من سيربح الحرب في أوكرانيا؟ تجيب ميشا غليني في صحيفة “صاندي تايمز” أن الهجوم الأوكراني المضاد لن يؤدي إلى سحق روسيا، إلا أن الولايات المتحدة وحلفاءها تأمل بأن يسفر الهجوم عن ضربات كافية لزعزعة روسيا. فقد بدأ الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال انتظاره، ومعه زادت وتيرة السياسة، حيث هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقيامة نووية وقطع الإنترنت من خلال تخريب أسلاكها تحت البحر. وبالمقابل قال الأمين العام لحزب الناتو، يان ستولتنتبرغ، إن مستقبل أوكرانيا هو في الحلف، وتم تحويل الطيران التجاري فوق أوروبا لكي يظهر الناتو استعراضاته العسكرية الجوية التي جرت فوق ألمانيا وهولندا والدنمارك.
ومن واشنطن إلى بكين، يدرس صنّاع السياسة النتيجة المحتملة للمواجهة العسكرية. ويعرفون أنها لحظة حاسمة، ليس للحرب الروسية- الأوكرانية، ولكن للسياسة العالمية.
ومن المحتمل أن تؤدي النتيجة لتحديد المستقبل، ولعقود. كما لا يواجه الروس أو الأوكرانيون، ومن يدعمهم، المعركة بثقة، فعدم اليقين حاضر في تفكيرهم.
وهناك الكثير من “المعروف والمجهول” في ميدان المعركة، وعلى المسرح السياسي الأوسع للحرب، الذي يدعو للثقة أو التيقن بالنتيجة، وما ستتركه الحرب من تداعيات جيوإستراتيجية طويلة الأمد. وبعبارات مبسطة: لا نعرف من سينتصر.
ومع ذلك، يمكن الحديث عن أربعة سيناريوهات: نصر أوكراني، نصر روسي حاسم، حالة جمود يمكن أن تشتعل في أي وقت، وربما قادت لمفاوضات، أو تصعيد، يعني نشر روسيا أسلحة نووية إستراتيجية في المعركة، وربما تورط عميق للناتو، وهو كابوس لبوتين.
فلو انتصرت أوكرانيا، لن ينجو بوتين، وستدخل روسيا حالة من الحروب الأهلية والفوضى، رغم أنها تملك رؤوساً نووية أكثر من أي بلد في العالم. وبالمقابل، لو انتصرت روسيا، فلن تكون كارثة على أوكرانيا، بل نكسة عظيمة للغرب.
وعلى أوروبا التعايش مع قوة عدوان عسكرية على أعتابها، وستتقوى روسيا والصين بالنصر الروسي. ولا يبدو أيٌّ من هذين الخيارين واضحاً تماماً، ما يعني البحث عن خيار ثالث، أو نتيجة ثالثة، وهي المفضلة لدى صنّاع السياسة. وسيكون وقف الحرب والبدء بالمفاوضات هزيمةً للغرب، وشعوراً بالراحة للرئيس الأمريكي جو بايدن، وهذا خياره المفضّل، إلا أن سلطة الغرب ستتأثر، وسيواجه مناخاً سياسياً متغيراً بشكل دائم. فالأعصاب متوترة في كل أوروبا والولايات المتحدة، حيث ينتظر حلفاء كييف الدوليون الأدلة على قدرة الجيش الأوكراني تحويل الدعم العسكري الضخم الذي حصل عليه إلى مكاسب على الأرض.
ويعترف المسؤولون الأوكرانيون بشكل خاص أنهم لا يستطيعون، أو ليس لديهم القدرة لاستعادة السيادة على كل الأراضي التي خسروها. واستخدم الجيش الروسي الشتاء للتحصن على طول خطوط القتال، ولا يزال أثر الأسلحة القوية، مثل صواريخ كروز “ستورم شادو”، المقدمة من بريطانيا، غير معروف. وبدلاً من تحرير كل المناطق المحتلة، سيحاول الأوكرانيون إضعاف سيطرة الروس عليها، بحيث يثيرون أزمة في موسكو.
وعلّقَ دبلوماسي غربي: “كلما استطاع الجيش الأوكراني التسبّب بألم للجيش الروسي، كلما تفككت سيطرة بوتين على السلطة في الكرملين، أو هكذا تفترض النظرية”.
ويطلق البعض عليها نظرية “النجاح الكارثي”. نصر عسكري يمكن أن يفضي للفوضى، وحتى الحرب الأهلية وسط العدو. ولدعم هذه الفرضية يتحدث المحللون عن التداعيات المحلية للهزائم العسكرية لروسيا، من عام 1905 ضد اليابان، إلى الهزيمة العسكرية أمام الألمان، عام 1917، وكلاهما أفضى لثورات، كانت الأولى منها غير ناجحة، أما الثانية فقد أسقطت النظام الملكي، وأدت لولادة الاتحاد السوفييتي، الذي علّم معظم القرن العشرين.
سيكون وقف الحرب والبدء بالمفاوضات هزيمةً للغرب، وشعوراً بالراحة للرئيس الأمريكي جو بايدن، وهذا خياره المفضّل.
