أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 41057
صحافة : نيويورك تايمز: مرحبا بكم في أوروبا التي أصبح الموت الجماعي على حدودها أمرا طبيعيا!!
17.08.2023

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للكاتبة سالي هايدن، مؤلفة كتاب “المرة الرابعة التي غرقنا فيها: البحث عن ملجأ في طريق الهجرة الأكثر دموية في العالم”، قالت فيه: “في المدينة الساحلية صفاقس جلست هذا الشهر مع مجموعة من الرجال بمنتزه رملي تعصف به الرياح، ومع غروب الشمس وضع أحدهم غطاء قنينة على الأرض حيث صب منها جزءا من الماء الثمين لقطة ضالة تقدمت نحوه. وقال الرجال وهم من دارفور إنهم فروا مما أسموه إبادة جديدة في السودان، وشاهدوا المسلحين وهم يحرقون البيوت وأحيانا قرى بكاملها وفروا من أجل البقاء أحياء”.
وأضافت “هناك العشرات وربما المئات من السودانيين الذي يعيشون حاليا في المنتزه بصفاقس وآلاف آخرون يعيشون حول المدينة. وهم ينامون على الصناديق الكرتونية وعلى الفراش لو كانوا محظوظين. ويفكرون بمصيرهم ويثرثرون بهدوء حول تجاربهم ويتساءلون عن كيفية الحصول على الطعام. وفي الغالب، فهم ينتظرون المال من الأقارب أو الأصدقاء أو الحصول على عمل لكي يوفروا ألفي دينار تونسي أو 647 دولارا لشراء مكان على قارب أو فرصة للهرب”.
وقالت الكاتبة “كل واحد التقيته في صفاقس التي تبعد 80 ميلا عن الجزيرة الإيطالية لامبيدوزا، يريد عبور البحر المتوسط إلى أوروبا. وكلهم يعرفون أنهم قد يموتون في المحاولة”. ورغم كل هذا يغادر الناس كل يوم، بعضهم يرسل رسائل مفعمة بالحماس من إيطاليا وآخرون يقذفهم الماء أمواتا على الساحل، ففي نهاية الأسبوع حيث جلست في المنتزه أدى غرق ثلاثة قوارب على الأقل، إلى مقتل أكثر من 80، وعثر على 10 جثث ملقاة على الشواطئ القريبة. وفي الأسبوع الماضي أعلن عن وفاة 44 شخصا بعد تحطم سفينة قرب ساحل إيطاليا”.
وعلقت الكاتبة أن الموت الجماعي أصبح أمرا عاديا على حدود أوروبا حيث مات واختفى أكثر من 27800 شخص في البحر المتوسط منذ عام 2014، وهو رقم خيالي.
الموت الجماعي أصبح أمرا عاديا على حدود أوروبا حيث مات واختفى أكثر من 27800 شخص في البحر المتوسط منذ عام 2014
ويتشكل العام الحالي لكي يكون الأكثر دموية، إذ فقد أكثر من ألفي شخص حياتهم وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا، بمن فيهم 600 شخص ماتوا عندما غرقت سفينة قرب شاطئ اليونان في حزيران/يونيو، و”هذا هو ما يمكن مشاهدته عن حقوق الإنسان والأخلاق وفوق كل هذا عدم المساواة العالمية”.
ومن تجمعوا في تونس، التي تعتبر نقطة المغادرة الأولى على طريق الهجرة الرئيسي إلى أوروبا، جاءوا من أصول اجتماعية وجنسيات مختلفة، إذ قابلت الكاتبة مهاجرين من بوركينا فاسو وغامبيا ونيجيريا والصومال وإرتيريا وليبريا، والبعض مثل الدارفوريين سيحصلون على الأرجح على وضعية اللاجئ ضمن الحماية الدولية، هذا لو تمكنوا من اللجوء إلى بلد آمن، أما البقية فلن يحصلوا، وهم هاربون من الفساد والفقر المستشري وأماكن تعتبر فيها مراكز العلاج الصحي نادرة ويموت فيها الأطفال بسبب أمراض يمكن الوقاية منها. وهم يبحثون عن فرصة وحياة مستقرة. جاء هؤلاء بشكل حصري من مستعمرات بريطانية وفرنسية سابقة، “التقيت مع أشخاص يتطلعون للمغادرة وقد عاشوا في تونس عدة سنوات وخسروا وظائفهم وطردوا من بيوتهم بعد تعليقات من الرئيس التونسي، قيس سعيد. ففي شباط/ فبراير، قال سعيد إن قدوم الأفارقة من دول الصحراء جزء من مخطط إجرامي لتغيير التركيبة السكانية لتونس مما فتح الباب أمام الاضطهاد والانتهاكات”.
