غزة – كتب أشرف الهور: عبر سكان غزة عن أحلامهم بعد بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وقد حرموا منها على مدار أكثر من 15 شهرا مضت، ذاقوا خلالها ويلات الحرب والنزوح، واستمعوا فيها قسرا لأصوات الغارات العالية وأصوات الطائرات وأزيز المسيّرات.ورغم المجازر التي تعمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي اقترافها بعد الإعلان مباشرة عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، والتي نغصت فرحة السكان، فإن المواطنين الذين التقتهم «القدس العربي»، تحدثوا عن قسوة الحرب في خيام النزوح، وآخرين ذاقوا حرقة فقدان أفراد من أسرهم.ويقول محمد الرواغ، النازح مع أسرته من مدينة غزة، ويقيم في خيمة نزوح في جنوب مخيم النصيرات، لـ «القدس العربي»: «في اليوم الأول للتهدئة سأظل سهرانا وأمشي في الشارع حتى الفجر»، وأضاف «ما راح أدخل الخيمة مع حلول الليل».
أحلام مكبوتة… وآثار لا تمحى… ووداع الذين رحلوا
وهذا الرجل، كباقي سكان قطاع غزة، يضطر لدخول مكان سكنه في الخيام، وهي مساكن غير آمنة، من الممكن أن يحرقها لهيب الصواريخ، ويقضي على من فيها، كما فعلت تلك الصواريخ في مرات سابقة، أو أن تقتلهم شظايا القصف القريب، خشية من استهدافات تنفذها طائرات مسيّرة إسرائيلية تستهدف كل متحرك ليلا في القطاع.ويقول «كل ليلة بنسمع صوت طائرات كواد كابتر، وفي كثير من المرات تحلق الطائرات على ارتفاعات تصل إلى أمتار قليلة فوق الخيمة»، ويشير إلى أن التزامه مكان سكنه، حافظ عليه في منزله قبل النزوح في مدينة غزة، وعندما أقام لفترة من الزمن في منزل أحد الأقارب وسط القطاع.وتتوقف حركة المواطنين ليلا في كافة مناطق قطاع غزة بشكل كبير، ولا تتحرك إلا طواقم الإسعاف والإنقاذ، في حال اعتداءات إسرائيلية، ويبقى المواطنون حبيسي المنازل ومناطق النزوح في فترة الليل، حتى يشق الفجر عتمة الظلام.أما أحلام عبد القادر، وهي سيدة في بداية الأربعينيات، وكانت عندما التقتها «القدس العربي»، تتفحص البضائع في سوق شعبي «بسطات» في مدينة دير البلح، فقالت «نفسي أشوف أولادي يلهون في الشارع بلا خوف من القصف والموت».وتقول إنها حرصت، كباقي الأمهات، على عدم ترك أطفالها يلهون كما يحلو لهم في الشارع، رغم شكواهم من ضغوط عصبية ونفسية، في ظل افتقار المنازل لأي وسيلة تسلية، حيث ينقطع التيار الكهربائي، ما يحرمهم من مشاهدة التلفاز، إلى جانب عدم توفر خدمات الانترنت بالشكل المطلوب، لتوفر لهم فرصة لمشاهدة أفلام الكرتون.وتقول إنها لا تمنع إلا مضطرة خروج أطفالها إلى الشارع، بعد أن وقعت غارة قريبة من المنزل، أصابت أحدهم بجراح طفيفة.وإلى جانب عقد الآمال على مشاهدة يوم الهدنة، تأمل رفيقتها في السوق أم محمد، ألا تمس أسرتها بأي سوء حتى ذلك اليوم، وقد استذكرت الغارات الإسرائيلية الأخيرة التي كانت أكثر دموية، مشيرة إلى أنها فقدت أقارب لها من الدرجة الأولى في هذه الحرب. وتقول «الكل يريد التهدئة… خلي الأسعار ترخص والبضائع تدخل»، وقد اشتكت من ندرة الطعام وارتفاع أثمانه في أسواق غزة، بشكل يفوق قدرات المواطنين. وينص أحد بنود المرحلة الأولى للتهدئة، على إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميا إلى قطاع غزة.
