أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
السقوط الكبير - جورج بوش وطوني بلير!!

بقلم :  خالد كساب محاميد ... 24.8.06


[تكرار الخطأ الإمبريالي - وتكرار النتائج]
الظروف التاريخية التي نعيشها اليوم تلزمنا أن نعود للنظر إلى أوجه التشابه مع الظروف التي سادت السياسة الدولية عشية الحرب العالمية الأولى لعلنا نستطيع أن نرشد جورج بوش وطوني بلير بأنهما يقومان بنفس الخطأ الذي أُرتكب قبل أكثر من 90 سنة على أيدي أمثالهما قادة الإمبراطورية البريطانية والفرنسية والذي تسبب في 1- الحرب العالمية الأولى وتدمير أوروبا 2 – الحرب العالمية الثانية وتدمير أوروبا 3 – محرقة اليهود (أكثر من 6 ملايين من الأبرياء) 4 – انحسار الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية عن مستدمراتها (ما يسمى مستعمرات). لعلنا بهذا ننبهم بأنهم يسيرون في مسار نتيجته واضحة: تدمير العالم مرة أخرى وزج أبناء الشعب اليهودي القليلي العدد في صراع بين الأمة الإسلامية والأمة المسيحية إلى ما لم يتوقعوه سنة 1917 حين زجّت بريطانيا بأبناء الشعب اليهودي المساكين في معركة دارت رحاها بين القوى الإمبريالية القوية كافة حلف المركز وقوى التحالف.
فقط الفلسطيني الضحية الأخيرة لعصر ألإستدمار (ما يسمى الاستعمار) يستطيع أن يعطي النظرة الإنسانية الشاملة لعواقب سياسة جورج وولكر بوش وطوني بلير على الإنسانية كلها. ذلك لأن حياته منذ 58 سنة هي حياة ضحية.
فهل لنا أن نتعقب ماذا كانت النتيجة على أوروبا وبالأخص الشعب اليهودي نفسه لسياسة بريطانيا الإمبراطورية حين أصدرت وعد بلفور التي اعتمدت على مقولة شعب بلا أرض لأرض بلا شعب دعما للحركة الصهيونية وبذلك تدميرا لشروط الحياة الأساسية للشعب الفلسطيني.
الوصف التالي مقتبس من كتاب السيد نورمان روس باللغة العبرية حول حياة حاييم وايزمان (الذي حصل على وعد بلفور
1 – " في 9 نوفمبر 1914، وبعد وقت قصير من اعلان بريطانيا الحرب على تركيا، وقبل شهر واحد من مقابلته مع وايزمان، التقى صموئيل بوزير الخارجية سيد ادوارد جري، وبحث معه مستقبل ارض إسرائيل. تكلم صموئيل كصهيوني بكل معنى الكلمة، ورغم توضيحه بأنه لا ينتمي إلى الحركة الصهيونية، إلا انه بحث الأمر بكل حذافيره وبنشاطه المميز له. فقد تكلم لصالح دولة يهودية في ارض إسرائيل على غرار روح الصهيونية. ولكونه عضوا في الكابينيت البريطاني المسؤول، كان جل مراده هو المحافظة على المصالح الامبريالية البريطانية ضد مصالح الدول الإمبريالية الأخرى كفرنسا وألمانيا وروسيا، ووفقاً لرأيه فقد كان على تلك الدولة الموعودة ان تقوم تحت رعاية بريطانية.
في الوقت نفسه جدد وايزمان علاقاته ببلفور. وقد كان الحديث بينهما متوقعا؛ اكاديميا اكثر منه عمليا. بلفور اعترف لوايزمان بأنه شريك لكثير من الأراء اللاسامية المسبقة التى آمنت بها "كوزيما فاغنر". وقد كان معروفا لوايزمان ذلك التحذير الذي أطلقه صموئيل، والقائل بأن على حكومة بريطانيا الا تأخذ بعين الاعتبار اي اقتراح لا يحظى بتأييد "يهود العالم / اليهودية الدولية".
لقد فتحت المباحثات مع الفرنسيين أعين البريطانيين على رغبات الفرنسيين المبالغ فيها والعناد الذي أظهروه، كل هذا أيقظ أفكارا جديدة (لربما كانت نائمة) لدى الدوائر الحكومية البريطانية. الآن بدأت أصوات رسمية ببحث المصالح السياسية لليهود في ارض اسرائيل. ولربما تمّ الادعاء بانه يتوجب إدخال الصهيونية بشكل ما في الاتفاق النهائي مع فرنسا، اذا لم يكن في طردها المطلق من المنطقة، على الاقل، وسيلة لتقوية موقف بريطانيا في المنطقة.
