نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده إريك شميدت، عن الدور الذي باتت تعلبه قوات الكوماندوز الأمريكية في محاربة فرع تنظيم القاعدة في الصومال.
وقال إن الحملة في القرن الأفريقي هي العنصر الأكثر نشاطا في “الحروب الأبدية” التي تشنها الولايات المتحدة منذ هجمات أيلول/ سبتمبر 2001. وعاد شميدت الذي عمل مراسلا في الصومال قبل 30 عاما، حيث رافق القوات الأمريكية التي تساعد القوات الصومالية في مواجهة حركة الشباب الإسلامية. وقال ن وعد ومخاطر مكافحة الإرهاب الأمريكية كانت حاضرة في معسكر بعيد في وسط الصومال. وكان يوم تخريج 346 من المجندين الذين سينضمون إلى قوات النخبة الصومالية التي دربتها وزارة الخارجية الأمريكية، بالتعاون مع قوات العمليات الخاصة الأمريكية، والمدعومة بالقوة العسكرية الأمريكية. وقادت الوحدة المعروفة باسم “داناب” منذ آب/ أغسطس، سلسلة من الانتصارات التي حققها الجيش الصومالي ضد حركة الشباب، التي تعتبر من أكثر فروع تنظيم القاعدة خطورة.
وقالت الجنرال شكري يوسف: “نحن مكرسون أكثر من أي وقت”. وهي واحدة من عدد قليل من المجندات في الوحدة واختيرت في الفترة الماضية لتلقي دورة في قوات المشاة بقاعدة بيننغ في ولاية جورجيا.
ولكن الحزن ساد على حفل التخرج لأن المتخرجين الجدد سينقلون على جناح السرعة لملء فراغ كتيبتين سحقهتما حركة الشباب في عملية الشهر الماضي، خلفت أكثر من 100 جندي صومالي بين قتيل وجريح. ويقوم الأمريكيون برصد لقطات الفيديو من مسيرات وطائرات مراقبة ترافق القوات في الميدان. وتعتبر الصومال مركز حرب مكافحة الإرهاب بالمسيرات.
ويقول الكاتب إنه ذهب إلى الصومال قبل 30 عاما لتغطية المهمة الأمريكية لتحضير العاصمة مقديشو وما حولها لاستقبال المساعدات الإنسانية للمجاعة التي أوقفها الاقتتال بين الفصائل الصومالية. وانسحبت القوات الامريكية بعد حادث إسقاط طائرة بلاكهوك في 1993، خيث قتل المقاتلون الصوماليون 18 جنوديا أمريكيا في معركة حاسمة.
وأصبح الصومال بعد عقدين على صعود حركة الشباب من أكثر محاور الحرب الأبدية التي تخوضها الولايات المتحدة ضد المتطرفين الإسلاميين منذ 9/11. وبدأت المعركة الأمريكية ضد الشباب عام 2014 بحفنة من المستشارين، حيث زاد عددهم إلى 700 عنصر تدريب قام الرئيس دونالد ترامب بسحبهم قبل فترة قصيرة من مغادرته البيت الأبيض عام 2021. وأعاد الرئيس بايدن في العام الماضي 450 جنديا لتقديم الدعم الاستشاري للقوات الصومالية التي تقاتل حركة التمرد هذه، وما تزال تسيطر على معظم مناطق الجنوب.
والصومال هو في مركز حرب المسيرات التي تلاشت في مناطق أخرى مثل اليمن وليبيا وباكستان، خاصة في مناطق القبائل. وشنت الولايات المتحدة في العام الماضي 20 هجوما بالمسيرات، ومعظم الغارات كانت “دفاعا جمعيا للقوات الصومالية.
ويقول الكاتب إنه عاد في بداية شباط/ فبراير، مرافقا مع القوات الأمريكية، حيث فتحت الزيارة له نافذة لمشاهدة الجهود التي تقوم بها مجموعة قليلة من الجنود لمراقبة القوات الصومالية وهي تخوض، عن بعد، قتالا ضاريا مع عدو ضارب. وعبّر القادة الأمريكيون الذين عملوا من نظرائهم الصوماليين، إلى جانب مسؤولين أمريكيين ودبلوماسيين وقادة عسكريين أفارقة، عن تفاؤل حذر من التزام الحكومة الصومالية بالقتال، لكن الشكوك لا تزال قائمة حول قدرتها على استعادة مناطق.
