” نشرت صحيفة “الغارديان” تقريراً أعده إيوين ماكاسكيل، قال فيه إنه عاد إلى الضفة الغربية الشهر الماضي لأول مرة منذ عشرين عاماً، بعد أن كان يزورها بانتظام مراسلاً للصحيفة لدعم زملائه في القدس خلال الانتفاضة الثانية، التي كانت أعنف بكثير من الأولى. فقد ارتبطت الانتفاضة الأولى بصورة شبان فلسطينيين يرشقون الجنود الإسرائيليين بالحجارة، بينما كانت المواجهة الثانية شاملة، إذ شنت إسرائيل هجمات على المدن والبلدات الفلسطينية بالمدفعية والدبابات والمروحيات والطائرات، ورد الفلسطينيون بالبنادق والمتفجرات، ونصبوا كمائن للجنود والمستوطنين، ما جعل الطرق محفوفة بالمخاطر، خاصة ليلاً، وأرسلوا انتحاريين لمهاجمة مواقف الحافلات والمقاهي والفنادق. وأسفرت تلك المواجهات عن مقتل أكثر من 3000 فلسطيني وأكثر من 1000 إسرائيلي.
وأضاف ماكاسكيل أنه لم يكن ينوي الكتابة عن زيارته الأخيرة، لكنه غير رأيه بعدما شاهد مدى تدهور الحياة اليومية للفلسطينيين، وعمق اليأس المسيطر عليهم، وسيطرة إسرائيل والمستوطنين على السكان. وقال إنه توقع أن تكون الأوضاع صعبة، لكنه لم يكن يتصورها بهذا الحجم.
وتلقى الصحافي دعوة لحضور مؤتمر في جامعة بيرزيت قرب رام الله، نظمته منظمة “بروغريسيف إنترناشونال”، بالتعاون مع مركز الأبحاث الفلسطيني “الشبكة” ومعهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية، وتناول المؤتمر موضوع إنهاء الاستعمار في فلسطين. بعد المؤتمر، قام بعض الحضور بجولة في الضفة، ولاحظ ماكاسكيل غياب أي انتفاضة فلسطينية تضاهي الانتفاضة الثانية، وتساءل عن الدعم الذي تحظى به حركة حماس في الضفة الغربية واحتمالية قيام دولة فلسطينية مستقلة خلال العقود المقبلة.
رغم أن رام الله بدت أنظف وأقل فوضى وأكثر ازدهاراً مقارنة بزيارته السابقة، إلا أن هذا الاستقرار خادع؛ فالمدينة ليست نموذجاً لبقية الضفة
ورغم أن رام الله بدت أنظف وأقل فوضى وأكثر ازدهاراً مقارنة بزيارته السابقة، إلا أن هذا الاستقرار خادع؛ فالمدينة ليست نموذجاً لبقية الضفة، وغياب سكان القرى المجاورة بسبب الحواجز ونقاط التفتيش الإسرائيلية جعل شوارعها أكثر هدوءاً. ويقدر عدد نقاط التفتيش والحواجز حالياً بنحو 849، مقارنة بـ376 نقطة في نهاية الانتفاضة الثانية، ولا يضمن أي تطبيق فتح الطرق بشكل كامل للسيارات الفلسطينية. كما ازدادت توغلات الجيش الإسرائيلي في وسط رام الله خلال العامين الماضيين، حيث يدخل الجنود بكثافة، يعتقلون ثم ينسحبون.
وأشار ماكاسكيل إلى اختلاف جذري بين الانتفاضة الثانية والواقع الحالي، إذ دعم عرفات الانتفاضة ضمنياً، بينما قاوم خليفته محمود عباس إطلاق انتفاضة جديدة خلال العامين الماضيين، وهو قرار غير شعبي بين الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقال ماهر قنواتي، رئيس بلدية بيت لحم وعضو حركة فتح، إن حذر عباس كان صائباً، معتبرين أن الوقت الحالي غير مناسب لتكرار الانتفاضات، لأن الفلسطينيين عاجزون ولا يملكون نفس القدرة على مواجهة الإسرائيليين.