في الوقت نفسه بدأت تصل التقارير التي تنصح بنشر تصريح من جانب احد الحلفاء، ومن المفضل بريطانيا، يعترف برغبات الصهاينة في ارض اسرائيل لخدمة الادعاء بأن تصريحا كهذا سيكثف تأييد يهود العالم لقوى التحالف. كان تأييد كهذا محط شك في تلك الأيام، على الاخص في الولايات المتحدة، حيث تأسفت الجالية اليهودية هنالك على توقيعها على تحالف مع روسيا.(4)
وقد بدأ سايكس (سير مارك سايكس - من اتفاقية سايكس بيكو) التفكير في أمر الصهيونية، وهو الذي أظهر، حتى تلك الايام، كثيرا من المواقف اللاسامية المخيفة والمميزة لابناء طبقته. فقد تفحص سايكس مذكرة صموئيل، وصموئيل عرفه على غستر، الذي اعطاه بعض الدروس في النظرية الصهيونية. في هذه الاوساط انتشرت الفكرة والايمان بالقوة غير المحدودة لليهود في كل العالم. روبرت سسيل، الذي كان مؤمنا بالصهيونية ومثاليا حتى ايامه الاخيرة، ادعى بأنه لا يمكن الاستخفاف بقيمة "قوة اليهود الدولية". وزارة الخارجية، التي انفجرت حنقا من عداء الرأي العام اليهودي وانبهرت من القوة الصاعدة للحركة الصهيونية في امريكا، توجهت الى اليهودي لوسيين وولف المعادي العنيد للصهيونية وطلبت نصيحة في الأمر.
اصاب القلق البريطانيين من عداء يهود الولايات المتحدة لكل ما يخص قوى التحالف، وانبهروا من قوة الصهاينة الروس، واقتنعوا بعظمة الرأي العام اليهودي غير المحدود في العالم كله."
من هذا الإقتباس نستطيع أن نفهم بأن بريطانيا بتحالفها مع الحركة الصهيونية إنما أرادت أن توظف يهود العالم إلى جانبها. ماذا تسبب هذا ليهود روسيا أو ألمانيا مثلا في نظر الشعب الروسي أو الشعب الألماني إنه ببساطة وضع اليهود الألمان أو اليهود الروس في موقع يطلب منهم أن يخدموا مصالح بريطانيا في روسيا أو المانيا على سبيل المثال. ماذا يسمى هذا ؟ الطابور الخامس ! خيانة! أو حكم بالإعدام على يهود اوروبا وهذا ما حذر منه رئيس الصهاية الروس يحيئيل تشيلنوف وهنا نقتبس من كتاب نورمان روس " الحركة الصهيونية الروسية التي ترعرع وايزمان فيها، رفضت سياسة التحالف مع بريطانيا .
شدد تشلنوف، قائد الصهاينة الروس، على مبدأ المحايدة ورفض ان يعرض السكان اليهود في فلسطين للخطر، وهم الذين كانوا واقعين تحت الملاحقة من السلطات التركية، او المخاطرة بمصير مليونين ونصف المليون من اليهود الساكنين في الدول الواقعة تحت سيطرة دول المحور العظمى، وهكذا رفض برنامج وايزمان. (هل اعتبره حكم بالإعدام على هؤلاء اليهود؟؟؟)
منطق تشيلنوف ينعكس من خلال قراءتنا لحسابات هرتسل الحذرة عندما رسم خططه للحصول على الحماية الدولية لبرنامجه حتى أنه رفض مشاريع التي فيما "إذا فشلت سيتسبب الأمر في مذابح ضد يهود تركيا" عندما أٌقترح عليه القيام بإلزام تركيا أن تعطي الحماية لمشروعه. (من كتاب عاموس ايالون- هرتسل)
لم يثق يهود روسيا بتاتا بنوايا ودوافع حكومة بريطانيا، وتوخوا الحذر منها لانها تدعم نظام القيصر الروسي، وفي الوقت نفسه لديها ايمان ساذج بالنوايا الايجابية لدى الحكومة الروسية المؤقتة التي تشكلت للتو.
جهد سوكولوف ووايزمان لتغيير رأي تشيلنوف. وفي بداية حزيران 1917 اجتمع في نيوغراد مؤتمر شامل لصهاينة روسيا. أرسل وايزمان الى المؤتمر نداء "ارض اسرائيل يهودية موحدة تحت حماية بريطانيا"، لكن نداءه لم يُستجب. (السؤال الذي يسأل هل رأى تشلنوف بتحذيره بريطانيا بأن وعد بلفور هو حكم بالإعدام على 2.5 من يهود أوروبا؟)
في الأول من أيلول توجه وايزمان الى تشيلنوف مرة اخرى لكنه لم ينجح في تغيير رأيه."
