بقلم : منصور النصاصره ... 09.02.2009
[ جزء من محاضرة الاستاذ منصور النصاصره الذي القاها في واشنطن في مؤتمر الشرق الاوسط في شمال امريكاَ
The Middle East Association for North America (MESA)]
اختتمت في الاسبوع الاخير من نوفمبر الماضي [2008] في واشنطن اعمال اضخم مؤتمر اكاديمي لدراسات الشرق الاوسط في امريكا الشمالية(MESA) والذي استمر مدة اربعة ايام. برز في هذا المؤتمر مشاركة الكثير من الباحثين وطلبة الدكتوراة منهم الاستاذ منصور النصاصره ابن مدينة رهط ، والذي يكمل تعليمه الاكاديمي والعالي في انجلترا لنيل لقب الدكتوراة في الدراسات شرق الاوسطية والعلوم السياسية. وقد استضاف المؤتمر الاكاديمي ابرز الباحثين والمتخصصين في دراسات الشرق الاوسط امثال روجير اويين, وليد الخالدي, بشاره دوماني, ايلان بابي, نادية العلي, روزماري سايغ وغيرهم.
اما ورقة الباحث منصور النصاصره فقد تمحورت حول العلاقة السياسية لعرب النقب بالدول التي حكمت فلسطين عبر العصور الانفة, وبالاخص تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية منذ القرن التاسع عشر من جهة والاستعمار الانجليزي للنقب من عام 1917 حتى عام 1948 من جهة اخرى. السؤال المركزي الذي تمحورت حوله المحاضرة كان حول سياسة الدولة العثمانية والاستعمار الانجليزي اتجاه بدو النقب العرب, وما هي ردود فعل سكان الصحراء الاصلانيين (بموجب تعريف الامم المتحدة والقانون الدولي للشعوب الاصلانية: هم مجموعات اثنية سكنت بلادا ما قبل احتلالها او استعمارها على يد مجموعة اخرى, اذا فهم سكان البلدان الاصليين الذين تمسكوا بالارض التي سكنوا فيها وتربطهم بها علاقة تاريخية مثلما هو الحال في كندا, استراليا, اميريكا الشمالية, عرب النقب في هذه الحالة, نيو زيلاند وغيرهم من الشعوب الاصلانية التي تم اعتراف بحقوقهم التاريخية منذ السبعينات مثلما حدث في كندا) من البدو العرب على تلك السياسات التي كانت على الاغلب مجحفة وقاسية لاجبارهم على الرضوخ لواقع التوطين القسري والمبرمج لردعهم عن السيطرة على الصحراء وطرقها التجارية والسعي الى فرض انظمة وقوانين من قبل هذه الدول اللتي لم يعترف بها السكان العرب "الاصلانيون" في جنوب فلسطين.
واليكم محطات تاريخية في تاريخ عرب النقب وبئر السبع تلخيصا لما جاء في المحاضرة الذي القاها السيد منصور النصاصره:
1. لمحة تاريخية
ظلت فلسطين تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية منذ عام 1519 حتى احتلها الانجليز في عام 1917 قرب انتهاء الحرب الكونية الاولى. وكما هو معهود قسمت فلسطين الى عدة ولايات او سناجق وكانت بمثابة ولاية تتبع الى دمشق وصيدا. اما سنجق نابلس وغزة فقد تم ادارتهما بواسطة متصرف القدس وذلك قبيل تاسيس قضاء بئر السبع المنفصل عام 1900. ازدادت ركينة الاتراك الفعلية في جنوب فلسطين فقط بعد اعادة تاسيس مدينة بئر السبع في قضاء منفصل, فقبل ذلك تمت ادارة شؤون القبائل العربية البدوية التي سكنت النقب مباشرة من غزة او من القدس التي كانت المركز الاداري لهذه المنطقة. فقد ذكر مصطفى الدباغ في موسوعته (بلادنا فلسطين) ان منطقة النقب امتدت على مساحة تقدر ب 12577 كم مربع امتدت من بئر السبع حتى العقبة, لتضم اكثر من نصف مساحة فلسطين قبل عام 1948. واضاف الدباغ ان اسم (النقب) استعمل منذ زمن طويل على يد سكان هذه المنطقة "الاصلانيين" من العرب ومعناه (الطريق في الجبل), اما مركز المحفوظات الانجليزي (الارشيف البريطاني القومي) في لندن فأشارت مستنداته ان مصدر اسم النقب هي الكلمة السامية (نيقيب) التي تعني "الارض الجافة" وايضا بالعبرية هي (نيقيب) و (نجب) وتعني" الجنوب".1. ( انظر خريطة النقب في الثلاثينات)
ويبدو ان تجديد بناء مدينة بئر السبع كان له دوافع سياسية واستراتيجية مختلفة دفعت الاتراك لاتخاذ مثل هذه الخطوة التاريخية. نذكر من هذه الاسباب تعزيز الوجود التركي في جنوب فلسطين خاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 وتحضيرا للحرب العالمية الاولى التي كانت على وشك الاندلاع, كما يعتبر بناؤها محاولة لتشجيع القبائل البدوية على الاستقرار الثابت والقسري وتخفيفا لحدة الحروبات الداخلية بينها, ناهيك عن الحاح بعض مشايخ البدو على اتخاذ مثل هذه الخطوة الضرورية.
