أشار مراسل صحيفة “واشنطن بوست” آدم تايلور، إلى معضلة حكومة كييف المتعلقة بمؤامرة تفجير خط نورد ستريم، وأنه يطرح أسئلة غير مريحة عليها. فقد توصلت المخابرات الغربية إلى أن الجهة التي قامت بالعملية ربما تكون موالية لأوكرانيا، منهية الجدل حول تورط الروس في تفجير خط الغاز الطبيعي تحت البحر.
وقال الكاتب إن لغزا مضى عليه ستة أشهر يمكن أن يعقّد من الجهود الحربية الحالية لحكومة كييف، وأصبح التفجير الذي أضر بخط نورد ستريم للغاز الطبيعي في أيلول/ سبتمبر ذاكرة بعيدة، حيث قام الأوكرانيون بمواجهة الغزاة الروس في العام الماضي، إلا أن السؤال حول منفذي الهجوم لم يختف بعد.
وأعاد تقرير جديد، هجومَ نورد ستريم إلى الواجهة، وجلب معه تعقيدات خطيرة لكييف. وقالت المؤسسات الاستخباراتية الغربية، وإن بصوت منخفض، إنها تشك في قيام مخربين مؤيدين لأوكرانيا بالعملية، حسبما أوردت صحيفتا “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز” هذا الأسبوع.
وأضافت صحيفة “دي زايت” الألمانية، وإذاعة “إي أر دي” و”أس دبليو أر” بعدا جديدا للمكيدة، وكشفت أن المحققين الفدراليين في ألمانيا، توصلوا إلى أن المخربين استأجروا من بولندا، و”يملكه على ما يبدو أوكرانيان”.
والتقرير لم يقدم أجوبة قاطعة، كما نفته الحكومة الأوكرانية بشدة. وسواء كانت متورطة بالهجوم أم لا، فلدى الحكومة في كييف سبب جيد للحذر بشأن المكيدة، والتي جاء الكشف عنها في وقت تدفع كييف من أجل الحصول على دعم جديد من الحلفاء، بما فيه الأسلحة.
وقال الكاتب إن علينا مراقبة رد فعل الصين. ومع بداية الحرب، كانت الحكومة في ألمانيا تعتمد بشكل متتابع على الغاز الروسي، ولعبت دور الحليف الأوروبي الرئيس لأوكرانيا، رغم ما أثاره هذا الموقف المزدوج من جدل. لكن تفجير 26 أيلول/ سبتمبر، أغلق خط الغاز الروسي الإشكالي بشكل فعلي.
وفي الأشهر التي تبعت التفجير، زادت برلين مُكرهة الدعم العسكري لكييف، خاصة موافقتها على إرسال دبابات “ليوبارد 2” لأوكرانيا بداية هذا العام.
ولو تم ربط كييف بهجوم نورد ستريم، فإن هذا سيهدد بتراجع دعم برلين لكييف، بعد تقدم ملموس. ويحاول المسؤولون الألمان تجنب التعليق على الموضوع، ويقترحون أن العملية قد تكون “راية زائفة” أو تضليلا من أجل نزع المصداقية عن القضية الأوكرانية. وقال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في اجتماع لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في ستوكهولم: “لن تكون المرة الأولى في تاريخ هذه الأحداث” و”عليه فإنني أمتنع عن التوصل لنتائج متعجلة”.
وليس هناك أي شك من دعم كييف عمليات سرية في هذه الحرب. ففي الأسابيع الماضية عبّرت حكومة كييف وبصراحة أكثر، عن تنفيذها عمليات خارج حدودها. ففي يوم الإثنين، نشرت وحدة العمليات الخاصة المعروفة باسم “كراكين” مقطع فيديو غير واضح، ومصحوبا بموسيقى روك، ومخططات، ويظهر طائرة مسيرة وهي تحلق فوق برج مراقبة روسي في برينسك أوبلاست قبل أن تنفجر، مما يشير إلى أن الحديث الواضح لم يعد سرا، فقد اعترفت كييف بأنها نفذت عددا من الهجمات المماثلة.