نرى من خلال هذا السرد بأن التحذير من محرقة اليهود كان قد وُضع نصاب أعين الساسة البريطانيين وطُلب منهم تحييد اليهود من الائتلاف مع أي من طرفي النزاع الدولي.
فهل لو كانت بريطانيا قد تركت الشعب اليهودي وشأنه وسمعت ليحيئيل تشيلنوف الصهيوني وللسيد ايدفين مونتغيو الوزير اليهودي الوحيد في الحكومة البريطانية التي اصدرت وعد بلفور بتحييد اليهود من تأييد أحد أطراف الصراع الأوروبي هل كان من الممكن تجنب المحرقة التي أودت ب 6 ملايين من الأبرياء اليهود.
ما الذي يقوم به جورج بوش وطوني بلير في هذه الأيام ؟ أليس هو: " الفكرة والايمان بالقوة غير المحدودة لليهود في كل العالم. و"قوة اليهود الدولية" و"الأخطبوط اليهودي". ونحن نقول ما كان للشعب اليهودي من ذلك بشيئ ولا في أيامنا هذه. فكله فرية لا سامية بذيئة أودت بحياة أكثر من 6 ملايين من اليهود إلى المجازر والمذابح في المحرقة. وبالتالي إلى نكبة الشعب الفلسطيني وتقوقع الحياة في العالم العربي.
2 - "هارمجدون" اللجون الفلسطينية المهجرة
لا يسعنا إلاّ أن نسرع في مخاطبة الأنجيليين (الأفنغاليين) الأمريكيين والبريطانيين الذين يحلمون بأن ملحمة هارمجدون ستقع في أخر الزمان ضمانا لعودة المسيح. الأمر الذي يخصني شخصياً في هذه المعركة هو إنها ستقع في القرية التي هُجِّرَ منها والدي سنة 1948 عند تأسيس دولة إسرائيل، وأُجبر على النزوح منها مع بقية أبناء بلدته الى أم الفحم وإلى باقي الشتات الفلسطيني، حيث استولى على أراضيهم سكان القرى التعاونية "الكيبوتسات" الناجون من محرقة الهولوكوست.
يسيطر الإنجيليين (الأفنغاليين) من المسيحيين على الثوابت الدينية في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش والعالم الغربي السياسي، الديني والأخلاقي، وهؤلاء وضعوا "هارماجدون" في مركز تفكيرهم.
نأتي الى العمل الشاق الذي يتطلب منا أن نحلل العقم الأخلاقي الكامن في ملحمة أرمجدون المزعومة.
"أرمجدون" هي الأسم الأنكليزي "للمكان الذي يدعى بالعبرية هرمجدون" وفقا لـ (رؤيا يوحنا 16-16) والتي تسمى اليوم في إسرائيل مجيدو، والتي سُميت مجيدو أو مجيدون في كنعان، وأسمها العربي الفلسطيني اللجُّون.
فما هي أذن ملحمة أرمجدون وكيف يفهمها راسمو السياسة الأمريكية وكيف حددت لنا نحن الفلسطينيين نكبتنا وتحدد لنا اليوم استمرار مأساتنا؟
معركة أرمجدون كانت حلم الإمبراطورية البريطانية وهي اليوم حلم الإدارات الأمريكية ببناء الهيكل. فوفقا لشبكة الشرق الأوسط على الإنترنيت، وتحت مقالة "الدعم البريطاني لاستعادة توطين اليهود في أرض الميعاد"، ttp://www.mideastweb.org/britzion.htm) فإن "إعلان وعد بلفور فلسطين وطنًا لليهود، لم ينشأ من فراغ معتمداً فقط على احتياجات الحرب الكولونيالية. لقد عكس حركات فلسفية ودينية لإعادة اليهود الى أرض الميعاد. كانت الفكرة متجذرة عميقاً في حضارة القرن التاسع عشر البريطانية.
فمن جهة، بدأ البروتستانتيون في بريطانيا ولاحقًا في الولايات المتحدة الأمريكية بتعريف أنفسهم كورثة للإسرائيليين، كالسبط العاشر الضائع. ومن جهة أخرى، نما التأييد لإعادة اليهود الى أرض الميعاد كأصحاب الحق على "الأرض المقدسة" . هذه الحركة كانت قد تغذت من مصادر مختلفة، لم تكن كلها مؤيدةً لليهود. فالعقيدة الدينية لبعض فروع البروتستانتيين لها اعتقاد بأن ظهور المسيح مرة أخرى سيكون ممكناً فقط عندما يُحشر اليهود في الأرض المقدسة. وجد اللاساميون في هذا طريقة مثالية للتخلص من اليهود في أوروبا."