نلفت الانتباه الى ان احدى ابرز السياسات التي نهجها الاتراك تجاه العرب البدو في الجنوب كانت المحاولة للحد من ترحالهم ومن ثم توطينهم القسري ليسهل عليهم السيطرة عليهم. حاول الاتراك مرارا وتكرارا بعث حملات تاديبية لضرب قبائل فلسطين واجبارها على الاستقرار في اماكن سكناها كما فعل جمال باشا وغيره، لكن دون جدوى. حيث يبدو ان البدو تصدوا لكل محاولات الاتراك للسيطرة عليهم بطرق توطينية مختلفة حتى انهم مرارا قتلوا الجنود الاتراك الذين حاولوا تاديبهم وارغامهم على التخفيف من ترحالهم في الصحراء وايقاف غزواتهم المتتالية وحروباتهم الداخلية.
ويذكر خبير الاثار الاسرائيلي دان غازيت ان الاتراك قاموا بالتخطيط لبناء عدة قرى بدوية في شمال النقب وبالقرب من غزة ابان القرن التاسع عشر وهذا يشير بشكل واضح ان العرب البدو سكنوا بيوتا من حجر وثابتة في مناطق مختلفة كما ونذكر منها القرى التالية التي كانت قائمة وما زال جزء منها موجود بعد نكبة عام 1948 وتهجير اهلها كما ذكر بيني موريس المؤرخ الاسرائيلي.
- الكوفخة التي تم تاسيسها عام 1880، وكان سكانها الاصليون من غزة, وبُني فيها مسجد كبير وما زالت بنايته قائمة حتى اليوم.
- المحرقة التي تم تاسيسها على ما يبدو عام 1883 ،ومن ابرز معالمها بئر قديمة.
- خربة زحيليقه التي سكنتها بعض قبائل التياها .
اما القرى الاخرى فقد ضمت خربة ابو بكره, ابو سته (خربة معين), الشعوط, الرويبة, خربة الحاسيف, خربة ابو معمر, والشيمالية.
كما نهج الاتراك سياسة اخرى اتجاة عرب النقب وهي بناء نقاط البوليس المختلفة في صحراء النقب من اجل السيطرة على القبائل وبسط الامن والنظام. فنرى انهم قاموا ببناء محطة بوليس وادي المليحه في الجهير عام 1894 واللتي بناها رستم باشا (شرق بلدة اوفاكيم اليهوديه اليوم), واخرون ذكروا ان نقطة البوليس سميت بقلعة فطيس, كل هذا دلالة على سعي الاتراك الحثيث لتوطيد سيادتهم في منطقة النقب والتي لطالما فشلوا فيها.
فهذا رشيد باشا حاكم سوريا حاول ايضا في عام 1870 بناء خطة لارغام القبائل على الاستيطان الدائم في منطقة غزة وتشجيعهم على بناء بيوت ثابتة والتخلي عن التنقل من مكان الى اخر ليسهل عليهم السيطرة على البدو ،والتي لم يفلح الاتراك في تحقيقها طوال فترة حكمهم ، التي دامت ما يقارب اربعة قرون.
نلفت الانتباه الى ان الاتراك اتخذوا نفس السياسة من التوطين القسري الثابت للبدو في مناطق نفوذهم المختلفة, فعلى سبيل المثال حين بنيت مدينة بئر السبع قام الاتراك بعمل مماثل في العراق وهو بناء مدينتي الرمادي والناصرية في خطوة قام بها مدحت باشا.
