أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الحب في زمن التفاوض غير المباشر..!!

بقلم : سهيل كيوان  ... 20.05.2010

وأخيراً بدأت المفاوضات غير المباشرة التي انتظرها نقاد الأدب والسياسة الفلسطينية بفارغ الصبر، ليتضح أن الأدب الفلسطيني سبق السياسة وصار فناً يُعجب النقاد بعدما قرف العرب حياتهم وفقدوا الشهية لتحرير أي شبر من الأرض العربية المحتلة سواء من الخارج أو من الداخل بسبب الكتابة المباشرة التي أساءت للقضية ومتذوقيها، ولهذا قررت شخصياً فتح مرحلة جديدة مع قرائي الأعزاء ولا شأن لي بالآخرين، والبدء بالكتابة الإيحائية ولو بتأخر سنين عن ركب إخواني فدائيي الرمزية والشعرية والمجاز!وطبعاً لن أبخل ببعض مفاتيح النص (كي لا أغلّبهم)، فلن أتركه مقفلاً مثل جوزة قاسية بين فكين بلا أضراس أصلاً...
خرجتْ( ف) يعني فاطمة، قبل نهاية الدوام من كليّة الفنون للقاء صديقها الجديد(يعني هو ليس الأول)، مضيا حتى وصلا إلى قرية (ز) (يعني الزيب)، على تلتها حجارة رحى عملاقة توقفت عن الدوران منذ اقتلاع من كانوا يديرونها مع أنعامهم (يعني الذين صاروا لاجئين مثل أمّي)، هناك كنيسة صارت عشاً هائلا للبوم والوطاوط تصلح لأفلام الرعب، تراكمت فيها قاذورات الطيور أمتاراً، بعكس المسجد الذي لم يُهمَل بل جرى تنظيفه وترميمه وإعادة تقسيمه للإفادة منه كحمّام منظم لرواد الشاطئ لجميع الطوائف والأعراق بدون أي تمييز عنصري.
البلاد جدران شائكة وناعمة، مرتفعة ومنخفضة، ظاهرة وجلية، مع أبراج وبدونها، فردانية ومزدوجة، فوقها جنود متبطلون أو خالية منهم، مع كاميرات وبدونها ،فولاذ وباطون وزجاج، بأعلام مرفرفة أو بدونها، تهافتا فوق الرمال الناعمة بمتعة، حتى وصلا إلى مصب نهر البصّة ، (يعني قناة المياه العادمة التي تصل من المصانع ومعسكرات الجيش)، ومن بعيد في مياه البحر السوداء تنوس أضواء زوارق الصيادين (الحقيقة أنها سفن سلاح البحرية).
جلسا على الرمال الدافئة في ذروة صخرة هائلة، قالت (ف): هذه الصخرة يسميها الصيادون صخرة (عنات)، وهي فتاة من قرية (الزيب)، عيناها مثل عيني المها (الحقيقة أن عينيها كانتا مثل عيني المرحوم محمود المليجي)، وشعرها كالحرير (الحقيقة مثل أشواك البلان التي تملأ جبالنا)، حاول استمالتها جندي شاعر بعد معركة خاطفة بين السلاح التشيكي الحديث من جهة والشواعيب والمناجل والنبابيت والدعاء الحار من جهة أخرى! كانت'عنات'واحدة من بضع عشرات من النساء والأطفال الذين بقوا في القرية، بينما ذاب رجال القرية تماما ولم يبق لهم أثر.
الجندي كان شهما واستبسل في وجه زملائه الذين حاولوا النيل من السيدة (ع)، ثم خاطبها بكلمات رقيقة وعرض عليها قلبه من خلال قصيدة، (الحقيقة لم يكن شاعراً ولكنه عرض عليها علبة من البسكويت، وفي قرارة نفسه كان يحذو حذو جندي قوقازي سوفييتي قدم البسكويت لأمه يوم تحرير نوفي ساد الهنغارية مقابل ليلة كاملة معها)، رفضت البسكويت بكبرياء ومضت، (الحقيقة أنها أخذت البسكويت وشكرته فقد كانت جائعة ومعها أطفال) والتفتت للمرة الأخيرة إلى قريتها الجميلة وقد أمست مثل جيفة أجهزعليها قطيع من الذئاب، ثم مضت شمالاً مع الناجين (هم لم ينجوا تماماً، فقد ذبح أكثرهم في مناسبات لاحقة). وأضافت (ف) يعني فاطمة':سمعت القصة من محاضر يهودي صار عجوزاً قال إنه هو الشاعر الذي أطلق على هذه الصخرة اسم عنات!
