أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
فلسطينيو سوريا: الموت جوعاً وخذلاناً !!
بقلم : د.خالد الحروب ... 13.01.2014

الطفلة آلاء المصري التي التهم يفاعتها في مخيم اليرموك وحش الموت جوعاً قبل أيام ترفع عدد الذين قضوا في المخيم بسبب الجوع أو البرد والمعاناة تحت وطأة الحصار المستمر، إلى أكثر من عشرين. يُضاف إليهم مئات آخرون ماتوا بالرصاص المجنون وفي سعير الحرب بين الأطراف المختلفة. يبقى الموت جوعاً متصدراً قائمة البشاعة في أنواع الموت، لأنه لا يقتل تدريجياً الضحية وحسب، بل وأهله ومن حوله، وهم يراقبونه يذوي بين أيديهم ولا يستطيعون فعل شيء. لسنا أمام مرض عُضال عجز الطب عن علاجه، فجاء الموت المتوقع وأنهى فصل الحزن. بل أمام الموت جوعاً، التضور من نقص الخبز والماء والمواد الأولية للحياة. لم تفلح كل محاولات أهل آلاء في طهي أوراق الشجر والعشب لخداع معدة الصغيرة. ظلت تتضاءل أمامهم، يبرز فكا وجهها، وتجحظ عيونها، وتتهدل أطرافها إلى أن أغلقت نظراتها المرعوبة من هول ما كان يحصل حولها. آلاء المصري توقع بمغادرتها دخولنا حقبة جديدة من سيادة التوحش، وتوقع إدانة للنظام المجرم، والمجموعات المسلحة، وفصائل منظمة التحرير، والأونروا، ومنظمات الإغاثة الدولية... وقبل هؤلاء وبعدهم كل القوى الكبرى التي تأبه بمصائر البشر وحيواتهم وهي تناكف بعضها بعضاً في لعبة «المصالحة الاستراتيجية».
صور الأطفال الذين يموتون جوعاً القادمة من مخيم اليرموك الواقع بين فكي كماشة قوات النظام والمعارضة في ضواحي دمشق تخلع القلب. والتقارير التلفزيونية التي نجحت في تصوير جوانب من المأساة اليومية التي تحدث هناك تنقل لنا وجوهاً شاحبة، وأجساداً نحيلة عظامها بارزة ملصقة بجلود أصحابها الذين فقدوا كل لحم يصل العظم بالجلد. هؤلاء ما زالوا على الحد الفاصل بين الحياة والموت.
ما يواجهه فلسطينيو مخيم اليرموك تحديداً وبقية فلسطيني سوريا، هو جزء من معاناة ومأساة الشعب السوري، فليس ثمة استثناء خاص في كمية الموت والجوع وفي تسنم موقع الضحية الأول.
فلسطينيو سوريا يطبق عليهم الموت كما أطبق على سوريين كثيرين مثلهم، وتطبق عليهم تفاهات السياسة العربية والدولية حيث تحظر عليهم حتى «الهرب» و«اللجوء». ممنوع عليهم عبور الحدود الأردنية، لأن الأردن لا يريد المزيد من اللاجئين الفلسطينيين. ولبنان لا يستقبلهم لذات الأسباب وحفاظاً على توازن ديموغرافي هش. بقي أن يهيموا مع إخوانهم السوريين في الأرض السورية طولاً وعرضاً، بأمل الإبقاء على حياة محطمة تستمر لما بعد توقف آلة الموت الرهيب. وإلى هؤلاء الهائمين ينتمي الآن معظم النصف مليون فلسطيني المقيمين في سوريا تحت سمة «لاجئ»، وحيث فرغت منهم مخيماتهم التقليدية التي تشرف عليها الأونروا.
ملحمة الموت، خاصة في مخيم اليرموك، مخيفة ومرعبة. فمن أصل ما يُقارب نصف مليون إنسان لم يتبق في المخيم إلا اثني عشر ألفاً، وهؤلاء مقطوعون تماماً من كل ما له علاقة بالعالم الخارجي. فشلت مبادرات تحييد المخيم، وتحالفت ضده مراهقات المجموعات المسلحة التي جاءته من كل الجهات مع إجرام النظام الذي لم يكن ينقصه المسوغ لقصف المخيم وضربه ومحاصرته. وبين تلك المراهقات وذلك الإجرام كانت تفاهات الفصائل الفلسطينية وكل منها يدعي بطولة تمثيل المخيم وحمايته، ثم يعلن مناصرته للنظام ووقوفه معه أو ضده. تحول المخيم كله إلى هدف مُستباح، وانتهى محاصراً يتلقط ناسه من العشب وأوراق الشجر ما يبقيهم على قيد الحياة.
التهجير واللجوء الجديد يطرح الآن مشكلة جديدة أمام الأونروا والعالم ومنظمات اللاجئين، ذلك أن لجوء من هو لاجئ أصلا يدخله في تصنيف جديد وهو اللجوء المزدوج، حيث تغيم المسؤولية الدولية وتتفاقم إشكاليات التعريف، كما يغيب الترحيب من قبل الدول المستضيفة. لهذا السبب، إلى جانب أسباب أخرى، يرفض الأردن ولبنان ومصر استقبال أي من اللاجئين الفلسطينيين. مصر مثلاً لا تريد أن تصنف بلداً مُستضيفاً للاجئين، وهي لا تعرف كيف تتعامل مع الأحد عشر ألف لاجئ فلسطيني الذين وصلوها من سوريا بشكل أو بآخر. وهناك هم محرومون من كل شيء إذ لا يحق لهم العمل، ولا لأولادهم الالتحاق بالمدارس المصرية. في الحالات الشبيهة في العالم، وحيث يتواجد مثل هذا العدد من اللاجئين، تقوم المفوضية العليا للاجئين برعايتهم، وإقامة عيادات وفصول مدرسية لأولادهم. لكن يُشترط تعاون الدولة المضيفة والإقرار بوجود لاجئين على أرضها. لكن المفوضية العليا تقول إن عملها لا يتضمن رعاية اللاجئين الفلسطينيين فتلك مسؤولية الأونروا، وهذه بدورها تقول إن مصر ليست إحدى البلدان التي تشتغل فيها بسبب عدم وجود مخيمات فلسطينية فيها، وإن مصر نفسها لا تقبل بعمل الأونروا لديها.
جزء ممن وصلوا إلى مصر استطاعوا التسلل إلى قطاع غزة، وهم محظوظون بسبب ذلك. الأقل حظاً والأتعس قدراً هم من تسللوا إلى الشواطئ والتحقوا بقوارب الهرب إلى أوروبا، فتلقفهم الموت والتهمتهم مياه البحر قبل أن يصلوا إلى الشاطئ الأوروبي. وفي خضم هذا الموت الذي يحاصر هؤلاء، تتعالى صيحات ثورية تندد باستقبال بعض الدول الاسكندنافية لعدد منهم، تمكن من فرض نفسه على هذه السفارة أو تلك بعد التسلل إلى لبنان.

1