أحدث الأخبار
الأحد 30 حزيران/يونيو 2024
هل نشهد طوفان الكتابة؟
بقلم :  سهيل كيوان ... 27.06.2024

لم يصل عدد الكتب التي صدرت عن مبدعين وباحثين من الفلسطينيين والعرب حول معركة طوفان الأقصى إلى عشرة كتب حتى الآن.
منها «طوفان الأقصى والزمن الآخر»، جمعه عمر شبلي، وهو لمجموعة كتاب وصحافيين عرب.
كتاب «يوميات معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من السّابع من أكتوبر 2023 حتى 13 آذار/مارس» عن مركز الزيتونة. وهو توثيقي لمواقف مختلف الأنظمة العربية والدولية، وإحصاءات تتعلق في المعركة ونتائجها. وهو متوفر للتنزيل على الشّبكة.
وصدر لعادل الأسطة وزياد عبد الفتاح «حكايات الذين لم يغادروا»، قصص كتبها أصحابها أو عن أصحابها، كما وصلت الناقد عادل الأسطة من داخل تجربة سكان قطاع غزّة، وللناقد صبحي حديدي «سرديات الطوفان، غزة المعمدان وصهيون الإبادة»، وهي مقالات تجمع بين السياسة والأدب، محورها الطوفان.
وللشاعر المتوكل طه «دم النار.. توقيعات على جدران غزة»، وهي نصوص بين شعرية ونثرية قصصيّة.
عاطف أبو سيف كتب نصوصاً عن 86 يوماً، وهي المدّة التي عاشها في القطاع منذ بدء الحرب حتى خروجه منه.
«الوصايا»، حرّرته ريم غنايم، وهو نصوص بمشاركة سبعة عشر كاتباً.
«عشر جذوات في حلكة الإبادة» لحنين صوفان، وهي فلسطينية إيطالية.
ولمصطفى بكري «الطوفان.. حقائق الواقع وسيناريوهات المستقبل»، وهي تحليلاته.
قد يكون هنالك إصدار أو أكثر لم أنتبه إليه، لكنها على أي حال لا تتجاوز العشرة كتب.
بلا شك أن هنالك آلاف المقالات التي كُتبت خلال هذه الحرب والتي لم تجمع بعد في كتب.
أتوقّع أن تكون الكتابة الإبداعية حول هذه الحرب قليلة، فالإبداع هو خلق شيء من لا شيء، وفي واقع قطاع غزة سيكون الجهد الأدبي الأسمى هو في قدرة الكتّاب على نقل ما حدث في الواقع من مصادره الأولى، أي من الشّخصيات التي عاشت التجربة الفريدة تاريخياً بكل أبعادها وبما يحيط بها، من البشر والتاريخ والجغرافيا وغيرها.
من المستحيل أن تحيط آلاف الرّوايات والقصائد أو المواضيع الإنشائية والفذلكات الكلامية بما جرى ويجري، لأنّ ما حدث ومازال يحدث يتفوّق على الخيال، وعلى الإبداع.
سيقف الإبداع عاجزاً أمام طفل يحتضر جوعاً، أو أم تودع اثنين أو ثلاثة من أبنائها، وأمام صحافي ينقل نبأ استشهاد أبناء أسرته، أو طاقم طبي أو إسعاف جرى دفنه حيّاً بواسطة جرافة عملاقة، ورجل أو طفل بقي تحت حيّاً الأنقاض يوماً أو أكثر أو حتى ساعات، يتطلب رواية قد تحيط أو لا تحيط بما يمكن أن يكون قد مرَّ عليه. ولا يستطيع الإبداع أن يصل بالفعل إلا بشهادة من مرّ التجربة في ذاته، وأن تكون لديه قدرة على التعبير وحساسية للصغيرة قبل الكبيرة.
أعتقد أن الدور الأساسي للتعبير عما جرى وما زال يجري هو التوثيق، وجمع شهادات الناس الذين عاشوا ويعيشون داخل القطاع، في بيوتهم التي بقيت أو التي هدمت، وفي تنقلاتهم وترحيلهم القسْري، وممن رأى كيف تحاصر الحياة وتخنق وتقتل وينكل بها.
الأكثرية التي مرت بالتجربة تعجز عن التعبير، وترى في التفاصيل الصغيرة أموراً هامشية أمام هول الأحداث، وفي الحقيقة أن التفاصيل الصغيرة هي التي يمكن أن تحوّل الوثائقي وما يراه الجميع على السَّطح وفي العين المجرّدة إلى عمل إبداعي أدبي عميق وباقٍ لأجيال قادمة.