ومن التكتيكات الواضحة التي سيتبعها الجيش الأوكراني محاولة عزل شبه جزيرة القرم عن روسيا الفدرالية، من خلال تدمير جسر كيرتش للمرة الثانية. وتعدّ القرم، التي ضمت عام 2014، من أهم المناطق، وذات القيمة العاطفية لبوتين. وتقول النظرية إن فقدان بوتين السيطرة على شبه الجزيرة يعني فقدان الثقة داخل روسيا. ويخشى البعض من تداعيات النجاح الكارثي هذا، والذي سيقود ربما إلى تصعيد. فهل سيلجأ بوتين المحشور بالزاوية للخيار النووي؟ وقد قال مرشد بوتين للسياسة الخارجية سيرغي كاراغانوف، الأسبوع الماضي، إن روسيا قد تلجأ للسلاح النووي من أجل كسر الدعم الغربي لأوكرانيا. وبدا الخطاب الناري واضحاً من كلام ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا، الذي بات يشبه بوتين، وإعلانه عن وصول أسلحة نووية إستراتيجية. في وقت هدد فيه الرئيس، ورئيس الوزراء السابق ديمتري ميدفيديف، بتخريب خطوط الإنترنت التي تربط أوروبا ببقية العالم.
كل هذا لم يمنع الناتو من إظهار الدعم لأوكرانيا، فهو، وإن كان منقسماً حول عضوية كييف في الحلف، إلا أنها لقيت دعماً، هذا الشهر، من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي عبّر عن دعم لدخول أوكرانيا في الناتو. فبعد أن أعلن مرةً أن الحلف “ميت دماغياً”، بات يرى فيه جسراً يربط بين غرب وشرق أوروبا.
وبحسب مصادر مقربة من ماكرون، فهو يخشى من إضعاف انتصار محتمل للجمهوريين، العام المقبل، الضمانات الأمريكية لأوروبا.
وسواء عوّل الحلفاء الرئيسيون لأوكرانيا على نصر حاسم أم لا، فإن الأمريكيين يتطلعون لأمر آخر: انتصارات كافية تدفع روسيا إلى طاولة المفاوضات. ولو لم يفهم زيلينسكي وقادته العسكرية الرسالة، فقد أوضحها مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، في مقابلة مع فريد زكريا على “سي أن أن”، حيث قال إن أمريكا تريد “دعم أوكرانيا لتحقيق أكبر قدر من التقدم في ساحة المعركة، ولكي تكون في وضع جيد على طاولة المفاوضات”.
وتقوم إستراتيجية بايدن المتطورة في أوكرانيا على شعبتين، الأولى هي التحرك نحو المفاوضات، عندما تكون أوكرانيا في وضع قوة نسبي. أما الثانية، فهي محادثات سرية مع الصين. وبحسب المصادر الاستخباراتية، فقد توصل بايدن، في العام الماضي، لاتفاق مع نظيره الصيني شي جينبينغ، ويقوم على ممارسة بكين الضغط على بوتين كي لا يستخدم السلاح النووي، مقابل تعهد أمريكا والغرب بعدم توفير أسلحة متقدمة قادرة على ضرب العمق الروسي. وتستطيع صواريخ كروز، ستورم شادو ضرب روسيا، وسواء أمدتها بريطانيا بموافقة تكتيكية من واشنطن، فلدى بايدن خيار الإنكار. ويعتمد كل هذا على زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن إلى بكين، هذا الأسبوع، فمنذ لقاء الرئيسين في بالي، بتشرين الثاني/نوفمبر، تدهورت العلاقات بشكل كبير، وسواء اتجه الوضع للانفراج أم لا فإن الدم الفاسد باق.
ورفض بايدن تزويد أوكرانيا بنظام الصواريخ ام جي أم -140، المعروف بـ “اي تي إي سي أم أس”، الذي لديه مدى أوسع من ستورم شادو البريطاني. وحاولت بريطانيا الضغط على بايدن لتزويد النظام لكييف، لكنه لم يتزحزح عن موقفه. ويخشى بايدن من انهيار القنوات الخلفية مع الصين، ولتأكيد هذه النقطة فقد عرض بايدن محادثات حول معاهدة نووية مع الصين وليس روسيا، وهذه إشارة أخرى عن تطلّع البيت الأبيض لمرحلة ما بعد نهاية الحرب الروسية- الأوكرانية.
ويرسل بايدن وسوليفان إشارات، لأنهما مثل الأوكرانيين يتطلعان للحملات الرئاسية التي ستكون في أوجها بحلول آذار/مارس. فقد عبّر الكثير من المرشحين الجمهوريين، علاوة على زملائهم في الكونغرس، عن تشكك من استمرار تقديم الدعم المالي للحرب في أوكرانيا.
وكشف آخر استطلاع عن تراجع لدعم الحرب الأوكرانية، حيث عبّرت نسبة 50% من الناخبين الجمهوريين عن رغبة لتخفيف الدعم إلى كييف. ويبدو بوتين مرتاحاً للعب لعبة طويلة، حالة كان أداء جيشه جيداً في الحرب الحالية، ولا يهمه إرسال شباب جدد إلى مفرمة اللحم في أوكرانيا. ويعتقد أنه يستطيع مواصلة الحرب لفترة طويلة، ولنفس الأسباب التي يخشى منها زيلينسكي: “إستراتيجية بوتين واضحة: زِدْ من القسوة”، حسب إيفان كراتسيف، المحلل السياسي في العلوم الإنسانية في فيينا، ويعتقد بوتين أن الغرب “سيفقد الصبر، وعندها سيتغير كل شيء مع الانتخابات الرئاسية”.
صحافة : “صاندي تايمز”: الحرب في أوكرانيا مرهونة بنتائج الهجوم المضاد.. انتصار أم هزيمة؟ جمود أم قيامة نووية؟!
19.06.2023