بقلم : كمال ابراهيم ... 20.03.2010
الشاعر الكبير سميح القاسم يُعْتبَر من أهم الشعراء الفلسطينيين خاصة ً والعرب عامَّة وهو اليوم من أبرز الشُّعراء على الصَّعيد العربي ، التقينا به في بيته العامر في قرية الرّامة الجليليَّة وأجرينا معه هذا اللقاء.
*أبو محمد سميح القاسم ، قمت هذا الأسبوع بزيارة قصيرة للأردن ، الحمدلله على السلامة ، هل لك أن تطلعنا على فحوى هذه الزيارة وما قمت به في الأردن ؟
زيارة عمل والحمد لله نفذت كل ما أردت أن أقوم به هناك .
هل من تفصيل ؟
لا طبعًا .
*الشاعر سميح القاسم لك مواقف وآراء هامَّة في مجالات الأدب والشِّعر الفلسطيني والعربي والعالمي ، ما الذي يميِّز الحركة الأدبيَّة اليوم محليًّا وعربيًّا ؟
أنا لا أتعامل مع الأدب بمقاييس اقليميَّة ، ليس في رأيي ما يسمَّى أدب محلي وأدب فلسطيني وأدب مصري ، لا أتعامل مع هذا المنطق ، أتعامل مع أدب عربي وأدب عالمي .
*هل ثمَّة أشياء خاصَّة تميِّز الأدب العربي ؟
نعم ، الأدب العربي أعتقد أنـَّه بحالة جيِّدة على صعيد الشعر والرواية ، هناك نوع من التراجع في مجال البحث الأكاديمي النقدي لكن على العموم الحركة الأدبيَّة العربيَّة بخير .
*أنا مُصِر ، ما رأيك في الحركة الشعريَّة الفلسطينيَّة المحليَّة ؟
أنا لا أتكلم بالتفاصيل المحليَّة ، حقيقة ، تعرفون أنـَّني لا أتكلم بالمحليَّة .
*عُرفَ عن الشّاعر سميح القاسم أنـَّه من روّاد شعر المقاومة ، أين يقف شاعرنا اليوم من هذا الشعر ، خاصَّة ً وأنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة لم تجد حلا لها حتـَّى الآن ؟
أوَّلا أنا أيضًا لا أضع نفسي في خانة ما يسمَّى شعراء المقاومة ، أنا كتبت قصيدة استلهموا منها تسمية شعر المقاومة وهي قصيدة " خطاب من سوق البطالة في العام 65 ربَّما ، مفهوم شعر المقاومة ليس مربوطـًا برغبات أدبيَّة بل هو مربوط بواقع سياسي ، ما دام هناك احتلال ، ما دام هناك عنصريَّة ، ما دام هناك عدوان فسيظل شعر المقاومة مطلوبَا تلقائيًّا . السؤال هو ليس عن جدوى شعر المقاومة ، السؤال هو عن جدوى الكلام التافه أو ما يسمَّى الثقافة البديلة التي يروِّج لها بعض الإنتهازيِّين والمرتزقة والمشبوهين ، وأشباه بالشعراء وأشباه المثقفين .
*النقـّاد والشُّعراء تناولوا وتناقشوا في قضيَّة الغموض والوضوح في الشِّعر ، فهذا أدونيس مثلا يصرِّح بأنَّ " الشِّعر نقيض الوضوح الذي يجعل القصيدة سطحًا بلا عمق ، الشِّعر كذلك نقيض الإبهام الذي يجعل من القصيدة كهفـًا مغلقـًا ، وفي موضع آخر يقول " في مجال الشِّعر يتعلق الأمر أوَّلا وأخيرًا بدرجة الشعريَّة ، لا بدرجة الوضوح والغموض في ذاتهما ولذاتهما " ما هو رأي سميح القاسم في هذا القول وفي قضية الغموض والوضوح في الشِّعر ؟
أيضًا هذا الطرح سطحي جدًّا ، لا يعنيني التنظير في هذه المسألة ، أنا أقول دائمًا هناك شعر أو لا شعر ، لا يستطيع أحد لا أدونيس ولا الأكبر من أدونيس ولا الأصغر من أدونيس إدانة الوضوح هكذا بمنتهى البساطة ، لأنَّ هناك قصائد واضحة وعسيرة وهي فن السهل الممتنع ، وهناك قصائد غامضة وسخيفة وهناك قصائد غامضة وجميلة ، إذًا المسألة هي مسألة شعر أو لا شعر . الشعر الحقيقي يصل إن كان واضحًا فهو شعر حقيقي ويصل ، وإن كان غامضًا لسبب أو لآخر فهو أيضًا يصل ، المهم شعر أو لا شعر ، هذا هو السُّؤال .