لم تكن فكرة إعادة اليهود إلى البلاد المقدسة غريبة في الثقافة البريطانية. ففي سنة 1621 كتب عضو البرلمان سير هينري فينش كتاباً تحت عنوان "إعادة البناء ألأعظم في العالم"، وفيه طلب من اليهود أن يؤكدوا مطلبهم وأحقيتهم على الارض المقدسة. في عام 1799 أصدر نابليون إعلانا يعد فيه بإعادة الأرض المقدسة لليهود، عند محاصرته عكا الفلسطينية. لقد أُجبر نابليون على الإنسحاب من فلسطين، لكن الفكرة كانت قد غُرِسَتْ وتجذرت في الروح البريطانية. ولدوافع دينية، إنسانية، فلسفية أو إمبريالية بدأ زعماء بريطانيون مرموقون بتعلم اللغة العبرية، كتبوا كتبًا حول إعادة توطين اليهود، وبدأوا ببناء مستوطنات، دافعوا عن الفكرة على الملأ وفي الصالونات الخاصة.
من بين أولئك كان لورد ليندسلو، لورد شافتبيوري، لورد بالميرستون، ديسرائيلي، لورد مانشستر، جورج إليوت، هولمان هانت، سير تشارلس وورين، هول كاين وآخرون.
ربما كان شافتسبيوري مسؤولاً عن مقولة "بلاد بدون أمة لأمة بدون بلاد" التي تحولت على لسان الحركة الصهيونية الى شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". كتب شافتسبيوري: "هنالك تواصل للعرق اليهودي وللعقل اليهودي إلى وقتنا هذا. لكن البعث الكبير من الممكن أن يتم في البلاد المقدسة."
وكتب اللورد ليندسلي: "روح فلسطين ما زالت تتمتع في سَبْتِها، وتنتظر فقط عودة أبنائها المغتربين، لإقامة الصناعة لتتلاءم مع إمكانياتها الزراعية وإزدهار الرخاء العالمي لتكون كما كانت في عهد سليمان" (1847).
تشارلس هنري تشرشل، مواطن بريطاني سكن دمشق، كتب لليهودي موشيه مونتيفيوري في عام 1841: "الأمر ممكن إذا اتخذ اليهود خطوات لتحقيق ذلك وإذا دعمتهم القوى الأوروبية".
في 1839 أرسلت كنيسة سكوتلاندا أندرو بونار، م. تشيين، وروبرت ميوري ليقدموا تقريرًا حول اليهود في موطنهم. وُزع هذا التقرير بصورة جماهيرية واسعة في بريطانيا وأُلحق "بمذكرة للموناركية البروتستانتية الاوروبية لإعادة اليهود الى فلسطين"، التي نُشِرت في "لندن-تايمز" بمرافقة إعلان موّله اللورد شافتسبيوري ليبدأ مشروعا إعلاميا حماسيا بواسطة التايمز لإعادة توطين اليهود في فلسطين.
في 1840 نشرت التايمز بأن الحكومة البريطانية تتداول أمر إعادة اليهود الى فلسطين.
وفي عام 1880 نشر ف. لورنس أليفانت (1829-1888)، الذي كان عضوَ برلمان ومسيحياً إنجيلياً (إفنغاليا)، وكان من أتباع شافتسبيوري، كتاباً تحت عنوان "أرض جلعاد"، طلب فيه من البرلمان أن يؤكد إعادة اليهود من كل العالم الى فلسطين. ودافع عن فكرة "تهجير العرب الفلسطينيين الى محميات كتلك التي أستعملت للهنود الحمر في أمريكا".
كانت هذ المعتقدات قد بَلورت عمق الفكر السياسي لكلٍ من لويد جورج، جيمس أرثور بلفور، وكثيرين من الساسة البريطانيين الذين آمنوا بأن واجبهم الديني المأخوذ من "رؤيا يوحنا" (16-16) في الإنجيل حول نهاية العالم "وإقتراب الساعة" في ملحمة "أرمجدون" التي فيها سيتحارب الشر مع الخير التي سيتلوها قدوم المسيح. وعندها سيضرب الله سبع نكباته على الشريرين, نكبة بعد نكبة بعد نكبة إلى ان يقضى على أخر اليهود!!! هذا هو حلم الأفنغاليين!!!
