عند اقتراب عقارب الساعة من الوصول إلى التاسعة ليلاً، وعلى حدود قطاع غزة الشرقية، بالقرب من الشريط الفاصل بين المستوطنات الإسرائيلية، يُجهّز الشاب "أبو ياسر الغرابلي" نفسه خلف كومة صغيرة من الرمال مُحاطة بأكياس بلاستيكيه سوداء متشابكة، وبعض إطارات السيارات القديمة؛ لعقد اجتماع ميداني سريع، قبل لحظات من إطلاق فعاليات المواجهات الليلية.وبعد دقائق قليلة من موعد الاجتماع، بدأ العشرات من الشبان الفلسطينيين بالتوجه نحو "كومة الرمال" التي تُضيء طريقها بعض النيران المشتعلة في الإطارات، وشكّلوا حلقة دائرية كبيرة حول "الغرابلي"، (مسؤول وحدات الإرباك الليلي شرقي مدينة غزة)، الذي بدأ بشكل فوري بتوزيع المهام على الشبان.وفور انتهاء الاجتماع الميداني، انتشر الجميع نحو مهمته؛ فمنهم من سيُشعل النار بالإطارات على الحدود، وآخرون مهمتهم تشغيل مكبّرات الصوت وبثّ الأغاني الوطنية والثوريّة، في حين ستهتمّ مجموعة أخرى برمي الحجارة وقنابل "المولوتوف" المشتعلة والبالونات الحارقة على المواقع الإسرائيلية، وتسليط ضوء الليزر على عيون الجنود الإسرائيليين، المهمّة الأكثر صعوبة في قصّ السياج الفاصل واختراق الحدود وحرق المواقع الإسرائيلية ستوكل للشباب الأجرأ منهم.هذا هو المشهد اليومي الذي يسبق المواجهات الساخنة التي تدور على حدود قطاع غزة، منذ 20 يوماً تقريباً، بين وحدات "الإرباك الليلي" وجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي تعامل معها بقوة مفرطة واستخدم الرصاص وقنابل الغاز والقصف المباشر للتصدّي لها، ما أسفر عن ارتقاء شهداء من الفلسطينيين وإصابة العشرات منهم.ووحدة "الإرباك الليلي" هي أسلوب مقاومة جديد ابتدعه شباب غزة، لتُضاف لعدة وحدات ظهرت منذ بداية مسيرات العودة؛ وأهمها "وحدة الكوشوك"، ووحدة "الطائرات والبالونات الحارقة"، ووحدة "قصّ السلك"، ووحدة "المساندة"، وغيرها من الوحدات والأساليب المبتكرة التي تخدم نفس الهدف وهو مواجهة الاحتلال وجيشه.ويقول "الغرابلي"، قائد "وحدات الإرباك الليلي"، شرقي حي الشجاعية شرقي مدينة غزة: إن "الفكرة الأولى من هذه الوحدات كانت فقط مجرّد خطوة لإقلاق راحة الجنود الإسرائيليين داخل مواقعهم العسكرية المحاذية لقطاع غزة، وخاصة في فترة الليل، لكن النتائج التي تحقّقت من هذه الفكرة الشبابية أجبرتنا على تطوريها واستخدامها في مقاومتنا للمحتل".ويضيف لـ"الخليج أونلاين": "سعينا بكل جهد لتطوير هذه الوحدات بعد أن كانت مقتصرة على إشعال الإطارات قرب الحدود، حتى تطوّرت لاستخدام الليزر وتسليطه على عيون الجنود الإسرائيليين لإرباكهم والتأثير على رؤيتهم، ومن ثم قصّ السياج الفاصل، وإلقاء القنابل الزجاجية المشتعلة على مواقع الاحتلال، واستخدام مكبّرات الصوت، وبثّ الأغاني الوطنية لإرعاب المستوطنين والجنود".ويشير الغرابلي إلى أن هذا النوع الجديد من المقاومة أدخل الرعب والقلق في نفوس الإسرائيليين، الأمر الذي أجبر حكومة الاحتلال على إصدار قرارات بتعزيز ومضاعفه قواتها على حدود غزة، وهذا الأمر بالنسبة إلينا يُعدّ إنجازاً؛ لنجاحنا في كشف نقطة ضعف الجيش وإقلاق راحته، وجعله متأهّباً ليلاً ونهاراً"."الغرابلي" كشف خلال حديثه لـ"الخليج أونلاين" عن مفاجآت جديدة سيبدأ تنفيذها على مراحل خلال الفترة المقبلة على حدود غزة، مؤكّداً أن الشريط الفاصل سيكون كالنيران المشتعلة والدائمة فوق رؤوس جنود الاحتلال والمستوطنين.وزاد: "وحدات الإرباك الليلي ستطوّر عملها وتتجه نحو طرق جديدة تشمل اجتياحاً دائماً وجماعياً للحدود ليلاً، وقصّ السياج، وحرق المواقع العسكرية التي يصل إليها الفلسطينيون، إضافة إلى تكثيف إشعال الإطارات، وتبدأ من الساعة الثامنة مساءً حتى ساعات الفجر، للتأثير على رؤية جنود الاحتلال".وذكر أن هناك خطوات أخرى؛ منها إرسال بالونات وطائرات حارقة ليلاً تجاه المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية، وإطلاق قنابل صوت بكثافة على المناطق التي تعجّ بالمستوطنين بهدف إرعابهم وإجبارهم على هجر المستوطنات، إضافة لإطلاق قنابل تحمل مواد وروائح سامّة ستُطلق فوق الأراضي الزراعية التابعة للمستوطنين بهدف تسميمها.