أحدث الأخبار
الخميس 12 كانون أول/ديسمبر 2024
لقد جُنّ العالم: خطوط المواجهة تتمدد!!
بقلم : ندى حطيط ... 06.12.2024

ملخص نشرات الأخبار على تلفزيونات الكوكب: لقد جن العالم!
حرب في أوكرانيا تتصاعد لحظياً وتقترب من حافة كارثة نووية، قوات كوريا الشمالية تدخل الحرب في مقاطعة كورسك التي تحتلها قوات أوكرانية، هجوم للمعارضة في شمال سوريا بعد سنوات من اتفاق خفض التصعيد، اتفاق هش لإطلاق النار في لبنان وفرص يومية متكررة لاستدعاء الحرب مجدداً، جورجيا على أعتاب ثورة ملونة أخرى، انتخابات شديدة الاستقطاب عبر شرق أوروبا في مولدوفا وبلغاريا ورومانيا، صدام انقلابي في سيؤل بين الرئيس (والجيش) والبرلمان تم تداركه في اللحظات الأخيرة، حروب بالوكالة في السودان وعبر الصحراء ضد حكومات غرب أفريقيا، حكومات برلين وباريس سقطت أو في حكم الساقطة، فيما البريطانيون يجمعون التواقيع لمطالبة البرلمان بإجراء انتخابات مبكرة!
بالطبع يمكن دائماً قراءة كل من هذه الأحداث وِفق منظورها المحليّ الضيق، والغرق في تفاصيل تطوراتها اللحظية بالاستفادة من التغطية التلفزيونية المستمرة طوال 24 ساعة في اليوم. على أن مستوى التحليل ذاك يغفل حقيقة أن هذا العالم أصبح بشكل متزايد وحدة واحدة، وأن الأشياء لا تحدث في بعض الأنحاء بمعزل عن الأنحاء الأخرى، بل وربما تكون أقرب إلى ارتدادات زلزالية لأحداث وقعت في جهة أخرى، ناهيك عن أن الإمبراطورية الأمريكيّة، دولة العالم الأعظم، ومركز عصب منظومة العالم الرأسمالي لا تخفي جبروتها ولا تعتذر عن دفع مصالحها، بمطلق القوة الصريحة، أو بالنفوذ من وراء الحجرات، أو عبر الوكلاء.
إدارة ديمقراطية بلا قيود حتى يصل ترامب
تلقى (الديمقراطيون) في الولايات المتحدة هزيمة نكراء في الانتخابات الرئاسيّة، وفشلوا فشلاً ذريعاً في وقف صعود المد الترامبي. الرئيس دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض مجدداً، لا يحمل أجندة محددة بشأن ملفات محلية ودولية مغايرة لكل توجهات الديمقراطيين طوال سنوات بايدن الأربع فحسب، وإنما أيضاً تتملكه شهوة صريحة للانتقام الشخصي وتصفية الحسابات مع كل من حاربه بينما كان في ولايته الأولى (2016-2020)، وكل من تآمر لإرساله إلى السجن ومنعه من معاقرة السياسة.
ومع تردي الحالة العقلية للرئيس الديمقراطي جو بايدن لدرجة الإحراج، فإن المتطرفين في الإدارة الأمريكيّة منتهية الصلاحيّة عازمون في ما يبدو على استباق الانتقام الترامبي من خلال تسليم الإدارة الجمهورية المقبلة مقاليد السلطة مرفقة سلسلة مديدة من كرات اللهب القابلة للانفجار، والتي لن يسهل إطفاؤها لا سيما وأن الطاقم الجديد سيحتاج لعدة أسابيع على الأقل، إن لم تكن أشهراً، قبل أن يتمكن من إمساك الملفات بفعالية.
الهدف: روسيا
يضع كثيرٌ من الخبراء الصين في موضع العدو الاستراتيجي الأساس للولايات المتحدة، على أن ذلك وإن كان صحيحاً على المدى الطويل، فالواقع يشير إلى مكان آخر تماماً، نحو روسيا – وريثة الاتحاد السوفياتي – التي ما تزال، وستبقى في المدى القريب والمتوسط، التحدي الأكبر للولايات المتحدة.