ولفت التقرير إلى الوضع الاقتصادي المتردي في الضفة الغربية، مع انخفاض نصيب الفرد من الدخل بنسبة 20% وارتفاع البطالة إلى نحو 33%. كما تشكو السلطة الفلسطينية من الفساد والمحسوبية، حيث تُمنح الوظائف غالباً بناءً على العلاقات أو الانتماءات السياسية، وليس الكفاءة. وبالنسبة لفرص حماس في الانتخابات، أشار قنواتي إلى أنها لن تنجح، بينما توقع غالبية الفلسطينيين الذين تحدث إليهم الصحافي فوزها. وأشار التقرير إلى أن انتخابات مجلس الطلاب في جامعة بيرزيت في 2023 كانت مؤشراً على الواقع الراهن، إذ فاز تحالف إسلامي تابع لحماس بـ25 مقعداً من أصل 51، مقابل 20 لمؤيدين لفتح و6 للجبهة الشعبية.
انتخابات مجلس الطلاب في جامعة بيرزيت في 2023 كانت مؤشراً على الواقع الراهن، إذ فاز تحالف إسلامي تابع لحماس بـ25 مقعداً من أصل 51، مقابل 20 لمؤيدين لفتح و6 للجبهة الشعبية
أما أبرز التغيرات منذ الزيارة السابقة، فهو توسع المستوطنات الإسرائيلية؛ إذ ارتفع عدد المستوطنين من 400 ألف إلى أكثر من 700 ألف، وتنتشر المستوطنات في قمم التلال وعلى بعد أمتار قليلة من منازل الفلسطينيين، تحت حماية الجنود الإسرائيليين. وفي قرية أم الخير قرب الخليل، يتعرض السكان لهجمات المستوطنين وهدم منازلهم، وسط مراقبة مستمرة بالكاميرات والطائرات المسيّرة، فيما يُخلى نشطاء السلام الإسرائيليون الذين يزورون القرية.
كما لاحظ الصحافي تعرض المزارعين في قرى جنوب نابلس لهجمات من المستوطنين، شملت تدمير الممتلكات ونشر مواد سامة على المحاصيل، فابتكر المزارعون طرقاً بديلة للزراعة في براميل مملوءة بتربة غير ملوثة.
وتساءل ماكاسكيل عن إمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، مشيراً إلى استطلاع أظهر أن 49% من الفلسطينيين في الضفة و30% في غزة لا يزالون يرون في الكفاح المسلح الوسيلة الأكثر فعالية لتحقيق الدولة الفلسطينية. إلا أن عبد الجواد عمر (عبود حمايل) أستاذ الفلسفة في جامعة بيرزيت، يرى أن المقاومة تتلاشى تدريجياً، وأن الغضب تحوّل إلى استياء عاجز، معتبراً أن المخيمات التي كانت بؤرة للمقاومة في الانتفاضة الثانية اليوم باتت رموزاً من زمن مضى، حيث دفعت البطالة والفقر بعض العائلات للتفكير في مغادرتها لأول مرة.
وأشار التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي هدم أجزاء كبيرة من ثلاثة مخيمات شمال الضفة منذ عام 2023 واعتبرها “بؤر إرهاب”، محذراً سكان مخيمات أخرى من التعرض للهدم إذا لم يلتزموا بقواعد السلوك، فيما قُتل المصور فادي ياسمين رمياً بالرصاص خلال احتجاج قرب مدخل مخيم. تساءل ماكاسكيل عن إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، أم أن الواقع سيؤدي إلى حل الدولة الواحدة تحت نظام فصل عنصري موسع
وأخيراً، تساءل ماكاسكيل عن إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، أم أن الواقع سيؤدي إلى حل الدولة الواحدة تحت نظام فصل عنصري موسع، مشيراً إلى أن الفلسطينيين يضعون آمالهم في المجتمع الدولي، مستندين إلى الغضب العالمي إثر تدمير غزة، كما تتجسد هذه الآمال في الحملة الدولية للمطالبة بالإفراج عن مروان البرغوثي، الذي يُنظر إليه كأقوى شخصية قادرة على توحيد الفلسطينيين.