رد (م) بهدوء: لا شك أنها رواية من بنات خيال الشاعر نفسه، فهم يستبدلون أساطير الأولين ببساطيرهم أولاً ثم بأساطيرهم! عنات هي فرس أصلا وليست امرأة، كانت ملكاً لمختار قرية (الزيب)، وقد أعجبه حصان عربي أصيل يدعى (ظ) يعني ظريف، يملكه رجل بدوي من عرب العرامشة ، تلك القرية الجبلية التي رأسها في فلسطين وقدماها في لبنان والتي استضافت الموسيقار (م.ع. ب) يعني محمد عبد الوهاب قبل أن يصبح لواءً، فغنى في أحد أعراسها قبل أن يواصل طريقه إلى جارة الوادي (يعني زحلة). مختار الزيب أراد من الحصان الأصيل أن يشبوَ فرسه كي ينجبا أجمل مهر في العالم، وقد حاولوا لعدة أيام، ولكن الفرس الأصيلة رفضت هذا الأسلوب الهمجي بالتعارف والتلاقح السريع، وكانت تشعر بالحياء كأنها ناقة من بيت محترم، فجمعوهما في خباء أقيم خصيصاً لهذا الغرض تحت هذه الصخرة كما يفعلون مع الإبل، فحصل المراد وحملت عنات فأقاموا فرحاً كأنه فرح (أ. أ) عندما كان يقبض الرشوات رزمات رزمات. (أ . أ ) هو أيهود أولمرت صاحب الرقم القياسي في تلقي الرشوات منذ كان يوسف الصديق ولياً على خزائن مصر! وهناك عنات أخرى غير الفرس وهي دلعونة الكنعانية التي افتقدها حبيبها وصار يغني لها 'سوّاح وأنا ماشي ليالي سواح ...الفرقة يا غالي سواح..إيه اللي جرى لي سواح' فتردّ عليه.:
يا ظريف الطول وقف تا قلك
رايح عالغربة وبلادك أحسن لك...
خايف يا المحبوب تروح وتتملك
وتعاشر الغير وتنساني أنا.
فقد كانت (دلعونة) ضد التوطين منذ زمن الكنعانيين الأوائل.
في تلك اللحظات المُسكرة التي حلت على فاطمة ومعين سقطت قطعة من الضوء الساطع على عتمة الشاطئ! (يعني بروجكتور 3000 واط) وشوهد كلبٌ ضال وسُمع إطلاق نيران كثيف فطار رأس الكلب وسقط عند أقدامهما فصرخا لهول المشهد. (الحقيقة ارتبط لساناهما تماماً)!
وجاء صوت من البرية 'إرفعا أيديكما واخرجا فوراً! فخرجا رافعين أيديهما خشية الدخول المبكّر إلى الفردوس الأعلى.
بدأ رجال الحرس باستعراض شجاعتهم (يعني سفالتهم)، ، وكالعادة أمرهما أحد الحراس بأن يهتفا بالنشيد الوطني الذي تقول كلماته 'حُط الحمّص فوق الفول بنحب' المشمار جفول'! وهو حرس الحدود، الذي يشتهر أفراده بخفة الظل (الله لا يفرجيكم)!'، ولكنهما لم يستجيبا..فوجّهت لهما التهمة التي وجهت للمفكر اليهودي الأمريكي نعوم تشومسكي (يعني العداء للسامية)!
ومنعا لتطور الأمر الى الأسوأ أرادت فاطمة أن تنقذ صديقها ونفسها قبل وقوع فضيحة (وهذا يعني قتلة أخت الموت من والدها) فقالت بروح فدائية...أنا سأهتف ..وصاحت'حط الحمص فوق الفول بنحب 'المشمار جفول'.... فصفعها ابن الحرام صارخاً : لماذا تكذبين! حينئذ ساد صمت طويل...(ابن الحرام هو ابن لعائلة محافظة وتزوج والداه وأنجباه حسب شريعة أبينا إبراهيم). تم تسليمهما لشرطة من صنف آخر شكلاً على الأقل، وبعد انتظار أكثر ساعتين بدأ التحقيق معهما كل على حدة حول..الخرائط والجدران والخطط والمعلومات السرية...
قالت - أريد أن أتصل بأهلي فلا بد أنهم قلقون...
فقال-لا تتعجلي ستبقين في ضيافتنا...يجب أن تتعاوني معنا وسيكون أفضل لك ولنا وللجميع...ألا تريدين السلام...!
- طبعا كلنا نريد السلام....
- إذا يجب ان نتعاون لصنعه (يقصد تشغيلها عميلة)، هيا قولي هل لكما شركاء...
قالت بشاعرية مفاجئة- لا شريك لنا سوى البحر!
- إذا فهم سيأتون من البحر....وأنت موقوفة على ذمة التحقيق...
في اليوم التالي نشرت الصحف أن هناك قضية أمنية خطيرة ولكن الرقابة تمنع النشر عنها، رغم أن مواقع ألكترونية وفضائيات عالمية نشرت الخبر! وبعد أيام أعلن وزير الأمن الداخلي (والله لا أعرف اسمه)': إذا لم يرد العرب الولاء للدولة فعليهم أن يرحلوا....'.
وقال رئيس الشرفة (يعني الشباك)..'عيني بترفّ يا حبة عيني' أي أنه قلق لانجراف كثيرين من العرابيل (يعني عرب اسرائيل) في خدمة أعداء الدولة (قصده أنهم يلحّون في المطالبة بحقوقهم). من جهة أخرى أعرب 45' فقط من (العرابيل) عن قبولهم لنصيحة الأخ العقيد قائد ثورة الفاتح بأن يكثروا من التشلّح وتحبيل نسائهم كرد على الترسانة النووية الإسرائيلية...ونفوا ادعاءات رئيس أركان جيش الدفاع (يعني جيش الدفاع عن الاحتلال) أنهم بهذا التشلح يُدخلون المنطقة والعالم إلى 'شباق تشلح منوي'...