وهذا ليس مرتبطاً فقط بامتلاك روسيا لأكبر ترسانة نووية في العالم متفوقة بذلك على الولايات المتحدة ذاتها، وقدراتها التكنولوجية الموازية أو المقاربة لما يتوفر عليه الغرب، وإنما أيضاً لاستمرار الاقتصاد الروسي بالازدهار بمعزل عن الاقتصاد الأمريكي، في وقت يعتمد فيه الاقتصاد الصيني بشكل أساسي على الأسواق الغربية وفي مقدمتها سوق الولايات المتحدة.
ولعل نظرة كليّة لمضامين كرات اللهب التي أوقدها الديمقراطيون في وجه ترامب تؤكد ذلك: في أوكرانيا حرب صريحة بأسلحة أكثر فتكاً مع تصريح لحكومة كييف باستخدام صواريخ طويلة المدى لضرب العمق الروسي، وحتى عندما جنح الرئيس الأوكراني للسلام وتقبل مبدأ فقدانه لثلث أراضيه، فهو فعل ذلك شريطة ضمّ أوكرانيا لحلف الناتو – وهو الهدف الأمريكي المبيت وراء كل الصراع هناك، وفي سوريا فإن الحملة المفاجئة لاجتياح حلب قوضت، ليس فقط هيبة ما تبقى من النظام السوريّ حليف موسكو، ولكن أيضاً مكانة روسيا في شرق المتوسط وسمعتها كلاعب عالمي، وفي جورجيا فإن سلطتها التي لا ترغب في معاداة روسيا تتعرض لضغوط أشبه بثورة ملونة بذات السيناريو الذي اعتمد لإسقاط النظام الأوكراني السابق واستبداله بنظام موال للغرب، فيما تجيّش الولايات المتحدة كل نفوذها في أوروبا لمنع وصول مرشح متعاطف مع روسيا لمنصب الرئاسة في رومانيا، تماماً كما فعلت في مولدافيا قبل أسابيع عندما ضغطت للتجديد بشق الأنفس لرئيسة معادية لروسيا. وفي الصحراء الأفريقية، عادت تنظيمات الإسلام السياسي مدججّة بأسلحة متطورة لتنشط مرة أخرى ضد القوات الروسية ومقاولي فاغنر في المنطقة.
اليوم التالي: داونا بها يا ترامب!
يتأمل الديمقراطيون بأن كل هذا الضغط الصاعق متعدد النقاط على أعصاب روسيا سيدفعها إلى رد فعل مبالغ به هنا أو هناك، حتى لا يعود ممكناً لإدارة ترامب إصلاح الأمور. إذ يمكن أن تنزلق روسيا إلى رفع سوية السلاح المستخدم ضد أوكرانيا إلى حدود السلاح النووي التكتيكي، أو تقرر الدفاع عن النظام السوري مع خطر الاشتباك مع تركيا الدولة العضو في حلف الناتو، التي تدعم المعارضين السوريين، أو تنتهي إلى تجديد غزوها لجورجيا مرة أخرى كما في 2008 إن سقط النظام هناك في يد المعارضة، وكلها خيارات صعبة لا يمتلك صانع القرار الروسي إزاءها إلا الصدق والصبر كما تقول العرب.
ولذلك فإن الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستكون شديدة التأزم، وقابلة للتطور في الاتجاهات كافة، دون مقدمات طويلة، لدرجة أن العالم المخنوق بات يحلم بيوم 20 كانون الثاني/ يناير المقبل – يوم تسلم ترامب الانعزالي مقاليد السلطة رسمياً – وكأنه حفل كريسماس – عيد الميلاد – وقد تأجل خمسة وعشرين يوماً.
وإلى ذلك اليوم، فستكون الأوضاع عصيبة على الجميع، وبانتظار مرورها سنقبع في دهاليز الأحداث في محاولة شاقّة لالتقاط نبض الحقائق من بين تناقضات الشاشات المسيسّة.

1