"رؤيا يوحنا" هي إيحاء الله اليه حول نهاية العالم، فهي إذن بنظر المؤمنين المسيحيين "أمر الله" ليس أقل، وهي التي يعتمد عليها الإنجيليون المسيحيون (الأفنغاليون) في أمريكا، وهم الذين أوصلوا الرئيس جورج وولكر بوش إلى رئاسته الثانية، في ذلك تكمن أهميتها في رسم السياسة الأمريكية تجاه اللاجئين الفلسطينيين والصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
في هذه الحرب كما جاءت في "رؤيا يوحنا (14-16): "وَهِيَ أَرْواحٌ شَيْطَانِيَةٌ تَصنَعُ المُعْجِزاتِ وَتَذهَبُ إلى مُلوكِ الأَرضِ كُلِّهَا لِتَجمَعَهُم لِلحَربِ في اليومِ العَظيمِ، يومِ اللهِ القديرِ. (15) ها أنا آتٍ كَالسّارِقِ! ... (16) فجَمَعَتهُم في المكانِ الذي يُدعى بِالعِبرِيَّةِ هَرمَجَدُّونَ".
ووفقا لهذه الرؤيا النبوية يؤمن الإنجيليون المسيحيون (الأفنغاليون) بأن الحَرب في اليومِ العَظيمِ ستنتهي بإبادة جماعية تحت شعار "إذبحوا اليهود" إذ سيُقضى فيها على ثلثي اليهود، أما الثلث الأخير منهم فسيتّبع المسيح المنتظر وبهذا يتحقق حلم بوش بالقضاء على اليهودية. وعندها سيحكم المسيح الذي هو الرب، في اعتقادهم، بسلام على البشرية.
ولكي تتحقق هذه النبوءة، على اليهود أن يتجمعوا في أرض الميعاد، أن يعاد بناء الهيكل في أورشليم وأن تعاد مملكة اليهود على البلاد المقدسة.
لذا فقد رأى الساسة البريطانيون بأن عليهم، تحت شعار "إذبحوا اليهود"، ولأجل أن يقضوا عليهم في حرب أرمجدون، مساعدتهم والتعجيل في إرجاعهم الى الأرض المقدسة ليسرِّعوا في قدوم هذه الحرب.
في النتيجة، ظن هؤلاء الساسة بأنهم يطبقون أمر الله لتحقيق "رؤيا يوحنا"، وعندها سيكافؤهم الله بأن يجعل لويد جورج، على سبيل المثال، نائبًا له أو جيمس بالفور قائماً بأعماله.
نعم، هكذا ظن جيمس بلفور بأنه سيكون القائم بأعمال الله على الأرض فيما إذا ساعد على التسريع في إبادة اليهود. ولربما كان مَنْ قُتِلَ من اليهود في المحرقة على أيدي المجرمين النازيين جزءًا من الحلم البريطاني ومن حلم لويد جورج وجيمس بلفور حول حرب أرمجدون.
هذا ما يدور في هذه الأيام من تفكير ورغبات ورسم سياسات لدى الساسة الذين يقودون الولايات المتحدة. حيث أن الإنجيليين المسيحيين (الأفنغاليين) الأمريكيين يعتبرون الحرب في فلسطين والعراق على انها مسرح أعمال الله في آخر الأيام، فلذلك يرون في المذابح التي تتسبب فيها الأطراف بعضهم ضد بعض جزءًا من أحلامهم النابعة من قراءتهم لـ"رؤيا يوحنا".
وهؤلاء الإنجيليون المسيحيون (الأفنغاليون) هم الوحيدون الذين يدعمون إسرائيل دون قيد أو شرط حتى يتسنى لهم التمتع بالمشاهد الدموية لأطفال اليهود والفلسطينيين الذين لا ذنب لهم سوى ولادتهم في هذه الديار المقدسة. فها هم يعيدون علينا المقولة أن اليهود هم شعب الله المختار، (يعتبر كثيرٌ من اليهود بأن الله إختارهم ليكونوا معذبين في الأرض خ. م.)، ليثيروا لدى الشعوب التي لم يخترها الله الحقد على اليهود وتأجيج الضغينة ضدهم، كل ذلك لتسريع إعادتهم الى البلاد المقدسة ليتسنى لهم أن يروا عبر الفضائيات وشبكات الإنترنيت، على كأس من النبيذ وشريحة من اللحم والكماليات الغذائية، الدماء المراقة بسبب حروب مجنونة لا طائل تحتها سوى إشباع غرائز الكبار.
