نشرت صحيفة “التايمز” شهادة لمواطن سوداني من الخرطوم، وصف فيها معاناة سكان العاصمة بسبب النزاع الدائر بين جنرالين، كل واحد منهما يريد السيطرة على الحكم.وقال إن الناس عالقون بين قنابل القوات السودانية المسلحة، وعصابات شبه عسكرية تتجول في الشوارع. وأضاف: “من غرفة صغيرة مظلمة نرتعد من القصف، ويحاول ابني البالغ من العمر 12 عاما التسلل إلى السطح لكي يحدد المكان الذي جاء منه الصوت: يصرخ الجميع، هل تريد أن تموت؟”.
وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار، لكن تهدر المقاتلات فوق الرؤوس من أسبوعين حيث تقصف مواقع قوات الدعم السريع، ويقول المواطن السوداني: “أسمع صوت تبادل إطلاق النار على بعد كيلومترات من حيث أكتب”. و”عندما أغامر بالخروج بحثا عن إمدادات، أرى حيّنا الجميل وقد تحول إلى ساحة حرب: جثث في الشوارع، عربات محترقة. لم أتخيل رؤية هذا على أعتاب بيوتنا، إنه وضع خطير جدا لسيارات الإسعاف، وعدد قليل من المستشفيات والعيادات لا تزال عاملة. عادة ما أكون الشخص الوحيد الذي يرى، باستثناء قوات الدعم السريع التي تحركت إلى المنطقة وجعلت نفسها وكأنها جزء منها”. ويضيف: “نحن 18 فردا من عائلة حشرنا في بيتنا، بنت عمرها 18 شهرا هي الأصغر، ووالدتي التي تعاني من مرض السكري وهي في الستينات من عمرها، وتتعافى من عملية جراحية هي الأكبر سنا. كل الصيدليات مغلقة، ولا نعرف ماذا سنفعل عندما ينتهي الدواء”.
ويتابع بالقول: “أشعر بالخوف في الليل، ليس من القصف أو الطلقات المدفعية، ولكن من الـ15 ألف سجين الذين أُفرج عنهم بعد اقتحام السجون، ومنهم مغتصبو النساء والقتلة ومدمنو المخدرات، والذين يتجولون في الشوارع، ويفعلون ما يريدون بحرية في غياب الشرطة. وبعد خروج كل الأجانب أشعر بالخوف الشديد. من سيهتم بحياة ملايين السودانيين الذين لا يزالون في العاصمة؟ سنعلق وسط طرفين شرسين يحاولان تحقيق النصر”.
ويقول إن التحضير للمعركة يجري منذ عدة أشهر، ويعتقد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي” بحتمية انتصارهما، و”احتقارهما لحياة المدنيين واضح، منذ سنوات طويلة خدما فيها في ظل نظام الرئيس السابق، عمر البشير. ولم يعبر الرمزان السياسيان عن أية رغبة في تسليم السلطة للمدنيين بعد التخلص من البشير، وما يهم كليهما هو السلطة وليس حياة الملايين الفقراء. ولدى الجيش أسلحة قوية، لكن الدعم السريع صعب المراس. ولا يهتمون بالظروف القاسية. وجاء بعضهم من تشاد والنيجر ولا يمكن تخويفهم أو وقفهم.
وأضاف المواطن السوداني: “نسمع تقارير مرعبة عن قوات الأمن الاحتياطي التي نُشرت الآن”. وفرضت أمريكا عقوبات على هذه القوة بسبب وحشيتها ضد المدنيين الذين احتجوا على انقلاب الجنرالين عام 2021. وسيؤدي وجودهم إلى زيادة النزاع، ويقول: “نعرف من التجارب السابقة بأنهم سيصادرون هواتفنا النقالة والمجوهرات والساعات وحتى أحذيتنا”. موضحا: “لدي أقارب في الجيش يتحدثون عن المعنويات المتدنية، وبعضهم مختبئون ولا يريدون القتال لأن هذه الحرب ليست لبلدهم، لكن من أجل الطموح الشخصي، ولا يمكن معرفة نهاية هذا القتال ولكنني أراه يزداد سوءا. وأخشى حجب الإنترنت بحيث لا يعرف أحد في الخارج ما يحدث لنا”.
