قال ديفيد إغناطيوس في صحيفة “واشنطن بوست” إن قرار السعودية نهاية الأسبوع تخفيض معدلات إنتاج النفط بشكل رفع أسعاره كان رسالة بسيطة إلى أمريكا مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد تتخذ القرارات في منطقة الخليج أو سوق النفط.
وسواء كان هذا جيدا أم سيئا، فقد ولى عهد الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط. وأضاف الكاتب أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان ضغط يوم الأحد على أعضاء منظمة أوبك لتخفيض الإنتاج بمعدل مليون برميل، بشكل رفع أسعار النفط الخام بنسبة 6%، أي حوالي 85 دولارا للبرميل. وبالنسبة لإدارة بايدن التي تكافح لاحتواء التضخم وتجنب الركود، فقد كان القرار مثل من وخزك في عينك.
ويقول إن السعودية تقوم بتحويط رهاناتها وكذا الولايات المتحدة. ولا يريد أي منهما نهاية العلاقة. لكن القادة في العاصمتين يشعرون أنهم لا يحترمون، وهو أمر ليس سهلا لتوازن مستقر، وبخاصة إسرائيل التي تريد علاقة جيدة مع الرياض ولكنها تعتمد على مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة.
لكن الحياة تمضي كالمعتاد، حتى لقوة عظمى تشعر بالتخلي عنها. وزار “القناة الخلفية” للإدارة، مدير سي آي إيه، ويليام بيرنز المملكة هذا الأسبوع. وحسب مسؤول أمريكي أخبر الكاتب، فقد “ناقش المصالح المشتركة” مع المسؤولين السعوديين و”أكد التزامنا بالتعاون الاستخباراتي، وبخاصة في مجال مكافحة الإرهاب”.
وقال الكاتب إنه من السهل النظر إلى تحرك ولي العهد السعودي على أنه مصادقة ما قبل ظهور الرئيس السابق دونالد ترامب أمام المحكمة في نيويورك. وبالتأكيد يفضل ولي العهد الجمهوريين، لكنه كان يحوط رهاناته مع الديمقراطيين أيضا. ففي شباط/فبراير، استقبل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل وجماعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين، بمن فيهم جيمس إي ريستش، ممثل ولاية أيداهو وتوم كوتون، ممثل أركنساس. ونظمت السعودية هذا الأسبوع مناسبة كبيرة في ميامي، فلوريدا استضافها العمدة الجمهوري فرانسيس إكس سواريرز الحليف لحاكم الولاية رون دي سانتيس، منافس ترامب.
ولا يزال ولي العهد مواليا للرئيس السابق الذي ساعده بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي في 2018، وهو ما اعترف به ترامب في محادثاته مع الصحافي بوب وودورد. ودعم الصندوق السيادي الذي يرأسه ولي العهد مباريات الغولف المعروفة بليف والتي أظهرت منتجعات ترامب واستثمر أكثر من ملياري دولار في شركة أنشأها صهره جاريد كوشنر.
ويحدس إغناطيوس أن الرئيس الصيني، شي جينبينغ يمثل بالنسبة لولي العهد السعودي “ترامب جديدا”، لأن هذا يتعامل مع طموحات الزعيم السعودي وأن بلاده هي مركز القوة الإقليمية. وعندما زار شي السعودية في كانون الأول/ديسمبر نظم له محمد بن سلمان قمة خليجية والتي تعهدت فيها دول أخرى بالتعاون في المجال الاقتصادي والأمني. وأخبر محمد بن سلمان مقربا له بأن الولايات المتحدة تظل شريكا للسعودية ولكنها ليست الشريك الأوحد.
وقيل للكاتب إن ولي العهد شرح للمقربين بأن الذين سبقوه كانوا يستجيبون لمطالب الولايات المتحدة و”كسرت هذا لأنني أريد شيئا بالمقابل”. ولا تزال السعودية تشتري طائرات بوينغ وحصلت على تأكيدات من بيرنز بالحماية ومناورات عسكرية.
وبالمقابل تعامل المسؤولون في إدارة بايدن مع القرار الأخير لخفض الإنتاج بهدوء، خلافا للقرار في تشرين الأول/أكتوبر. وقال المسؤولون إن أسعار النفط في أدنى مستوياتها منذ 15 شهرا، وكانت أقل من 80 دولارا للبرميل في آذار/مارس ويتوقع المحللون هبوطه لأقل من 70 دولارا للبرميل. وعندما يواجه السعوديون هذا المنظور فإنهم عادة ما يخفضون الإنتاج. ويراهن مسؤولو الإدارة بأن تستقر أسعار النفط عند 85 دولارا أو أقل، وأن الأثر الاقتصادي لهذا سيكون محدودا. ولا يعرف ماذا سيكون رد الإدارة لو ضاقت الأسواق وارتفع سعر برميل النفط لأكثر من 100 دولار للبرميل.
وبايدن ليس الرئيس الأمريكي الذي سيقوم الزعيم السعودي بتقديم خدمة أو أفضلية له. ويقول محللو النفط إن هناك جانبا إيجابيا، فانخفاض الأسعار إلى مستويات متدنية لم يشجع الإنفاق على قدرات إنتاجية جديدة. ولكن الأسعار المرتفعة ولكن بدرجة محدودة قد تشجع على الاستثمار و”ستكون ضرورية عندما يعود الطلب” وانتعاش الاقتصاد العالمي، كما يقول أندرو غولد، المدير التنفيذي لشلامبيرغر والعضو السابق في مجلس إدارة أرامكو.
ومع محاولات محمد بن سلمان بناء شراكة مع شي، فقد أصبح أكثر حزما مع جيرانه الإماراتيين والمصريين، كما أخبر المقربين منه. وفي العام الماضي طلب تنازلات من البلدين بنهاية 2023. وزار الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا الأسبوع السعودية، في زيارة “أكدت على الاهتمام المتبادل لتشجيع التعاون المشترك”، حسبما قال ناطق باسم الرئيس المصري. ولا تزال التوترات قائمة مع الإمارات ولكن أبو ظبي تبعت قرار خفض الإنتاج.
وبالنسبة لإسرائيل، فمحمد بن سلمان قوي يحمل مخاطر، فهي تبحث عن طرق لتطبيع العلاقات مع السعوديين، ولكن محمد بن سلمان عقد صفقة مع إيران، عدوة إسرائيل. ويعلق الكاتب أن محمد بن سلمان يريد حماية من الولايات المتحدة وعلاقة سرية مع إسرائيل وفي الوقت نفسه يتجاهل مصالحهما، وهذا لا يعمل.
وينهي الكاتب مقاله بالقول إن الولايات المتحدة دللت السعودية لأكثر من نصف قرن، وفعلت هذا لأنها كانت بحاجة لنفطها “ولكننا لا نفعل هذا الآن، وما نريده دولة سعودية تتصرف كشريك مسؤول حتى عندما تضع مصالحها أولا”.
صحافة : واشنطن بوست: خفض السعودية إنتاج النفط رسالة لأمريكا.. ورد بايدن عليها بهدوء!!
05.04.2023