالمك متقاطعا بين الزمان والمكان ضمن ما يسمى بزمكانية النص، هل "الزمكانية" بالنسبة إليك تمثل جسد النص أم روحه؟
•غالبا المكان في نصوصي هو الصحراء بكلّ ما يحويه فضاؤها من أسئلة مفتوحة على المجهول على الأسطورة على الألغاز و قسوة الطبيعة و المناخ ، الصحراء بكل خصوصياتها التي تنعكس على سلوك الإنسان و تتدخل أحيانا في قراراته و اختياراته ، بل و تحديد مصيره و هو يواجه القدر من خلال الأحداث المرسومة في النص، و الزمن عندي ماض يؤسس للحاضر من أجل الانطلاق الى المستقبل ، و بالتالي هذه المعالم الزمكانية تساعد القارئ على التعايش مع الشخوص و الدخول الى عوالمها.
•روايتك تحمل الكثير من الأسئلة التي تصب في سياق الذات الإنسانية وما تحمله من متناقضات التي تبدو كأنها نتاج عن بيئة الإنسان أكثر من كونها نتاج ثقافي. ما رأيك؟
•الثقافة نتاج الإنسان و عقله المفكر المبدع و ذاته التي تتحسس الجمال و تعايش الأحداث و ترسم المعالم للمستقبل فلا يمكن بأية حال من الأحوال أن نفصل في الكتابة بين الذات الإنسانية و بين النتاج الثقافي ، الدكتور ناصر بطل أوجاع الذاكرة استحضر جزئيات الثقافة الشعبية في بيئته متمثلة في لعنة الشجرة الغريبة بمدينة تابلبالة ، و استحضر القصر العتيق لمدينة القنادسة بكلّ ما يمثله من بعد روحي لاحتوائه على زاوية الشيخ سيدي محمد بن بوزيان الى خصوصيات هندسته المعمارية التي تعكس ثقافة أهالي المنطقة و الأسئلة التي طرحتها الرواية كانت تصبّ في هذا الصراع الثقافي بين التمسك بالأصالة و الاستفادة من المعاصرة أو الانسلاخ كلية عن الجذور بدعوى التقدّم و التحضّر و ما يتطلبه التمدّن.
•هل ترين أن البيئة الجزائرية منغلقة على نفسها، لهذا يحدث الصدام بينها وبين (الآخر) التجديد والاختلاف؟
•عكس ذلك تماما ،ولا أرى اصطداما مع الآخر ، الجزائري له الاستعداد للتعامل مع كلّ الأجناس و الأفكار الجديدة لأنّه بطبعه اجتماعي متفتح على الآخر و الدليل على هذا التعايش الجميل بين العرب و الأمازيغ في هذا الوطن الجميل في حين نسمع عن صراعات بين الأقليات و القوميات حتى في الدول الأكثر تحضّرا ، الجزائري يقرأ للآخر و يتعلّم لغة الآخر و يتقنها و خصوصية الجزائري أنّه حين يتحدث بلغة أخرى تعتقد أنّه من ذلك البلد لا تفكر بأنّه جزائري إذا لم يخبرك و إذا تحدث بلهجة عربية أخرى نفس الشيء و هذه ميزة لا نجدها في شعوب أخرى كلّ هذا يجعل من البيئة الجزائرية بيئة متفتحة متصالحة مع ذاتها و مع الآخر رغم محاولات بعض وسائل الإعلام في دول ما لتشويه صورة الجزائر لا سيما في فترة المحنة التي مرّت بها الجزائر لكنّ الشعب الجزائري الأبيّ بدّد هذه الأوهام و فنّد هذه الأكاذيب بطيبته و تطلعه للتعرّف على الآخر و التواصل معه و بالانفتاح على الجديد و السعي الدائم للتجديد دون الانسلاخ عن الأصل.
•دعيني أسألك عن خارطة الأدب الجزائري، كيف تنظرين إلى هذه الخارطة في ظل الواقع الثقافي الراهن؟
•الجميل في بلادي هو هذا التنوع و هذه الفسيفساء التي تثري ثقافتنا فخارطة الأدب في الجزائر ثلاثية الأبعاد : أدب مكتوب باللغة العربية و أدب مكتوب باللغة الفرنسية و أدب مكتوب باللغة الأمازيغية.
•لاحظنا ظاهرة الجزائريين الذين يتألقون في الخارج أكثر مما يتألقون في الداخل، كيف تفسرين ذلك؟
•أفسّر هذا بالاستعداد الكبير لدى الجزائري للنجاح عندما تتوفر لديه الإمكانيات و يتوفر له المناخ الملائم للإبداع فإنّه يحقق السبق و التميّز.
•لماذا يعجز الجزائري على فرض نفسه في الداخل، ويقدر على فعل ذلك في الخارج؟ أين الخلل في نظرك؟
•أستسمحك فقط في تغيير الكلمة هو لا يعجز و إنّما يُعرقل أي هنالك من يعرقل مسيرته و قد يقصيه تماما ، و تقف العديد من الحواجز أمامه لتقول له : ممنوع أن تبدع ، ممنوع أن تتميّز ، غير مسموح لك بالتألّق لأنّك إذا حققت كلّ هذا أصبحت خطرا. هذه العقلية الغريبة التي تحارب النجاح هي التي تقف عائقا أمام الجزائري للأسف في بلده ، لكن بمجرّد أن يخرج للخارج و يجد الفرصة متاحة فإنّه يُظهر كلّ إمكانياته و قدراته التي لا يملك الآخر إلا الاعتراف بها و الغريب جدا أنّه بعد أن تعترف بالجزائري دول أخرى حينها فقط يُعترف به في بلده فلا نبيّ في قومه.