*هناك من يدَّعي أنَّ المباشرة في الشعر تفقده جودته - هل المباشرة تلغي صفة الشِّعر عنه ؟
كلا ، المباشرة أنواع ، هناك المباشرة النثريَّة السطحيَّة بدون شك هي تبتعد بأي نص عن الشـِّعر ، لكن هناك المباشرة الفنيَّة ، ما يسمِّيه النقاد المباشرة الفنيَّة ، من شعر المتنبـِّي حتـَّى كبار شعراء أيَّامنا ، هذه المباشرة الفنيَّة هي فن صعب وهي السَّهل الممتنع ، وهي في صلب التجربة الشعريَّة والإنجاز الشعري . أمّا المباشرة السطحيَّة التي تنظم مشروع حزب أو برنامج حكومة فهي ليست شعرًا .
*هناك آراء تدَّعي أنَّ الشِّعر العامودي أصبح لا يتمشى مع تطوُّرات العصر ، هل على الشُّعراء أن يتخلوا عن الشِّعر العامودي وما هو رأيك الخاص في هذا الموضوع ؟
الذين يقولون هذا الكلام هم على هامش العصر ، لا يعرفون العصر ولا يعرفون الشعر العامودي . فالشعر العامودي ثروة عظيمة وإنجاز موسيقي هائل . أعتقد أنَّ ما يسمَّى بشعراء المعاصرة قصَّروا في استيعاب عظمة الموسيقى الشعريَّة في الأوزان الكلاسيكيَّة ، لكن هذا لا يعني أن يكون الوزن الكلاسيكي شرطـًا ، قد تكون قصيدة تفعيلة وقد يكون ما يسمَّى أيضًا قصيدة النثر ، يعني مثل محصّلة شعر أو لا شعر إذا كان عاموديًّا ورديئـًا فهو ليس شعرًا ، وإن كان ما يسمَّى قصيدة نثر وهو ليس جيِّدًا فهو ليس شعرًا ، شعر أو لا شعر ، هذا هو السُّؤال .
*الشِّعر السِّياسي – هل هناك ضرورة أو لزوم لهذا النـَّوع من الشِّعر في مراحل معيَّنة كالمرحلة الرّاهنة ، وماذا يقدِّم هذا الشِّعر للمجتمع وللحركة الأدبيَّة ؟
لا يوجد شيئ اسمه شعر سياسي ، يوجد شعر ، قلت أو شعر أو لا شعر ، الشعر الحقيقي لا يمكن أن يتجاهل القضايا السِّياسيَّة ، السِّياسة ليست رفاهة ، ليست تسلية ، هي حياتنا وهي واقعنا وهي مستقبلنا والتخلـّي عن المواضيع السِّياسيَّة والقضايا السِّياسيَّة هو موقف سياسي بحد ذاته ، وهو موقف انتهازي أو جبان أو قاصر . لكن السِّياسة بالمفهوم العام هي جزء عضوي من حياتنا ولا نستطيع أن نتجاهلها إلا إذا كـُنـّا نتمتع بقدر كبير من بلادة الإحساس والجهل والتخلف .