سيكون للأفلام الوثائقية دورٌ كبير، ولكنها لن تفلح في جمع أكثر من جزء بسيط مما حدث ويحدث على أرض الواقع، حيث ينعدم تصوير ما حدث في كل بقعة وبقعة، وفي كل مبنى ومبنى، وشارع وآخر، ومؤسسة وأخرى، وفي مواقع الأسر وما يجري فيها من تنكيل وتجويع واغتصاب وقتل للأسرى.
عادة ما يتناول المبدع حدثاً بسيطاً يطوّره وينطلق منه إلى بناء شخصيات روايته أو قصّته.
في قطاع غزّة، هناك ملايين الأحداث التي يصلح كل واحد منها بمفرده ليكون كتاباً، في كل شخص عادي توجد رواية وأكثر، فما بالك بمن مرّوا بهذه التجربة الفريدة تاريخياً، ولكل فرد منهم شخصيته ورؤيته في مدى تأثره وإحساسه بما يجري معه ومع من حوله.
بعض من يكتبون هم من المعروفين بممارسة الكتابة من قبل الحرب، وبعضهم مجهولون يكتبون من غير سابق تجربة في الكتابة الأدبية، بعضهن ربّات منزل لم ينشرن شيئاً من قبل، ولكن اللافت هو أهمية ما يكتبن ونكهته الأدبية الرّاقية من غير تكلّف؛ لأنّهن يكتبن ببساطة عن تفاصيل يومية يعشنها في ظل ما يجري من أحداث هائلة، وعن تجربة شخصية من غير زيادات ولا فذلكات إنشائية، ومن غير تحيّز لجهة ضد جهة، ولا إضافات «إبداعية» لما يحدث، لأنّ ما حدث ويحدث يكفي ويزيد عن حاجة الإبداع.
هل سيأتي طوفان الكتابة بعد هذه الحرب؟ فما زالت أجيال من الفلسطينيين والعرب تكتب عن نكبة الـ 48 ولم تستنفد الكتابة عنها بعد، لأنّ تداعياتها ما زالت مستمرّة، وما حرب هذه الأيام في قطاع غزة وجنوب لبنان وتدخّل اليمن سوى تداعيات النكبة الأولى وما تلاها من حروب لها تداعياتها هي الأخرى، بحيث لا يمكن فصل أولها عن آخرها.
حسب ملحق صحيفة هآرتس الثقافي، فقد نشر الإسرائيليون حتى الآن ثلاثة وثمانين كتاباً تناولت أحداث السابع من أكتوبر 2023 وذلك حتى آخر مايو/أيار الأخير، وقد تصل إلى أكثر من مئة كتاب بحلول الذكرى الأولى لهذه الحرب.
بعضها شهادات ممن عاشوا السّاعات الأولى من هجوم السابع من أكتوبر، وبعضها توجيهية وإرشادات نفسية للأهالي كيف يتعاملون مع الحدث وكيف يشرحون لأطفالهم ما جرى ويجري.
ثم صدرت كتب تحوي ألبومات صور تناولت السابع من أكتوبر، ووثائق سياسية ومواقف وغيرها، تبعها نصوص أدبية وشعرية.
إذا كان الإسرائيليون من دولة الاحتلال قد كتبوا وسوف يكتبون هذه الكميات من الكتب، فعلى الجانب الفلسطيني والعربي أن يكتب أكثر من مليوني كتاب في البحث والرواية والتوثيق، ومن جميع الأصناف الأدبية، كل فرد من أبناء قطاع غزة هو رواية وأكثر.
سوف تتواصل الكتابة عن هذه الحرب، لقرن وأكثر، وبلا شك أنّ أطفال اليوم في غزة الذين بقوا على قيد الحياة وفقدوا بيوتهم أو ذويهم أو أحد أفراد أسرهم أو زملائهم في الدراسة، ومن عاشوا في الخيام أو في مراكز الإيواء، ومن لجأوا في أماكن ظنوا أنها آمنة، ومن لم يجدوا شيكلاً واحداً في جيوبهم، أو لقمة خبز في بيوتهم، وشربة ماء، سيكون لديهم الكثير مما يقولونه ويبدعونه في المستقبل القريب والبعيد.

1