وكان قرار البقاء أو مغادرة المدينة من أصعب القرارات الذي كان على السودانيين اتخاذها، ويقول المواطن الذي تحدث للصحيفة البريطانية: “شاهدنا جيراننا يغادرون، ولكن أي من أفراد العائلة نريد أن نرسل إلى الخارج، ومن نريد أن يبقى وإلى أين؟ وزاد سعر الكرسي في الحافلة إلى مصر من 25 دولارا إلى 500 دولار بدون ضمانات للوصول إلى الأمان. ولو اشترينا تذاكر كهذه، كنا سنستخدم كل توفيرنا من الأموال.. بيع سيارة أو مقتنيات ثمينة ليس خيارا؛ لأن قلة من الناس لديهم المال لشرائها”.
وقال: “الطعام ينفد بسرعة، وزوجتي تقرر الوجبات وكيفية الحفاظ على المواد الغذائية. نأكل ثلث ما كنا نأكله سابقا، ولهذا لدينا ما يكفي من المال لعدة أيام. كل المصارف مغلقة وتم السطو على بعضها، وسيارتنا لا تزال في الخارج ولكن لا يوجد وقود. ولو أصبحت الأمور خطيرة للبقاء فلا أدري كيف سنسافر”.
يواصل قائلا: “شهدت والدتي نفس الأمور في الثمانينات، ونصحت جيراننا بالعيش على القليل، مع أنها في الفقر وبدون تعليم، ولكن لديها حكمة كبيرة”. ويقول إن قوات الدعم السريع توزع المال في الأحياء الفقيرة، وقبل يوم ذبحوا جملا بالقرب منّا، ووزعوا اللحم على الناس الذين بقوا في بيوتهم. مضيفا أن قادة الدعم السريع والجنود الصغار لديهم هواتف نقالة باهظة الثمن، وتدربوا على كسب الحرب في منصات التواصل الاجتماعي وعلى الأرض، ويستطرد: “أتخيل أن هذه هو التدريب الذي حصل عليه جنود الدعم السريع من فاغنر، جماعة المرتزقة الروسية التي تفهم أهمية نشر قصة النصر. وأرى الناس يميلون نحو الدعم السريع الذين يحاولون إقناع الناس أنهم الرجال الطيبون، وأن الجيش هو نسخة من المتشددين الإسلاميين الموالين للبشير. وزادت الأخبار حول خروج رموز من عهد البشير الشكوك حول دعم عناصر من النظام السابق للجيش. ومن بين الذين فروا من السجن، رموز مطلوبة لمحكمة الجنايات الدولية بتهم جرائم حرب في دارفور”.
ويقول إنه ينظر للأطفال ويتساءل عن المستقبل الذي ينتظرهم، وما سيجلبه الأسبوع المقبل. ولم يذهب الأطفال للمدارس بسبب جائحة كوفيد وما تبعها من انقلاب وفيضان لنهر النيل. ويختم بالقول: “أحيانا أحلم وعيوني مفتوحة، وأقنع نفسي أن هذا لن يستمر للأبد. يقطع صوت المقاتلات أفكاري ويدق قلبي سريعا نحو الواقع. يتصل بي الأصدقاء في الخارج ويسألون عما يمكنهم تقديمه للخرطوم، وأخبرهم بالصلاة من أجلنا.. والصلاة هي أهم سلاح ضد الجنرالين”.
صحافة : شاهد عيان من الخرطوم: هواتف نقالة ثمينة ولحم جمال يوزعه “الدعم السريع”.. والصلاة هي أهم سلاح ضد الجنرالين!!
03.05.2023