ويبدو ان القبائل العربية في جنوب فلسطين انذاك قد تصدت لاي خطر خارجي حاول السيطرة عليها وعلى اراضيها, فهذا محمد علي باشا وابنه ابراهيم ارسلوا حملتهم الى النقب عام 1831 من اجل توسيع نفوذ دولتهم المصرية في هذه المنطقة, مما ادى الى ثورة بعض القبائل ضدهم وضد اي محاولة للسيطرة على النقب, فيروي موشي ماووز في كتابه ان قبائل البدو في النقب وشرقي الاردن تمردت ضد حكم محمد علي باشا حتى غادر عائدا الى مصر عام 1840, بعد ان فشل في السيطرة الفعلية على المنطقة التي كانت تحت نفوذ القبائل البدوية.
2. بناء مدينة بئر السبع ابان نهاية الحكم التركي لفلسطين عام 1900م
اضافة الى الاسباب آنفة الذكر لبناء مدينة بئر السبع, فإن الاتراك قاموا ببناء مدينة بئر السبع عام 1900 كمركز اداري جديد منفصل عن غزة من اجل ادارة شؤون القبائل والسيطرة عليها, حيث تولى امرها اصف بيك الدمشقي. يذكر عارف ابو ربيعة (2001) في كتابه ان الاتراك قاموا باقتناء 2000 دونم من المحمديين العزازمة بثمن مجيدي واحد للدونم من اجل بناء المدينة الحديثة. وهذا ما اكده اللورد اكسفورد حاكم بئر السبع الانجليزي عام 1943 ان ارض بئر السبع كانت ملك للعزازمة.
يذكر أن تاسييس مدينة بئر السبع كان نتيجة مباشرة من الضغوطات التي قام بها شيخ العزازمة حسن الملطعه كما ذكر عارف العارف قائم مقام بئر السبع في الثلاثينات من القرن الماضي (1929-1939)وذلك من اجل وضع حد للاقتتال بين القبائل البدوية وارساء دعائم الامن والنظام في المنطقة. وقد بنيت وخططت المدينة على يد معماريين اجانب وعرب فلسطينيين كان ابرزهم سعيد افندي النشاشيبي ومساعده راغب افندي النشاشيبي وهم ابناء عائلة النشاشيبي احدى اشهر وأعرق العائلات الفلسطينية . وبوضع حجر الاساس للمدينة تمت مزاولة المرحلة الاولى من البناء بانشاء مباني الحكومه (السرايا) التي ضمت في البداية مدرستين لابناء البدو, محكمة العشائر, محكمة شرعية, بريدًا, مكتب القائم مقام, مركزا للبوليس ومكاتب عمال البلدية. اما في المرحلة الثانية بين الاعوام 1904-1906 فقد بني المسجد الكبير بتبرعات سخية من ابناء البدو, اصف بيك الدمشقي اتى بحجارة مأذنة المسجد من خربة الخلصة, ومن ثم تم بناء مدرسة للطلاب البدو ذات طابقين. في فترة اصف بيك الدمشقي تم ارسال عدد من العرب البدو للدراسة في مدرسة العشائر في استانبول. هذا بالاضافة الى بناء السوق البدوي, المطحنة, ومحلات تجارية عديدة لتشجيع البدو على الاستقرار في ضواحي المدينة. في عام 1915 ابان الحرب العالمية الاولى بنى الاتراك مع حلفائهم الالمان سكة حديدية تربط دمشق ببئر السبع-العوجا "نيتسانا" لمحاولة احتلال مصر. وقد وصل اول قطار الى بئر السبع في نهاية اكتوبر عام 1915 يتقدمه جمال باشا،وقد تم لاحقا اتمام سكة القطار لتصل الى سيناء وغزة.
3. في الذكرى ال 90 لانتهاء الحرب العالمية الاولى: سقوط بئر السبع في ايدي الانجليز 31-10-1917
يبدو ان احد اطماع الانجليز ابان الحرب العالمية الاولى كان احتلال معقل الاتراك العسكري الواقع في بئر السبع والذي كان الحصن الحصين لجيش تركيا في جنوب فلسطين وقاعدة لهم. فبمجرد سقوط بئر السبع كانت هذه نهاية الوجود التركي في منطقة الجنوب. وبعد ان احتل الانكليز مصر عام 1882 سرعان ما لجأت انظارهم واطماعهم الى تلك المدينة من اجل ضرب مركز الاتراك العسكري والاداري هناك.
تنظم الاتراك لصد الخطر الانجليزي القادم الى بئر السبع بمساندة بعض مؤيديهم من مشايخ البدو الذين ارسلوا افراد قبائلهم لمحاربة الانجليز دون جدوى- كما ذكر عارف العارف في بعض مصادره. احتل الانجليز احدى اهم معاقل الاتراك وهي العقبة في حزيران عام 1917 بمساندة الشريف حسين موجهين غاراتهم الى عاصمة الجنوب بئر السبع.