كل هذا لم يوقف الاتحاد الأوروبي عن إبرام صفقة مع سعيد للحد من الهجرة، فمقابل “ترتيبات الحدود” سيقدم الاتحاد الأوروبي إلى تونس 118 مليون دولار مع التزام بتقديم مساعدات إضافية. وبالنسبة للقادة الأوروبيين، فوحشية تونس حيث تم تجميع أكثر من ألف أفريقي بداية تموز/يوليو ورميهم في الصحراء مع ليبيا بدون ماء أو طعام، لا تعني الكثير مقارنة مع استعدادها للتعاون.
كانت عائشة بانغورا (30 عاما) من سيراليون تجلس على فرشة تحت شجرة زيتون بينما تنقب شعر صديقة لها أخرجت منه قملة، وحولها كانت ابنتها الصغيرة تلعب مع أطفال صغار في الرمل حيث استخدموا علب الطعام الفارغة. قالت إن زوجها مات في صحراء ليبيا، التي مشوا فيها تسعة أيام متتالية.
وكانت بانغورا تبيع البرتقال لكن الموسم جف “لم أعمل ” و”لم يكن لدي مال أو عمل”. وفي السنوات الماضية، ساء الوضع الاقتصادي في معظم أفريقيا، حيث فاقم وباء كورونا والحرب في أوكرانيا من سوء الأوضاع.
وتقول الكاتبة إنها عاشت في شمال أوغندا مع الإغلاق الأول و”شاهدت كيف بدأ الناس يجوعون بسرعة حيث تبخر توفيرهم القليل. وفي العام الماضي، راقبت في سيراليون زيادة كلفة المعيشة وكيف قادت لاحتجاجات قاتلة، كما زادت التغيرات المناخية من سوء الأوضاع، إذ في النيجر، فاقمت سوء التغذية وساهمت في الصومال بالمجاعة”.
وأمام هذه المعاناة، يقوم العالم الثري بتقوية حدوده، ففي بريطانيا، مررت الحكومة قانونا تعسفيا لمنع المهاجرين من المطالبة بحقهم الدولي في الحماية، وهي تخطط لإسكان المهاجرين في سفينة عائمة. ويتحدث المسؤولون الأوروبيون عن “تكسير النموذج التجاري للمهربين”، مع أن تصريحاتهم تتجاهل حقيقة أن المهربين يوفرون الاحتياجات. و”على خلاف حالتي حيث أسافر مباشرة من إيرلندا إلى تونس بدون تأشيرة، لا يوجد طريق آمن للكثير من الأفارقة للسفر في أي اتجاه آخر”. و”عادة ما يتركز النقاش حول إبقاء الناس الذين لا حظ لهم بعيدين، بدلا من طرح الأسئلة الأوسع وربما الوجودية: هل نستطيع، نحن في الغرب، دعم حقوق الإنسان وفي الوقت نفسه الموافقة على الانتهاكات على حدودنا؟ هل نحن مرتاحون للجرائم التي ترتكب لمنع الناس من الوصول إلى أراضينا؟ وألا يستحق الناس الذين يأتون من دول ظللنا نستغلها الانتفاع منا أيضا؟”.
وقالت إن “الهجرة والتعامل الغربي معها هي واحدة من القصص التي تعلم عصرنا، وفي الوقت الحالي، فهي حكاية عن الكارثة والموت والوحشية والتواطؤ، وعلينا وبشكل عاجل البحث عن نهج أفضل”.