وفي أعقاب هجوم 20 كانون الثاني/ يناير في ولاية غالمودغ وسط الصومال، طلب المسؤولون الصوماليون مزيدا من الأسلحة الأمريكية وناشدوا واشنطن زيادة غاراتها بالمسيرات وقواعد مخففة حول شنّها. ولم تحظ الدعوات إلا بردٍ بارد من إدارة بايدن الخائفة من التورط العميق في الحرب. وجاء الهجوم العسكري الصومالي وسط حملة مضى عليها شهر، حيث انضمت ميليشيات القبائل للحرب ضد الشباب الذين عاثوا فسادا في البلاد.
وتقوم الحكومة بتوفير الذخيرة ومساعدات أخرى لميليشيات القبائل. وانتخب الصومال في أيار/ مايو رئيسا جديدا، هو حسن شيخ محمود الذي كان رئيسا في الفترة ما بين 2012- 2017، ومنذ عودته إلى السلطة، أعلن حربا شاملة على الشباب. وتعهد بأن يحد من سيطرتهم على المناطق الجغرافية، وقطع الموارد المالية لهم. وتقدر المخابرات الأمريكية عدد الشباب بما بين 7.000 – 12.000 مقاتل، ودخل سنوي بما في ذلك الابتزاز يصل إلى 120 مليون دولار.
وبدأ الهجوم الشامل بعد إعادة نشر بايدن القوات الأمريكية الخاصة في الصومال بفترة قصيرة. وتقوم تلك القوات بتقديم النصح أولا ومساعدة الجنود الصوماليين، ولكنهم لا يقومون بأعمال مكافحة إرهاب من طرف واحد، كتلك العملية التي قامت بها قوات “نيفي سيل” التي قتلت فيها ممولا مهمّا لتنظيم الدولة في شمال الصومال.
وقال العديد من الصوماليين الذين قابلتهم الصحيفة، ومحللون ومسؤولون غربيون، إن الحملة يبدو أنها حققت نتائج جيدة حيث استعادت الحكومة بلدات وقرى. لكن آخرين اتسموا بالحذر، مشيرين إلى الخلل الوظيفي في الدولة الصوماليةن وقوة حركة الشباب وتعقيدات القبائل الصومالية، إلى جانب المجاعة والجفاف اللذين يلوحان بالأفق.
وقالت هيذر نايسل، المحللة في مجموعة “جينز” في لندن للدفاع الاستخباراتي: “بالنسبة للعام المقبل، فلن أرى خفضا مهما لقوة الشباب وقدراتهم” فهم “يتكيفون”. وبالتأكيد رد الشباب بهجوم مضاد في كل أنحاء البلد، واستعادوا بعضا من المناطق في معركة متأرجحة للسيطرة. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، قام المتشددون بهجوم قاتل لم يشهده الصومال منذ سنين، وقتلت 121 شخصا وجرحت 300 آخرين في تفجير مزدوج بوزارة التعليم في مقديشو، المدينة التي يعيش فيها مليونا شخصا.
واحتمى ألف أجنبي من المدرربين العسكريين وعمال الأمم المتحدة والصحافيين وغيرهم داخل المنطقة الأمنية قرب شاطئ مقديشو المحاطة بجدار إسمنتي هائل وأسلاك شائكة. ولا يحمي المحور الأمني الساكنين فيه لمدة طويلة، فحركة الشباب أحيانا ما ترمي متفجرات باتجاهه، وكان آخرها في الأول من شباط/ فبراير. وحتى السفارة الأمريكية التي تعتبر حصنا داخل حصن في المنطقة الأمنية، إلا أن المهمة الموكلة خطيرة لدرجة منع الخارجية الأمريكية السفير في الصومال، وهو دبلوماسي بخبرة 33 عاما في الخدمات الدبلوماسية الخارجية، من الذهاب إلى مقديشو نفسها، ولا يسافر السفير لاري أندريه إلا بسيارة مصفحة وحرس.
