أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41134
تجفيف الفلفل الأحمر في تونس: "عولة" ومورد رزق!!
21.09.2024

تونس ـ لا تكاد تدخل أحياء بلدة منزل حر من ولاية نابل وبلدة بوحجلة من ولاية القيروان، إلا وترى الأرصفة والشرفات قد فرشت بحبات الفلفل الأحمر المنشطرة تتلظى من حر الشمس، عملية تعرف لدى أهالي المنطقتين بـ”التشميس”، التي يتمّ خلالها تجفيف الفلفل الأحمر في الهواء الطلق تحت أشعة الشمس، تقليد عريق للبلدتين ويكون موسم الذروة خلال أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر.يدخل موسم نضوج الفلفل بداية شهر يوليو من كل سنة على البلدتين، فتنطلق العائلات بمشاركة كل أفرادها في إعداد “العولة” (مؤونة السنة) من الفلفل الأحمر المجفف الذي لا يغيب عن أي مطبخ ليستعمل في شكل حبات أو مطحونا فيعطي للأكلات، بإضافة بعض البهارات، لونها الأحمر ومذاقها المميز أو ليستعمل في إعداد الهريسة النابلية التقليدية نسبة إلى مدينة وولاية نابل.ولا تقتصر الحركية على عادات العولة خلال موسم التجفيف بل إن موسم تجفيف الفلفل يعطي إشارة انطلاق موسم بيع الفلفل المجفف الذي يختص فيه عدد من الفلاحين والتجار المختصين الذين يقبلون على منزل حر من مختلف جهات الجمهورية لاقتناء “القلادات المجففة”.يقول حسين بالحاج معاوية، وهو فلاح وتاجر فلفل مجفف، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) “إن مهنة تجفيف الفلفل وبيعه توارثناها عن أجدادنا ولا تزال إلى اليوم مورد رزقنا الأهم، فموسم الزراعة ينطلق في شهر مارس لتتواصل العناية بنبتة الفلفل ورعايتها إلى حين نضجها عندما تأخذ لونها الأحمر اللماع وتنطلق بعدها عملية الجمع التي يتبعها نصب الخيام بالمزارع حيث ينتشر ‘الشكاكة’ وهم من ‘يشككون الفلفل’ (يجمعون الفلفل) في شكل قلائد تعرف بـ’التخميسة’ لخمس قلائد و’العقد’ بالنسبة لعشرة قلائد و’الزوز’ بالنسبة لعشرين قلادة وكل شكاك ومهارته وقدرته على تشكيل القلائد التي تعتمد لدفع أجرة يومه”.
ويتابع بالحاج معاوية “بعد تشكيل القلائد يقع توجيهها إلى ‘الكوشة’ (الفرن) حيث تعلق لتجفف بنار الحطب الذي يوقد داخل غرف صغيرة وهي مرحلة ‘تكويش الفلفل’، التي قد تستغرق يوما أو يومين بحسب الحرارة ليقع بعدها تعليق القلادات في فضاء خارجي وتتواصل مرحلة التجفيف في انتظار قدوم التجار لابتياع الكميات المجففة التي يحتاجونها والتي يتولون بيعها على حالها أو بعد طحنها على حسب طلب الحرفاء”.وتنجز عملية تجفيف الفلفل بطريقة تقليدية حيث تتولى الأسر اقتناء كميات من حبات الفلفل من فلاحي المنطقة أو باستغلال منتجاتها من غراساتها الخاصة التي زرعتها على مساحات صغيرة، “عملية تكاد تكون التقليد الأبرز لأهالي منزل حر، فإعداد العولة من الفلفل تقليد يغار عليه الأهالي وهو جزء رئيسي من تراث المنطقة” وفق جمال بالحاج معاوية وهو من بين متساكني منزل حر.يتحدث جمال دون أن يتوقف عن قطع أعناق الحبات وخرقها بسكينه الصغير الواحدة تلو الأخرى ليجمعها بصندوق بلاستيكي وضعه أمامه، قائلا “تنطلق عملية التجفيف باخيتار الحبات السليمة التي نشقها ثم نجمعها ليقع في مرحلة لاحقة تجفيفها تحت أشعة شمس الصيف على فرشات نبسطها على أرصفة المنازل”.ويتابع “إعداد العولة تقليد نحافظ عليه وهي زادنا من الفلفل الذي نستعمله في كل الأكلات إن كان على شكل حبات أو في شكل فلفل مطحون أو من خلال استعماله لإعداد الهريسة التقليدية”.ويختتم حديثه “علاقتنا بالفلفل تبدو للبعض غير عادية ولكنه تقليد توارثناه عن أجدادنا ولم يعد الفلفل الحار يحرق أيدينا ولا نمل تكرار عملية شق الحبات وتجفيفها والصبر عليها فذلك السرّ في لذة أكلاتنا وتميزها لونا ومذاقا”.
على طول الطريق الرابطة بين مدينة القيروان ومنطقة بوحجلة، تتراءى عناقيد الفلفل مثل عقود اللؤلؤ، متدلّية على واجهات المحلات التجارية والمنازل، لتستقطب اهتمام المسافرين، في لوحة تترجم اهتمام سكان المنطقة بهذه الزراعة.فهناك يتّخذ الفلفل الأحمر أشكالا مختلفة تلبّي مختلف الأذواق، حيث يعرض للبيع أحمر طريا أو مجفّفا تحت أشعة الشمس، أو مطحونا في أكياس وعلب. وتبرع نساء بوحجلة في هذا النشاط الذي تحوّل من بعده المنزلي الضيق ليكتسي طابعا اقتصاديا واسعا، وفق تقدير السيدة جميلة التي تنتقي حبات الفلفل الطري، تمهيدا لتنظيفها وتجفيفها ثم رحيها.وتتنوع أصناف معالجة الفلفل بين تحويله بطريقة تقليدية إلى معجون “الهريسة” الشهير في تونس، حيث تضاف إلى دقيق الفلفل البهارات وزيت الزيتون، أو رحيه جافا ويوضع في علب وأكياس.ويتم عرض المنتجات التقليدية للبيع على رصيف الطريق الرابطة بين القيروان ومدن الجنوب التونسي، حيث يعرض التجار وحتى السكان منتوجهم في نقاط بيع متلاصقة، وسط إقبال واسع من طرف المسافرين الذين باتوا يقصدون تلك الطريق خصيصا لابتياع الفلفل الأحمر بكافة أشكاله.ولا توجد في منطقة بوحجلة المنتجة للفلفل أي مصانع تحويلية، وأشار سالم الرمضاني، صاحب حقل، إلى أن المزارعين يقومون بتوجيه الإنتاج نحو مصانع التحويل المتمركزة أساسا في ولاية نابل (شمال شرق)، بينما لا يوجد سوى عدد قليل من هذه المصانع في القيروان.

1