آثار نفسية لا تزول
وتركت الحرب أثارا نفسية سيئة يعاني منها جميع السكان، الذين بدأ التوتر العصبي يظهر على معاملاتهم، وهو أمر خلقه القلق من الموت والاصابة والتعرض لقصف مفاجئ.والجدير ذكره أن جيش الاحتلال لم يترك أي حارة أو مربع سكني في قطاع غزة، إلا واستهدفه إما بغارة جوية، أو بتدمير خلال التوغلات البرية، موقعا الكثير من الضحايا. وتتحدث التقارير المختصة والصادرة عن جهات رسمية، عن أن إسرائيل ألقت آلاف الأطنان من الصواريخ على غزة، تقدر قدرتها التدميرية بأكثر من قوة قنبلتين نوويتين.
رؤية البحر
ويقول رجاء صالحة لـ «القدس العربي»، وهو يتحدث عن حلمه بعد التهدئة «أشعر بأن هناك مشكلة في سمعي، من كثرة سماع أزير أصوات الطائرات الاستطلاعية، التي لا تفارق أجواء مدينة دير البلح حيث يسكن، كباقي مناطق القطاع».وأضاف «أنتظر توقف الحرب وتوقف الطائرات ومغادرة مربع القلق. إنه قلق على مدار الساعة، على أسرتي وعلى نفسي، أريد أن أنام ليلا هادئا، لا أخشى فيه ألا أصحو، ولا أن أفيق على صوت الغارات».
«كتبت الشابة دعاء: نظرة جديدة إلى أكاذيب العالم حول حقوق الإنسان وكل هذا الهراء»
أما هند، الشابة العشرينية، والتي كانت في السنة الدراسية الجامعية الثالثة، وقد حرمتها الحرب كباقي طلاب غزة من فرصة إكمال الدراسة، فتحلم بالنزول إلى بحر غزة، وتقول «أريد أن أرى فضاء واسعا، أريد أن أبكي هناك كثيرا، أريد أن أصرخ، لعلي أفرغ ما في صدري من ضيق».وكثير من سكان غزة الذين يعتبرون البحر ملاذهم الوحيد عبروا عن اشتياقهم للذهاب إلى الشاطئ، فالكثير منهم من غير من اضطر للنزوح القسري قرب البحر، لم يشاهدوه على مدار الأشهر الـ 15 الماضية.أما محمد حمودة، الذي يقطن شمال قطاع غزة، فقد حلم بأن يلقى أهله في مدينة غزة، وقال لـ «القدس العربي»، إن أشقاء له لا زالوا في مدينة غزة، ولم ينزحوا قسرا إلى الوسط والجنوب، وأضاف «بدي اتفقد مكان سكني، اشتقت لأرضي، حتى لو جرى تخريبها وتدميرها سأعاود زراعتها من جديد».
البكاء ودفن الأحباب
لكن أكثر الأحلام حزنا بالتهدئة، هي أحلام الأسر المكلومة، فالكثير عبر عن اشتياقه لزيارة قبور أحبة لهم، دفنوهم قبل النزوح، أو أُبلغوا بدفنهم في مدينة غزة وبلدات الشمال بعد نزوحهم، دون أن يتنسى لهم وداعهم.ومن بين هؤلاء الصحافي سامي أبو سالم، الذي كتب على صفحته على «فيسبوك» يقول « كيف سأستقبل الهدنة؟ سأبحث عن جثمان أخي يوسف، ثم أبحث عمن يلملمه معي، ثم أبحث عن كفن يواريه، ثم أبحث عن متسع لدفنه، ثم أبحث عن متسع للحزن، ثم أبحث عن طريقة أبلغ بها أمي، ثم أبحث عن مكان دافئ يؤوينا، لنبكي ونبكي ونبكي».أما دعاء الحرازين فكتبت «أمامنا شهر من البكاء، وشهور من الحزن، وعمر من التعافي، إن تعافينا، فأمامنا ندبات في القلب لن تمحى، وملامح شوهها الهزال والجوع ولفحتها شمس النزوح التي لا ترحم، أمامنا ملايين الأطنان من الركام لنزيلها من فوق أرواحنا، ووطن لا اختيار لنا إلا إعادة تعميره، أمامنا علاقات ذبلت لندفنها، وأخرى أزهرت لنعطها حقها، أمامنا صياغة جديدة لنظرتنا إلى أكاذيب العالم حول حقوق الإنسان والعدالة والأخوة وكل هذا الهراء، أمامنا عمر من التفكر والتعديل واستخلاص العبر! وتطبيب الجراح، إننا باختصار تغيرنا للأبد، لن يعود شيء أبدا إلى ما كان، ولا نحن».!
*المصدر : القدس العربي
غزة..فلسطين : ماذا سيفعل الغزيون أول أيام الهدنة؟ النوم بلا خوف والبكاء على الشاطئ!!
16.01.2025