وصلت قوات الجنرال ادموند اللنبي الى مشارف بئر السبع واحتلتها في 31-10-1917 في تمام الساعة السادسة مساء مما ادى الى انكسار شوكة الاتراك وانسحابهم. هكذا كانت بئر السبع اول مدينة يحتلها البريطانيون في فلسطين في طريقهم الى القدس الذي دخلها اللنبي سيرا على الاقدام من باب يافا.
سقوط بئر السبع تحت الانتداب الانجليزي فتح صفحة جديدة في تاريخ النقب, فقد استمرت بئر السبع لتكون مقرا لهم لتلعب دورا مهما كعاصمة القضاء الجنوبي والمركز الاداري لعامة عرب النقب.
نهج الانجليز سياسة مغايرة اتجاه عرب النقب عمن سبقهم من الاتراك الذين لم يفلحوا ببسط السيطرة على اهل الصحراء. لذا لجأ الانجليز الى سياسة جديدة تهدف إلى حكمهم بشكل غير مباشر بواسطة تقوية مراكز شيوخ القبائل وخرط البدو في انظمة الدولة المختلفة مثل توليتهم مناصب مرموقة لادارة بلدية بئر السبع وغيرها. ومن أمثلة ذلك ان بعض مشايخ البدو اصبحوا رؤساء لبلدية بئر السبع مثل الحاج علي العطاونة وحميد باشا الصوفي, الشيخ فريح ابو مدين, تاج الدين شعت من غزةوغيرهم.2. ( انظر الصورة)
2. (صورة نادرة لبعض مشايخ النقب في الاربعينات- يظهر في الصورة تاج الدين شعت احد رؤساء بلدية بئر السبع في الاربعينات والشيخ العطاونة-( حقوق الطبع محفوظه للكاتب).
بعد ان احتل الانجليز بئر السبع قاموا بعدة تنظيمات جديدة مثل تاسيس محكمة العشائر وارساء دعائمها, وتعيين قضاة من مشايخ النقب لفض الخلافات العشائرية, فقد تكونت هذه المحكمة في بادئ الامر من ستة عشر قاضيا ومركزها في بناية السرايا ، إضافة إلى تعيين عارف العارف الفلسطيني الشهير كقائم مقام بئر السبع لمدة عشر سنوات بين الاعوام 1929-1939.
تقرب الانجليز من مشايخ البدو وحاولوا ان يفهموا انماط حياتهم, كان الانجليز شديدي الحذر ان لا يتدخلوا في شؤون القبائل الداخلية وعدم المس بملكية اراضيهم. فقد اعترفوا بملكية البدو على اراضيهم دون تسجيلها, زيادة على ذلك انه في منطقة بئر السبع لم يطلب الانجليز من البدو تسجيل اراضيهم. وكان بعض البدو يدفع الضرائب للانجليز خاصة اهالي غزة الذين قطنوا في المدينة وعملوا في التجارة مما حدا بالانجليز الى مطالبتهم بدفع الضرائب بمجرد مكوثهم في المدينة كما ذكر اللورد اكسفورد. بالاضافة الى البدو, سكن مدينة بئر السبع افراد من الخليل, المجدل, غزة, والقدس.
وفي مجال العمل الوطني برز مشايخ النقب بلقائهم الحاج امين الحسيني عام 1935 في ديرة الشيخ ابراهيم الصانع وفي هذا اللقاء تم اخذ ميثاق مشايخ النقب على عدم بيع اراضيهم للمستوطنين الجدد من اليهود. هذا بالاضافة الى اشتراك بعض مشايخ النقب في تاسيس الحزب العربي الفلسطيني وحضور الاجتماع التاسيسي في القدس كما ذكرت الموسوعة الفلسطينية مثل الشيخ ابراهيم الصانع, حسين ابو سته واخرون. كما كان هناك تمثيل لمشايخ النقب في المحادثات السرية مع الانجليز برز فيها مشاركة الشيخ فريح ابو مدين. الشيخ ابراهيم الصانع كما ذكر قال بيير وحنينا بورات ركز مرارا على عدم بيع اراضي والتفاف القبائل حول بعضها البعض في ذلك الوقت العصيب.