وفي أواخر كانون الأول/ ديسمبر، أخبر مسؤول أوكراني “واشنطن بوست” أن عددا من الهجمات بالمسيرات على قواعد عسكرية روسية نفذتها مسيرات أوكرانية. وأهمها العمليات التي نفذت ضد شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014. وتم الاعتراف بها، وإن بشكل متأخر بأنها من تنفيذ قوات العمليات الخاصة الأوكرانية. لكن هناك عمليات لم تعترف كييف بها وتركتها للتكهن، ففي آب/ أغسطس، قتلت داريا دوغينا، ابنة القومي الروسي الداعم لبوتين ألكسندر دوغين وهي تقود سيارة والدها، مما قاد للكثير من التكهنات بأن الهدف كان ألكسندر دوغين نفسه.
وحمّل الكرملين وبسرعة، أوكرانيا مسؤولية الهجوم. وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن المسؤولين الغربيين حمّلوا “لاعبين أوكرانيين” مسؤولية الهجوم. وفي الأسبوع الماضي، حمّل الكرملين أوكرانيا مسؤولية الهجوم على قرية في منطقة بيرنسك، ووصفته روسيا بالهجوم الإرهابي الذي خلف قتيلين.
ولكن المعارضة لبوتين، أعلنت أيضا مسؤوليتها عن الهجمات. وقال إيليا بونوماريف، العضو في السابق في مجلس الدوما والمعارض للكرملين في الصيف الماضي، إن حركة سرية اسمها “الجيش الجمهوري الوطني” هو من قتلت داريا دوغين، وأنها تعمل على الإطاحة ببوتين.
أما هجوم بيرنسك، فقد أعلنت المسؤولية عنه مجموعة معارضة لبوتين اسمها “فيلق المتطوعين الروس”، ويقال إن مؤسس المجموعة هو دينس كابوستين، والمعروف أيضا بدنيس نيكتين، الخبير في الألعاب القتالية للدفاع عن النفس، والمتطرف اليميني الذي عاش في ألمانيا وأقام علاقات مع النازيين الجدد، بشكل أدى لمنعه مدة 10 أعوام من تأشيرة الشنيغين.
إلا أن كابوستين أخبر “فايننشال تايمز” في الأسبوع الماضي، أن العمليات العابرة للحدود بين البلدين يجب أن تحظى بدعم من حكومة كييف، رغم نفيها مسؤوليتها عن الهجومين. وقال: “لو لم أنسق مع أحد (الجيش الأوكراني) لكنا دمرنا”.
وتعتبر العمليات العابرة للحدود مسألة توازن لكييف، وتخشى الحكومات الغربية من تجاوز أوكرانيا الخط الأحمر في ضربها لروسيا، ولهذا ترددت واشنطن في تزويد كييف بصواريخ هيمارس طويلة المدى، خشية ضرب العمق الروسي. كما دعت واشنطن الأوكرانيين لتجنب ضرب القرم، مع أنها أرض أوكرانية.
لكن واشنطن غيرت موقفها. ففي الشهر الماضي، قالت فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية، إن الولايات المتحدة تعتبر المواقع العسكرية الروسية في القرم “أهدافا شرعية”، وأن “الأوكرانيين يضربونها ونحن ندعمهم”.
ولو ثبت أن جماعة موالية لأوكرانيا هي من نفذت عملا تخريبيا تحت مياه بحر الشمال، بشكل عرّض أمن الطاقة في بلد حليف للخطر، وأنتج كارثة بيئية، فستواجه كييف أسئلة كبرى حول العمل السري وكيف سمحت بهذا؟ والأسوأ لماذا لم تعرف.واقترح مارك غالوتي، الباحث السياسي المتابع لروسيا في مجلة “سبكتاتور” أن المسؤولين الأمريكيين ربما سربوا التقرير لتقديم “تحذير لطيف” لرئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي ومفاده: “هذا النوع من القصص يعقّد من عملية الحفاظ على وحدة الدعم الغربي، وما عليك إلا أن تعيد ترتيب بيتك”.وفي النهاية، فالتوصل لدليل قاطع حول الجهة المنفذة ليس متاحا في الوقت الحالي. وقال مسؤول ألماني لوول ستريت جورنال: “لن يكون هناك يقين أبدا”، و”لم يترك أحد بصماته هناك” تحت البحر.
صحافة : واشنطن بوست: كييف في وضع غير مريح بعد الكشف عن تورط جماعة موالية لها في تفجير نورد ستريم!!
10.03.2023