ذلك لأن الولايات المتحدة لم تُذكر في الكتب المقدسة، فإن هؤلاء الإنجيليين المسيحيين (الأفنغاليين) الأمريكيين، على شاكلة جيري فالويل، يريدون أن يأخذوا دور الأنبياء ويجعلوا لأنفسهم دورًا سماويا لهم. وما اختاروه، للأسف الشديد، يرتبط بمشروعٍ مليء بسفك دماء اليهود والفلسطينيين بدلا من أن يدركوا أن الرسالة السماوية والإرادة الربانية كما نقرأها في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم أبسط بكثير من هذه المشاهد المربوطة بتقديم القرابين والمذابح. ولعلنا نذكّرهم بأن التخطيط الذي سبقهم اليه لويد جورج وجيمس بالفور وجورج أليوت وبنجامين ديزرائيلي هو الذي زجّ باليهود في أوروبا إلى حافة المسرح الذي – لسخافة ظنهم – أراد الرب أن يرى فيه الدماء تسيل ليكونوا قربانا على مذبح التطلعات الإنجيلية (الأفنغالية) حينها، وقد رأينا نتيجتها: مذبحة بشعة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً حين قام النازيون بقتل ستة ملايين من اليهود الأبرياء بدم بارد.
إن تيم لاهاي كاتب الكتاب "أرمجدون" الذي يتوقع فيه إبادة اليهود ومحو كل الديانة اليهودية، لا يستطيع بعقله أن يرتقي الى الحدث البسيط، الذي يستطيع كل طفل أن يتنبأ به، بأن احتضانه لليهود إنما يشابه احتضان لويد جورج وجيمس بلفور اللذين لم يتوقعا أنهما بسياستهما الغبية كان من الممكن أن يسبب لليهود مقتل ستة ملايين من أبنائهم، أي ثلث يهود العالم آنذاك.
إن دوافع تيم لاهاي هي دوافع لاسامية واضحة للعيان ومفهومة جداً. فإننا نرى ارتباط الكثير من السياسيين في الكونغرس الأمريكي، كجيم إينهوف وتوم ديليه وغيرهما، إنما يتخبطون في سياسة لا نرى أنها تخدم الشعب اليهودي في فلسطين وإسرائيل وتوفر له ظروف الأمن والطمأنينة، بل تأتي سياستهم لتزج باليهود في البلاد في صراع أبدي مع الأمة المسلمة ليتسنى لهم الاستفادة مما ظنه الساسة البريطانيون في بداية القرن العشرين، "ألأخطبوط اليهودي"، وهو الوهم اللاسامي الكاذب، الذي ليس لليهود فيه أي ضلع سوى الدعاية السلبية التي تصيبهم منه.
يأتي اعتماد الإنجيليين (الأفنغاليين) على ائتلافهم مع يهود العالم في إطار إستراتيجيتهم لتحقيق المكاسب السياسية للسيطرة على الحياة السياسية في أمريكا، وما يلحق ذلك من فوائد وخدمة لمصالحهم المباشرة. وقد جاء ذلك كنتيجة لاعتقادهم بأن من يريد الوصول الى الحكم عليه أن يكون صديقا لليهود. كانت "رؤيا يوحنا" هي التى دفعتهم إلى دعم غير مشروط لإسرائيل الأمر الذي أدّى إلى استغلالهم "للطقوس الدينية" المتمثلة في التخيلات حول تشابه النتائج في ملحمة "أرمجدون" المنتظرة والهولوكوست من أحداث رهيبة ومروعة.
يستخدم الإنجيليون (الأفنغاليون) مأساة اليهود في الهولوكوست وحاجة إسرائيل للأمن و"رؤيا يوحنا" في حرب "أرمجدون" لكي يصلوا الى الحكم وإلى الميزانيات الكبيرة والأرباح التي يجنونها من وصولهم إلى السلطة في الولايات المتحدة بواسطة الرئيس بوش.لن نفاجأ بأن ما سيفعله هؤلاء الإنجيليون (الأفنغاليون) لدى وقوع أي خطر فعلي ضد اليهود في العالم، هو العمل على تحقيق "رؤيا يوحنا"، والوقوف متفرجين على المذابح التي يحلمون بها ليل نهار، كما قام بذلك أسلافهم من الأمريكيين والإنكليز بتخاذلهم وعدم قيامهم بقصف السكك الحديدية المؤدية لأوشفيتس، وعدم سماعهم نداءات استغاثة اليهود الذين طلبوا من بريطانيا وأمريكا قصف أفران الغاز في أوشفيتس وفقا لما جاء في كتاب جيمس س. وايمان(1), يثبت فيه أن بريطانيا وأمريكا لو أرادتا أن تنقذا على الأقل مئات الالاف من يهود أوروبا من الموت الأكيد في أفران الغاز لأستطاعتا. لكن الأمريكيين والإنكليز تخاذلوا وخانوا رسالتهم الإنسانية. والصورة التي يرسمها وايمان في كتابه هي صورة فشل تاريخي. يدعي وايمان أن عدم رد الفعل الذي أبدته الولايات المتحدة للمعلومات حول محرقة اليهود كانت نتيجة سياسة النفي وتخاذل وزارة الخارجية،
ولامبالاة الرئيس روزفيلت. مثل هذا التصرف المغلف باللاسامية يتوجب علينا ان نتوقعه من الإنجيليين (الأفنغاليين) الأمريكيين في حالة وقوع اليهود في خطر ..