وختم "الغرابلي" بالقول: "الأيام القليلة المقبلة سيتم الإعلان فيها عن وحدات جديدة من المقاومة الشعبية والشبابية، ستذهل المحتلّ وتجعله يتخبّط في قراراته السياسية والعسكرية أمام صمود غزة ونجاحها في ابتكار وسائل المقاومة المتجدّدة التي خرجت من عباءة مسيرات العودة، وستكون دعماً ومساندة لاستمراريتها.الجدير ذكره أن مسيرات العودة الكبرى تشهد منذ بدايتها، في 30 مارس المنصرم، زخماً شعبياً، واستحداث وسائل وأساليب جديدة في مواجهة قوات الاحتلال على طول السياج الأمني شرقي وشمالي القطاع، واستخدم جيش الاحتلال لوقفها القوة المفرطة، التي أسفرت حتى اللحظة عن استشهاد 195 فلسطينياً وإصابة نحو 21 ألفاً، من بينهم أطفال ونساء وصحفيون ومسعفون.وتقول الهيئة العليا لمسيرات العودة الكبرى إن الإرباك الليلي يمثّل "بداية" لمرحلة متطوّرة من الاحتجاجات للمطالبة برفع الحصار الإسرائيلي وتثبيت حقوق اللاجئين "في العودة إلى بلداتهم وقراهم التي هُجّروا منها"، قبل سبعين عاماً.الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عبد اللطيف القانوع، أكّد في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أن وحدات "الإرباك الليلي" هي جزء من نضال الشباب الفلسطيني الثائر ضد الاحتلال الإسرائيلي، ورفض للحصار الظالم المفروض عليهم منذ 12 عاماً.وقال القانوع: إن "هذا النوع من المقاومة الجديدة يجب أن تُستثمر وتلقى المساندة والدعم الكافيين من قبل كافة القوى والفصائل الفلسطينية، حتى تتحقّق الأهداف التي أجبرت شباب غزة على ابتكار هذه المقاومة التي أزعجت جيش الاحتلال كثيراً وأقلقت راحته".وأوضح أن مقاومة الفلسطينيين للمحتل الإسرائيلي بكل الوسائل هي حقّ مشروع لهم في الدفاع عن أرضهم ووطنهم وشعبهم، ومحاولة الاحتلال الضغط عبر عدة أطراف لإيقاف مسيرات العودة الكبرى، والتي أخرجت العديد من وسائل المقاومة؛ منها "وحدات الكوشوك"، و"وحدات الطائرات الورقية والبالونات الحارقة"، حتى وحدات "الإرباك الليلي"، ستفشل تماماً أمام صمود أهل غزة وإصرارهم على كسر حصارهم بمقاومتهم."وحدات الإرباك" ينظر لها المستوى الأمني في "إسرائيل" بعين الخطورة، مثل البالونات الحارقة، ويتّهمها الاحتلال بأنها تقف وراء قصّ السلك الشائك ووضع عبوات ناسفة.وتطوُّر أساليب المقاومة على حدود غزة كشف عن نقاط ضعف الجيش "الإسرائيلي"، وقالت صحيفة "هآرتس" العبرية، 23 سبتمبر الماضي، في هذا الصدد: إن "أهالي غزة حدّدوا نقطة الضعف الجديدة لدى جيش الاحتلال وبدؤوا بالتركيز عليها"، مبيّنةً أن الجيش يواجه صعوبة في مواجهة التظاهرات الليلية على حدود قطاع غزة، محذّرةً من سيناريو يخشى منه الاحتلال وهو التسلّل الجماعي تحت غطاء التظاهرات الليلية، والوصول للمستوطنات المحاذية للقطاع."الشبان في غزة فعلياً نجحوا باستنزاف قوات الاحتلال على الحدود، وكشفوا للجميع نقطة ضعفه في التعامل مع أي مواجهات أو خطر يُحيط به في الليل"، يقول الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، يوسف الشرقاوي، لـ"الخليج أونلاين".ويضيف: "الخطر الأمني في الليل دائماً ما يقلق جيش الاحتلال كثيراً ويصيبه بتخبّط كبير، وهذا الأمر قد استغلّه شباب غزة جيداً، ففتحوا المواجهات من أبواب مختلفة وجديدة مع قوات الاحتلال، بعد أن كانت تلك المواجهات تقتصر على فترة النهار فقط".ويوضح أن نتائج المواجهات الليلية ستكون كبيرة وثقيلة على جيش الاحتلال، فهو يضطرّ لإبقاء عيون جنوده مفتوحة دائماً، ويقلّص ساعات راحتهم، والدفع بقوات إضافية ومراقبة مضاعفة للشريط الحدودي، والتعامل مع أي حدث أمني على الشريط بكل قوة وصرامة، الأمر الذي يستنزف قوة وتركيز جيشه بشكل كبير.وعن خشية جيش الاحتلال من اجتياح جماعي للشريط الحدودي، أكّد أن هذا الخيار وارد حدوثه، وفي حال تم ستكون هناك نتائج كبيرة وخطيرة على كل المستوطنات المحيطة بغزة، تجعلهم يعيشون في خطر دائم، مؤكّداً أن وحدات "الإرباك الليلي" نجحت في أن تُبقي الاحتلال داخل "دوامة كبيرة" لها نتائج أمنية خطيرة.!!
غزة : وحدة "الإرباك الليلي" تكشف عن تطوير أساليبها وتُشعل حدود غزةَ!!
11.10.2018