•نتذكر أن رواية "ذاكرة الجسد" للروائية أحلام مستغانمي ظهرت للنور أول مرة في الجزائر في التسعينات، ولكنها مرت مرور الكرام، وعندما نشرت طبعتها الثانية في بيروت، تحولت الرواية إلى ظاهرة بعينها.. لماذا عجزت الجزائر عن التنبؤ بالظاهرة المسماة "أحلام مستغانمي" قبل أن تتنبأ بها بيروت وعواصم عربية أخرى؟
•لأنّنا للأسف الشديد لا نملك آليات لصناعة النجوم في مختلف المجالات كالأدب و السنما و المسرح و غيرها من المجالات ، نحن نصنع نجوما في كرة القدم فقط و لست ضدّ هذه الرياضة التي نحبّها جميعا ، لكن من المؤسف حقا أن نعيش هذا الوضع الذي تغيب فيه استيراتيجية واضحة لصناعة الكتاب فالناشر يكتفي بالطبع فقط و ينسى مهمّته في الوقوف وراء صاحب الكتاب للتعريف به و توزيع كتابه و تلميع إسمه.
•هنالك من يقول أن الجزائر تصنع الرواية، وتونس تصنع الشعر، والمغرب يصنع القصة، إلى أي مدى هذا الكلام صحيحا؟
•المقولات كثيرة، المقولة التي تفرّق بين المشرق و المغرب و المقولة التي تحاول اختصار جهود المبدعين في جنس أدبي واحد ، أعتقد بأنّ دول المغرب العربي قدّمت للعالم العربي و العالم ككل أسماء لها وزنها و إضافاتها في الشعر و القصة و الرواية.
•ثمة من يحاول إعادة مصطلح الأدب النسائي إلى السطح، هل ثمة حقا شيء اسمه أدب نسائي وأدب رجالي؟
•لأدب إنساني و عندما ألقت الخنساء أشعارها في سوق عكاظ و نافست الرجال الشعراء ، لم يقل أحد هذا أدب نسائي ، بل قال أحدهم أنا أشعر الناس لولا الخنساء هذه ثقافتنا نحن العرب ، أمّا مصطلح أدب نسائي فقد ارتبط بمطالبة المرأة الغربية بحقها في المساواة في الأجور مع الرجل و سمّيت الكتابات التي دعّمت هذا المطلب للمرأة الغربية بالأدب النسائي ، إذن الخلفية هي اقتصادية بالدرجة الأولى و في الحالة العادية الأدب هو إنساني لا نفرّق فيه بين رجل و امرأة إلا على أساس جودة العمل الأدبي.
•ظهرت روائيات جزائريات بقوة في الفترة الأخيرة خارج الجزائر وداخلها، هل لجوء المرأة إلى الرواية جزء من تعويض عن أشياء كثيرة بالنسبة إليها؟
•أنا سأقول شيئا و هو بأنّ الرواية أصبحت جنسا أدبيا يُكتب بشكل واسع حتى أنّة يقول البعض عنها الديوان الجديد للعرب الذين عُرف عنهم بأنّ الشعر هو ديوانهم ، الظاهرة لا تخص المرأة فقط بل هنالك ظهور للعديد من الروايات يكتبها روائيون و روائيات و للظاهرة أسبابها قد يطول الحديث عنها لنقل بأنّ أهمّ هذه الأسباب في اعتقادي تعود إلى التحوّلات الكبيرة في هذا العالم و على عدّة مستويات ممّا أثّر على الإنسان ، على حياته، نمط معيشته ، تغيّرت همومه و اتسعت دائرة تطلّعاته فأصبح بحاجة إلى فضاء يقول فيه أكبر قدر ممكن من المعاناة و لطرح أكثر الأسئلة إلحاحا ، فضاء أكثر رحابة كان هو الرواية و هذا طبعا لا ينقص من شأن باقي الأجناس الأدبية الأخرى فلا يمكن مقارنة الشعر بالرواية الرواية جنس أدبي و الشعر جنس أدبي آخر لا يمكن أن نضعهما محل مقارنة ، لكن مثلما عدد الشعراء في تزايد و مثلما عرف الشعر تطورا في الشكل كظهور قصيدة التفعيلة و القصيدة النثرية أيضا الرواية كجنس أدبي تأخذ مكانة جيّدة بين الأجناس الأدبية الأخرى.
•ماذا تقول جميلة لقرائها؟
•أقول في النهاية كم جميل أن نبوح للورق و أن يجد هذا البوح صداه لدى الآخر ، هذه الكلمات تقتات من قلوبنا و أرواحنا فشكرا لكلّ من قرأ لكاتب حرفا ، شكرا أخي كمال على هذه النافذة التي من خلالها أصافح الجميع بكل محبّة.