*ما دمنا دخلنا في السِّياسة ، ما هو موقف الشاعر سميح القاسم من قضيَّة الإنقسام والخلاف القائم بين الفصائل الفلسطينية ؟
هذه حالة مشينة ومردودها سيئ جدًّا على القضيَّة الفلسطينيَّة وعلى الشعب الفلسطيني وعلى الأمَّة العربيَّة عمومًا وهي حالة من حالات ما أسمِّيه بالجاهليَّة الجديدة ، الجاهليَّة الجديدة تتحوَّل الحركات إلى قبائل والأحزاب إلى قبائل والحكومات إلى قبائل . صراع قبلي ومسيئ جدًّا والمفروض الإرتفاع إلى مستوى الوجع الفلسطيني والتوصُّل إلى برنامج حد أدنى ، لا يمكن أن يكون هناك برنامج يرضي الجميع لكن يمكن التوصُّل إلى برنامج حد أدنى كما تفعل شعوب الأرض كلها والخروج من هذا المأزق المُشين .
*الدَّولة الفلسطينيَّة ، هل ترى أنها ستقوم قريبًا أم أنـَّنا في دوَّامة تبعدنا عن الحل الدّائم ؟
أنا من حيث المبدأ ضد الدويلات ، دويلات الأعراب أو حظائر السايكس بيكو كما أسمّيها ، لسنا بحاجة إلى مزيد من الفضائح كعرب ، في رأيي كل دولة عربيَّة هي فضيحة بحد ذاتها ، لكن ما دام الحل السِّياسي الوحيد المُتاح الآن هو قيام دولة في المناطق المحتلة عام 67 بقبول القيادات الفلسطينيَّة وجامعة الدُّول العربيَّة وهيئة الأمم المتـَّحدة فليكن ، فليكن حل الدَّولة في المناطق المحتلة عام 67 والقدس طبعًا وحقوق اللاجئين وما إلى ذلك من قضايا .
*هل ترى أنَّ المفاوضات تسير نحو هذا الإتجاه؟
كلا ، لا توجد مفاوضات ، توجد إملاءات اسرائيليَّة منذ البداية ، كلمة مفاوضات لا تليق بما حدث وما يحدث ، توجد إملاءات اسرائيليَّة وأعتقد أنَّ الشعب الفلسطيني أعطى ما يسمَّى التنازل الأقصى بقبوله بدولة على أقل من خـُمس أراضيه . ولا يوجد لدى الشعب الفلسطيني ما يتنازل عنه بعد والذي يُعرقل الحل الآن هو حكومة اسرائيل وأمريكا من ورائها طبعًا .
*الشّاعر سميح القاسم ، وُجِّهت لك دعوة للمشاركة في مهرجان الثقافة في الرِّياض ولكنـَّك اعتذرت عن هذه المشاركة كونك تحمل جواز سفر اسرائيلي ورفضت إمكانيَّة استصدار وثيقة فلسطينيَّة أو أردنيَّة تتيح لك السَّفر إلى السُّعوديَّة ، هل معنى ذلك أنـَّك تفضـِّل جواز السَّفر الإسرائيلي على الجنسيَّات الأخرى ؟ ، وقلت في هذا الخصوص : " ليكن جواز سفري قصائدي " ماذا قصدت بهذا التعبير؟
هذا التعبير يُعطي الإجابة ، أنا لا أحترم لا جواز السَّفر الإسرائيلي ولا جوازات السَّفر سايكس بيكو ، جواز سفري هو قصيدتي ، وقلت في مقالي المنشور أنا لا أتشبَّث بجواز السَّفر الإسرائيلي لكن لا أقبل أن توضع وصمة عار جواز السَّفر الإسرائيلي علي أو على المليون وربع مليون عربي فلسطيني المقيمين في وطنهم تحت الحكم الإسرائيلي ، لا أسمح لأحد بأن يزاود علي وطنيًّا وقوميًّا وثوريًّا وما تشاء ، لا أسمح لأحد بالمزاودة علي ، سافرت إلى إيران وإلى سوريا وإلى عدد كبير من الدُّول ليس بجواز السَّفر الإسرائيلي بل بتأشيرة خاصَّة خارج جوازات السَّفر وهذا ما كان من الممكن تحقيقه أيضًا بالنـِّسبة للسُّعوديَّة ، أنا لم أرفض بالعكس أنا في شوق كبير لزيارة الدِّيار المُقدَّسة وللأسف الشديد لم أتمكـَّن لأنَّ هناك من لا يريد كما يبدو أن يتفهَّم وضعنا هنا ، نحن لم نختر هذا الوضع ، نحن المليون وربع مليون عربي في بلادنا فـُرضَ علينا واقع من خارجنا يوم نشأت اسرائيل كنـَّا أطفالا ونحن لا نريد للدُّول العربيَّة أن تعترف بجواز السَّفر الإسرائيلي أو أن تتعامل مع جواز السَّفر الإسرائيلي نريدها أن تتعامل معنا من خلال وثيقة خاصَّة من البلد المعني .