3 – النظرية العسكية
كتب السير بازل هنري ليدل هارت (1/10/1895) أن "كثيرين من الناس يفهمون بأن الصراع هو جزء من الحياة وأساس ضروري لتقدم الإنسانية، دون أن يفهموا بأن العنف الذي يرافق الصراع إنما هو مرحلة واحدة من مراحل الصراع" . ولذلك رأى كلاوزوفيتش أن "حجم وشكل ومضمون العمليات العسكرية مترابطة بشكل وثيق مع حجم وشكل ومضمون الأهداف السياسية..."، وأن أهداف العمليات العسكرية تنبع بشكل كبير من تفاعلها مع الأهداف السياسية" . ورآى هارت بأن "المصالح الذاتية (الإقتصادية) لطرف ما في الحرب واعتبارات إنسانية تُلزم الأمم المشاركة في الحرب أن تحقق أهدافها – إخناع العدو أخلاقيًا –
دون التسبب في ضرر دائم للحياة والصناعة.... فلذلك كان المبدأ الذي اعتمده بيسمارك، وساسة الإمبراطورية البريطانية، هو شن وإدارة الحرب إلى الحد الذي استخلصوا منها فائدة، ولعقد السلام عندما لا تخدم الحرب المصالح... لذلك نرى بأن ألمانيا في الحرب العالمة الأولى وصلت إلى إنهاك قواها بعد أن اعتمدت استراتيجية "القوة الضاربة الساحقة"... لأنهم لم يعرفوا متى يتوقفون. استمروا في استعمال القوة، تدحرجوا إلى أن وقعوا في الهاوية" .
إن انتهاء الحرب لا يكوِّن حدود مجال البحث عن أهداف الحروب. حيث يتوجب على المشاركين فيها أن يأخذوا في حساباتهم السلام الذي بعد الحرب. عندما يدخل السياسي في حساباته "الفوائد" من الإنتصار يتوجب عليه أن يأخذ بعين الإعتبار تأثير الثمن الأخلاقي والإقتصادي الذي من المفروض دفعه لتحقيق هذا النصر، وكذلك أن يحسب حساب الطرق التي من خلالها يزرع هذا النصر بذور حرب قادمة إضافية" .
القصد واضح بأن فرنسا وبريطانيا بعد أن انتصرتا في الحرب العالمية الأولى فرضتا العقوبات على ألمانيا وبذلك تمّ زرع البذور لوصول هتلر إلى الحكم، ما يعني أن البريطانيين والفرنسيين قد عبدوا الطريق لمذبحة اليهود. ولن يكون من الصعب علينا ان نفهم بأن ثمن التكفير عن خطايا الاستدمار (ما يسمى الإستعمار) دفعه الشعب الاوروبي كله والشعب اليهودي وبالتالي الشعب الفلسطيني والعربي. وعليه فإن استمرار إدارة الاحتلال، إن كان في فلسطين، العراق أو افغانستان، لن يكون ذا مصداقية انسانية (لا حق للإحتلال بالتواجد هناك أصلاً لكن ما داموا متواجدون هناك) الاّ اذا اتبع فيه الشعب الامريكي المبادئ التي يتبعها في بيته هو من مساواة واحترام لحقوق الانسان، وذلك بهدف كنس كل ظواهر العنصرية واللامساواة في العالم. وما دام الاحتلال الامريكي لا ينهج في العراق أو افغانستان مبدأ الدفاع عن حقوق الانسان المتبع في امريكا فلا نستطيع ان نضمن بأن ما حدث لاوروبا بين السنوات 1914-1918 والسنوات 1939-1944 لن يحدث بشكل او بأخر لامريكا نفسها.إذ خلال حقبة الاستدمار بحثت كل تلك الدول المستدمِرَة (المستعمِرة) عن تحقيق أطماعها الماديه المباشره من خلال استغلال قوتها العسكرية وسيطرتها على الدول المستدمَرة، وهو ما أدى بها إلى تحديد معالم النظام الدولي بعد الحرب العالمية الاولى، حين اتفقت على تقاسم النفوذ بينها، الأمر الذي أدّى إلى عقد الاتفاقيات الدولية لتحديد انتدابات مختلفة حصلت عليها الدول القوية دون ان ترجع الى شعوب الدول الفقيرة بالسؤال عن رغبتها في ذاك الانتداب بعد الحرب العالمية الاولى. وماذا يا ترى جرى لتلك الاتفاقيات؟ هل احتُرِمت؟ هل حافظت على سلام اوروبا؟ هل نجحت في الحفاظ على مصالح الدول القوية؟ الجواب هو لا قطعا قياسا بالنتيجة المترتبة عن ذلك والمتلخصة في تدمير اوروبا ومحرقة اليهود. وماذا يصنعون لنا في هذه الايام من بقايا جنونهم في العراق وافغانستان وفلسطين والعالم العربي كله؟ لماذا لا يفهمون نتائج الحرب العالمية الأولى والثانية ومحرقة اليهود- أين خطة مارشال في العالم العربي لكي تمنع خلق ظروف مشابهة لتلك التي أوصلت هتلر إلى الحكم؟
لقد استطاع هتلر، الذي عانى من أمراض نفسية وتعقيدات في شخصيته، الوصول الى الحكم بفضل الساسة "العباقرة" البريطانيين والفرنسيين الذين لن يكن لديهم بعد نظر في حساباتهم السياسية لينهجوا خطة كخطة مارشال تجاه الشعب الألماني بعد الحرب العالمية الأولى، لكن بدل ذلك استغلوا الأمر لجني المزيد من الارباح المباشرة التي جنوها من جراء فرض العقوبات على الشعب الالماني الذي ما كان منه ان يوصل الى الحكم احدا غير هتلر. هذا ما يذكّرنا به كلاوزوفيتش وهارت : " إن انتهاء الحرب لا يكوِّن حدود مجال البحث عن أهداف الحروب. حيث يتوجب على المشاركين فيها أن يأخذوا في حساباتهم السلام الذي بعد الحرب. عندما يدخل السياسي في حساباته "الفوائد" من الإنتصار يتوجب عليه أن يأخذ بعين الإعتبار تأثير الثمن الأخلاقي والإقتصادي الذي من المفروض دفعه لتحقيق هذا النصر، وكذلك أن يحسب حساب الطرق التي من خلالها يزرع هذا النصر بذور حرب قادمة إضافية"!!!
هل يحسب السيد جورج بوش وطوني بلير أي بذور يزرعوها للحرب القادمة في خططهم لشرق أوسط جديد
فنحن نرى بان فرنسا وبريطانيا لم تأخذ بالحسبان أي بذور زرعتها عند نهاية الحرب العالمية الأولى والتي أوصلت هتلر إلى الحكم في المانيا وبالتالي, والأشد الذي يخص صراعنا في العالم العربي, هو محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية.
فهل الحسابات الإمبريالية سنة 1917 , والتي تسببت في محرقة اليهود, غائبة عن حسابات طوني بلير وجورج بوش الذين يعتمدون على قوتهم العسكرية كما اعتمد أسلافهم سنة 1917 . الم يتعلموا من التاريخ بأن مثل هذه الحسابات الأنانية الخاطئة هي التي أوصلت أوروبا والعالم إلى حربين عالميتين , خلال اقل من 30 سنة, والى مذبحة اليهود الذين يتشدقون بأنهم يريدون حمايتهم.
إذا كانت محرقة اليهود فريدة من نوعها وهي كذلك, ولم يكن لأحد أن يتوقعها فهل يمكن أن يتوقعوا مشابها لها فيما إذا عرفنا بان الأسس الفكرية والدينية والعقائدية والحسابات الإمبريالية لم تتغير وتكرر نفسها؟
فهل لنا أن نحذر بأن ما لم يستطع أن يتنبه إليه لويد جورج وجيمس بلفور سنة 1917 ننبه نحن إليه إسوة بما قام به ايدوين مونتغيو اليهودي ويحيئيل تشلنوف الصهيوني في رفضهما قبول وعد بلفور في توقعهما بأنه سيسبب محرقة اليهود. ونذّكرهم كذلك بخطة مارشال أهدافها, أسباب ونتائج تنفيذها.
هذه هي الرؤية الفلسطينية لما سيتسبب فيه سياسات غبية لمن يسيطروا على اقوى جيوش العالم واقوى اقتصاد في العالم المتخبطون الأبديون في أحلام غيبية. وإذا كان لقادة أمريكا وبريطانيا القايا من الحنكة فما عليهم إلا نهج خطة كخطة مارشال تجاه الشعب الفلسطيني. الأن الان وليس غداً.