أعادت أزمة غلاء المحروقات والانقطاع الطويل للكهرباء بفعل التدهور الاقتصادي في لبنان، الكثير من المواطنين عقودا زمنية إلى الوراء، بعد أن أجبرهم برد الشتاء على إشعال أخشاب الأشجار بحثا عن الدفء، وطاولت أعمال القطع أشجارا "نادرة ومعمرة"، ما أثار قلق الأهالي وجهات رسمية.ففي بلدة السويسة بقضاء عكار، ينشغل المواطن الستيني حسن الحسين يوميا بتقطيع الحطب والأخشاب، تمهيدا لإشعالها بهدف التدفئة ليصمد بوجه تدني درجات الحرارة في موسم الشتاء. ويقول حسن: "لقد عدنا إلى الوسائل البدائية التي كان يعتمدها أهلنا وأجدادنا لتأمين التدفئة"، شاكيا من "الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة" التي يمر بها ككثير من المواطنين.ويضيف: "لا مازوت متوفر لدينا ولا كهرباء، لذلك نضطر إلى لملمة الحطب وتقطيعه ومن ثم إشعاله لتأمين التدفئة خصوصا مع تدني درجات الحرارة ليلا".وكحال حسن، تعتمد التسعينية عزيزة محمد في بلدة الكواشرة، على شجرتين كبيرتين قرب منزلها لتأمين الحطب وإشعاله لمواجهة برودة وصقيع الطقس.وتقول عزيزة: "نشعل حطبا لتأمين التدفئة، لكنه بدأ ينفد بسبب إقبال الجيران على الأشجار القريبة، في ظل اشتداد البرد والصقيع".وتضيف: "المازوت غير متوفر لأنه مرتفع الثمن كما يقولون، لكن لدينا شجرتان قرب المنزل، نحصل على الحطب منها من أجل تأمين التدفئة".وفي غضون أقل من عام ارتفع سعر صفيحة المازوت والتي تعادل 20 لترا، بنحو 20 ضعفا خلال عام 2021، وبات يبلغ سعرها 360 ألف ليرة بعدما كان 18 ألف ليرة قبيل الأزمة الاقتصادية، وذلك على إثر قرار الحكومة والبنك المركزي وقف دعم استيراد المحروقات.وكان الدعم يهدف إلى الحفاظ على أسعار السلع الأساسية المستوردة منخفضة، بعد الهبوط الحاد للعملة المحلية مقابل الدولار الأميركي، إذ بلغ سعر صرف الدولار الواحد نحو 29 ألف ليرة بالسوق الموازية، بينما سعر الصرف الرسمي للدولار يبلغ 1515 ليرة.ويبلغ احتياج العائلة الواحدة 3 براميل مازوت (600 لتر) في فصل الشتاء، "بتكلفة تقدر بنحو 10 ملايين ليرة (نحو 322 دولارا) وهذا المبلغ تعجز معظم العائلات أن تؤمنه في ظل تردي الظروف المعيشية والاقتصادية"، وفق ما يؤكده الناشط محمد المسلماني.ويقول المسلماني إن "الحال هو نفسه بالنسبة لسعر جرة (قارورة) الغاز التي تستخدم للتدفئة، إذ يبلغ سعرها 350 ألف ليرة (11.2 دولارا) لكنها تنفد خلال بضعة أيام، ما يجعل كلفة التدفئة بواسطة الغاز أيضا باهظة".("ويضيف أنه في ظل انقطاع الكهرباء، وغلاء قيمة الاشتراك بالمولدات الخاصة، وارتفاع كلفة المحروقات، كان لا بد من اللجوء إلى وسائل بدائية للتدفئة كالحطب أو الفحم، وإلا لا يمكن الاستمرار في العيش ومواجهة الصقيع.ولفت إلى أن بلدته البيرة، تقع على ارتفاع 700 متر عن سطح البحر ولا يمكن لأحد تحمل البرد والصقيع من دون تدفئة، لذلك يلجأ كثير من المواطنين إلى الغابات والأحراش لقطع الأشجار سعيا وراء الحطب.وعلى إثر شح الوقود المخصص لتشغيل معامل الطاقة، يعاني اللبنانيون من انقطاع الكهرباء لنحو 20 ساعة في اليوم عن المنازل والمؤسسات، فيما يلجأ البعض إلى الاشتراك بالمولدات الخاصة ذات التكلفة الباهظة جدا، والتي تؤمن نحو 12 ساعة كهرباء في اليوم فقط من أصل 24 ساعة.لكن إقدام المواطنين على قطع الأشجار أثار قلق الأهالي والجهات الرسمية، بحسب المسلماني الذي أشار إلى أن أعمال القطع تطال "أشجارا نادرة ومعمرة، وبشكل عشوائي".ويتابع: "مع أن الناس بحاجة إلى الدفء، لكن مشاهد قطع الأشجار محزنة جدا، خصوصا أنها تطال أشجارا من السنديان والملول والعفص التي تشكل جزءا هاما من الحياة البرية اللبنانية".وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلن وزير الزراعة اللبناني، عباس الحاج حسن عدة مرات أنه طلب من القضاء ملاحقة أعمال قطع الأشجار في مناطق مختلفة من أجل وضع حد لتلك الظاهرة بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي.وينطوي على استخدام الحطب أو الفحم للتدفئة داخل المنازل، مخاطر صحية نتيجة تنشق ثاني أكسيد الكربون، ما قد يؤدي إلى خطر الاختناق.وفي 2 كانون الثاني/ يناير الجاري، توفيت أم سورية وأطفالها الثلاثة أثناء نومهم في بلدة الخرايب بجنوب لبنان، جراء الاختناق بكربون الفحم بعد إشعاله بهدف تدفئة غرفتهم.بدوره، قال رئيس اتحاد بلديات دريب الغربي في شمال لبنان، أحمد كفا، إن ارتفاع سعر المازوت وانهيار القدرة الشرائية لدى المواطنين دفعهم للجوء إلى الأحراج والغابات سعيا للدفء وتلافيا للبرد.لكن كفا أعرب عن خشيته من أن قطع الأشجار يهدد غابة "العذر" المعروفة بمنطقة الشرق الأوسط، بعدما باتت أعمال قطع الأشجار تطال أطرافها، محذرا من أن تلك الأعمال المخالفة للقانون لها تداعيات بيئية كبيرة.وبحسب كفا، لا يوجد حل سريع حاليا سوى الاعتماد على المنظمات الدولية لتقديم المازوت إلى المواطنين، داعيا في الوقت ذاته المواطنين لزرع الأشجار قدر المستطاع للتعويض عن الخسائر، خصوصا أن أعمال القطع تطال أشجارا مثمرة أيضا.وبسبب أزمة اقتصادية طاحنة، يشهد لبنان منذ أشهر شحا في المحروقات والوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الذي كان يؤمنه المصرف المركزي من أجل دعم استيراد تلك المواد.!!
بيروت..لبنان :أزمة الكهرباء... اللبنانيّون يجابهون البرد بوسائل بدائيّة!!
14.01.2022