لكن لعل ابرز خطوة نهجها الانجليز اتجاه عرب النقب هي خرطهم في الجيش لاداء مهام مختلفة وتاسيس "الهجانة"- راكبي الابل من البدو- لاداء مهام بوليسية وعسكرية مختلفة. جزء من الهجانة خدم ايضا كبوليس لاسلكي في النقاط العسكرية التي بناها الانجليز في الثلاثينات والاربعينات. هذا ما اكده لي الحاج سليمان اصبيح ابو ربيعه الذي خدم في نقطة ام رشرش (ايلات) كبوليس لاسلكي في المقابلة التي اجريته معه. ذكر ابو ربيعة بعض هذه النقاط منها: عسلوج, عوجة الحفير, كرنب, راس زويرة, وادي غمر, ام رشرش, العمارة, الجمامة, القسيمة, الخلصة, عين حصب, عين غديان وتل الملح. ايضا هناك مجموعات من البدو عملت كقصاصي اثر لاداء مهام حدودية مهمة للانجليز.3. (صورة)
3. (احدى نقاط الهجَّانة التي بنيت في النقب ابان الانتداب البريطاني للنقب تقع في منطقة زبالة- بالقرب من عرب الهزيل-رهط- والتي بنيت في الاربعينات من القرن الماضي)
لقد ادى مشايخ البدو مهام تنظيمية مهمة ابان الحكم الانجليزي, فقد اجتمعوا مرات عديدة في الاردن , سينا والنقب من اجل البت في حل المشاكل الداخلية ووقف الاقتتال بين القبائل. ابان دراستي في لندن وجدت وثائق عديدة بعثها مشايخ البدو الى حكومة الانتداب البريطاني من اجل البت في امور القبائل المختلفة. احدى هذه الوثائق المهمة التي حصلت عليها كتبت عام 1937 على يد مشايخ النقب وذيلت بختم الشيخ عزات العطاونة. طالب المشايخ حكومة الانتداب كما جاء في هذه الوثيقة بعدم المس بملكية اراضيهم والاعتراف بها بموجب العادات المتعارف عليها عند البدو وعدم تسجيلها، التخفيف من دفع الضرائب، عدم المساومة على الارض وبيعها, والمطالبة بفتح مدارس لابناء البدو في مناطق بير السبع.4.[ انظر الوثيقه]
4. (صورة للوثيقة التي بعث بها مشايخ النقب الى الانتداب البريطاني وصلت نسخة منها الى لندن عام 1937 كما جاء في مركز المحفوظات البريطاني في لندن PRO )
بقي الانجليز على هذ الحال حتى ايار عام 1948 عندما انسحبوا من البلاد تاركين وراءهم منطقة نفوذهم الذي دامت ما يقارب ثلاثة عقود .
يذكر ان ثورة عامة سادت البلاد بين الاعوام 1936-1939 وجد فيها الانجليز صعوبات جمة في السيطرة على البلاد, اذ ان فصائل الثوار من البدو وغيرها سيطرت على بئر السبع لفتره وجيزة. في عام 1938 سيطر الثوار بقيادة عبد الحليم الجولاني الملقب بابي منصور من احتلال بئر السبع وطرد الحامية البريطانية منها. ذكر عارف العارف في يومياته التي اطلعت عليها في ارشيف جامعة اكسفورد ان البدو رفضوا القبول بالكتاب الابيض وذلك اثناء الزيارة التي قام بها المندوب البريطاني الاعلى الى قبيلة الترابين في النقب في حزيران عام 1939. اما قبيل انسحاب الانجليز من المدينة في 14-5-1948, اجتمع الانجليز بمشايخ النقب في بئر السبع لينهوا فترة استعمارهم لهذه المنطقة. 5. [انظر صورة الخبر المنشور في الصحيفه]
5. قصاصة صحيفه من جريدة فلسطسن بوست تبين خبر اجتماع الانجليز بمشايخ النقب في بئر السبع قبل مغادرتهم البلاد منهين فترة استعمارهم التي دامت ثلاثة عقود. المصدر الارشيف الصهيوني المركزي- القدس).
بمغادرة الانجليز بئر السبع رفع العلم الفلسطيني على بنايات السرايا في المدينة علي يد شفيق مصطفى رئيس البلدية بحضور عرب وبدو المنطقة حتى وصل الجيش المصري واستلم المدينة لفترة قصيرة لتسقط بئر السبع في يد القوات الاسرائيلية في 21-10-1948 معلنة بذلك فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة وتاريخ هذه المدينة العريقة التي هجر غالبية اهلها الى الاردن, مصر, غزة وجبال الخليل.
تنويه :اعتمد الكاتب في مقاله على مصادر تاريخية عديده ومقابلات مختلفة اجريتها في منطقة النقب وهو كفصل من رسالة الدكتوراة للكاتب.