وقام أندريه بزيارات لمناطق أخرى في البلاد، منها حضوره حفل تخريج ضباط النخبة. ويتم تجنيد الجنود لفرقة “داناب” (البرق) من قبل شركة تعهدات “بانكروفت غلوبال ديفلوبمنت) والتي عملت في العام الماضي مع وزارة الخارجية لتدريب قوات الاتحاد الأفريقي وإرفاقهم في عمليات الجيش الصومالي. ويجتاز المرشح اختبار لياقة وقراءة وفحص أمني ويرسل إلى بلدغول، حيث القاعدة الأمريكية، ويتدرب لمدة 3 أشهر مع مدربي الشركة الأمريكية.
وتنفق وزارة الخارجية 80 مليون دولار في العام على تدريب ومد وإطعام وتوفير الوقود ومنح 300 دولار في الشهر لقوة داناب، بحسب قول المسؤولين في السفارة. ويقول بعض النقاد إن العمليات الصومالية تعتمد كثيرا على وحدة داناب بدلا من العمل على بناء جيش نظامي. وفي الميدان، تعمل قوات العمليات الخاصة بمن فيهم أصحاب القبعات الخضر وقوات “نيفي سيل” الأمريكية بشكل قريب مع وحدات داناب، وتقدم الاستشارة والتخطيط والمعلومات الاستخباراتية وتساهم في حل المشاكل.
وعندما يذهب جنود داناب إلى العمليات، يبقى المستشارون الأمريكيون في قاعدة العمليات الصغيرة، ولكنهم يرصدون تحركاتهم من خلال صور الفيديو التي تغذيها طائرات الدرون ومقاتلات الاستطلاع. ولو واجه الصوماليون مصاعب، فيطلبون المساعدة من الوحدات الصومالية الأخرى، أو المروحيات القتالية الأوغندية، ولو فشل كل هذا، فعندها يستغيثون بالأمريكيين.
ولو أصبح الأمر، خطيرا يشن القادة الأمريكيون غارات دفاعية كما فعلوا في 21 شباط/ فبراير. وقال المسؤولون الأمريكيون إن تركيا تقوم بغارات نيابة عن شركائها في الصومال. وتعتبر الولايات المتحدة واحدة من دول تساعد وتقدم النصح للحكومة الصومالية في معركتها ضد حركة الشباب، فهي تضم أوغندا، تركيا، مصر، الإمارات العربية المتحدة وإريتريا. ويمثل هذا المزيج الغريب تحديا للقادة الصوماليين المسؤولين عن دمج عناصر متباينة في قوة عسكرية متماسكة.
وقال عمر أس محمود، المحلل في شؤون أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية: “يتم تدريب الجنود الجدد في مواقع مختلفة ومن دول مختلقة بأساليب تدريب مختلفة، ومعدات وحتى بلغات مختلفة”. وقال إن غياب القاعدة المشتركة يعقّد عمليات بناء جيش وطني. ويريد محمود تقديم الخدمات وتوفير الأمن للمناطق التي استعادها الجيش، إلى جانب توثيق العلاقات القوية مع القبائل. إلا أن المدخل هذا والقائم على التعاون القبلي، لم يجرب من بعد.
ويمكن للهجوم في 20 كانون الثاني/ يناير أن يشل عمل وحدات داناب والقوى العسكرية الأخرى، ففي الفجر، هاجمت أربع سيارات مفخخة وعشرة مقاتلين يرتدون الأحزمة الانتحارية معسكرا لداناب قرب قرية غالاعاد، وأرفق الهجوم بوابل من إطلاق الرصاص أطلقه 100 مقاتل من الشباب. وقام الطيران الأمريكي بشن غارات شتت فيها المقاتلين المهاجمين، وانضم ما تبقى من وحدة داناب إلى الوحدات الصومالية لمواصلة القتال.
الصومال : نيويورك تايمز: الصومال أصبح في مركز الحرب الأبدية الأمريكية لمكافحة الإرهاب!!
01.03.2023