*الشاعر سميح القاسم سمعناك في أكثر من مناسبة تدعو الى احترام التعددية في المجتمع العربي عامة والفلسطيني خاصة هل هذه الدعوة ناتجة عن الشعور بوجود ظواهر سلبية كالطائفية مثلا ؟ وهل مثل هذه الظاهرة تنعكس على العلاقات بين الأدباء أيضا ؟
شعور ؟ أتسألني عن شعور ؟ ، أنظر ما يحدث في الوطن العربي ، مذابح ليست شعور ، مذابح طائفيَّة وقبليَّة ، ليست مسألة شعور وفكر وخيالات ، هذا هو الواقع ، واقعنا ، واقع العرب الآن هو واقع صراعات مذهبيَّة وقبليَّة وإقليميَّة وقطريَّة وهو واقع مشين ولذلك صدر كتابي " لا توقظوا الفتنة " بهدف مواجهة هذه الجاهليَّة الجديدة بدون شك .
*هل الطائفيَّة تنعكس على العلاقات بين الأدباء ؟
هل الأدباء ملائكة أو سكان كوكب آخر ؟ هم جزء من هذا المجتمع ومن هذه البيئة بدون شك . طبعًا أنا أصر على الإستثناءات ، هناك استثناءات راقية ، لدينا أدباء وشعراء وفنانون ومفكرون وكتـَّاب رائعون جدًّا تساموا فوق هذه التفاهات لكنهم ليسوا أصحاب القرار ، لا القرار السٍّياسي ولا القرار الإجتماعي .
*نعرف عن شاعرنا الكبير غزارة إنتاجه الأدبي ، فقد أصدرت كتبًا لا تعد ولا تحصى منها أكثرمن 30 مجموعة شعريَّة بالإضافة إلى أعمال مسرحيَّة وسربيات وحكايات ومقالات ورسائل ، منذ أوَّل مجموعة شعريَّة " مواكب الشَّمس " التي صدرت في عام 58 وحتـّى آخر أعمالك الشعريَّة " كولاج 2 " و " سربية أنا متأسِّف " في عام 2009 ونثرًا : " لا توقظوا الفتنة " فهل لك أن تكشف لنا عن مشروعك الأدبي القادم ؟
نعم أنا أعلنت منذ عامين عن رغبتي في ترتيب أوراقي، استعدادًا لكل طارئ والأعمار بيد الله طبعًا ، خلال أيَّام سيصدر عمل جديد هو " أوبريت الجدران "
وسيصدر أيضًا كتاب هو ترجمة لقصيدة شهيرة لبيرتول بريخت الشاعر الألماني التقدُّمي المعروف "أولاد في رحلة خلاص " ولدي أعتقد ستـَّة أو سبعة كتب أخرى أعتقد أنـَّها جاهزة للطباعة .
أشكر الشّاعر الكبير سميح القاسم على هذا اللقاء القيّم وعلى هذا الحديث الممتع مع تمنياتنا لك بالصِّحَّة والعمر المديد. شكرًا جزيلا .