أحدث الأخبار
الاثنين 10 شباط/فبراير 2025
غزّة ليست عقاراً لآل ترامب!!
بقلم : لميس أندوني ... 10.02.2025

إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عزمه على تحويل غزّة إلى مشروع عقاري خطوة صادمة، لكنها ليست مفاجئة تماماً، فقد نبّهت إليها في مقال في "العربي الجديد"، نشر في 26/3/2024، بعد دعوة صهر الرئيس، جاريد كوشنر، إلى إنشاء منتجعات سياحية على ساحل غزّة بعد "تطهيرها"، إذ كان واضحاً أنَّ خططاً كانت تعدّ لغزّة "لتطهيرها عرقياً" وتفريغها من السكان. ولا يعني هذا أن ترامب سينجح في خطته، لكنه وحلفاءه من المليارديرات، سيستفيدون من "إعادة إعمار غزة"، بعد طرد أهلها، ولو جزئياً، ومنع أي نوع من التجمّع الفلسطيني من النهوض على أرضها. وقبل المباشرة بتنفيذ أي مخطّط رأسمالي استعماري في غزّة، سيلجأ ترامب والمراكز الصهيونية في واشنطن إلى ابتزاز الدول العربية للدخول في اتفاقيات تطبيع تحالفي على نسق المعاهدات الإبراهمية، وللقبول بترتبيات تضمن سيطرة إسرائيل على القطاع والضفة الغربية، أي: حل نهائي ينهي حقوق الفلسطينيين القانونية والتاريخية والوطنية.
ولذا، انبرى المسؤول السابق في عدة إدارات أميركية سابقة، دينيس روس، عبر حسابه على منصة إكس، وأعلن تحدّيه الدول العربية بتقديم بديل لخطّة ترامب التي رفضتها معظم الدول. وبذلك رمى الكرة في ملعب الدول العربية حتى تشارك في تفريغ غزّة، ولو جزئياً، من أهلها، ولتقديم ضماناتٍ بل مشاركة عربية للسيطرة على ما يتبقى من سكان غزّة لعزلهم عن بقية الشعب، ما يسمح بإعادة بناء المستوطات اليهودية فيها وإقامة مشاريع عقارية مفتوحة لجميع أصحاب الملايين الذين يقبلون المشاركة في إنهاء القضية الفلسطينية والتطهير العرقي للفلسطينيين، فاللوبيات الصهيونية في واشنطن تجد فرصة في تحالف ترامب مع أصحاب رؤوس الأموال الأضخم في العالم، بشرط استمرار المشروع الاستيطاني الصهيوني، فالحديث في العاصمة الأميركية، وبخاصة في اجتماعت معهد واشنطن لأبحاث الشرق الآدنى، وهو معقل الصهيونية الأهم، عن ضرورة دفع ترامب إلى التسريع في اتفاق "سلام مع السعودية"، تهيئة لاتفاقيتين مماثلتين مع لبنان وسورية. أي انتهاز فرصة انهيار حزب الله قوة مؤثرة، ووجود نظام جديد في دمشق ينشد القبول الدولي، لإدخال البلدين في اتفاقيات مع إسرائيل، تشترط قبول المطالب الأمنية الإسرائيلية في لبنان، واستبعاد حزب الله من أي تشكيلة حكومية، وقبول حكام دمشق الجدد بضم إسرائيل الجولان المحتل ومناطق أخرى من سورية إلى إسرائيل. أي من المتوقع أن نسمع ما سمعناه عشية توقيع اتفاقية إبراهيمية مع الإمارات، عن تعهد إسرائيلي بتأجيل ضم المستوطنات مقابل هذا التطبيع، فلم يكن التعهد مشكلة لإسرائيل التي استمرّت في توسيع المستوطنات، بل ازدادت شراسة هجمات المستوطنين والجيش على قرى الضفة الغربية ومدنها تحت قيادة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ودعم كامل من نتنياهو، بهدف معلن، هو التهجير القسري للفلسطينيين إلى الأردن تحت مسمّى "الترانسفير"، أي الاسم الألطف لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم.
وعليه، فإن تصريحات سموتريتش ونتنياهو، بعد أن بدا الأخير متفاجئاً في المؤتمر الصحافي المشترك مع ترامب، ليست ترحيباً باقتراح تسليم قطاع غزّة لأميركا، بل بوصفها مدخلاً لتفريغ قطاع غزة والتغطية، بل والتهيئة النفسية والإعلامية، للتهجير وزيادة رقعة المستوطنات في الضفة الغربية. فعين نتنياهو هي على الضفة الغربية وفرض القدس "الموحدة" عاصمة أبدية لإسرائيل. إذ لم يبد على وجه نتنياهو أنه أخذ اقتراح ترامب الجنوني، نقل مليون ونصف مليون من أهالي غزّة إلى الأردن ومصر، وتحويل القطاع مشروعاً عقارياً، ممكن التحقيق. لكنه رأى فيه دعماً أميركياً، وإن لم يتحوّل إلى سياسة أميركية رسمية بتهجير الفلسطينيين من غزّة والضفة العربية، إضافة إلى شرعنة النكبة وتشريد الشعب الفلسطيني من بلاده بمواجهة الرأي العام العالمي والأميركي، فكلمات رئيسٍ لدولة، مثل أميركا، تصبح تدريجياً جزءاً من الوعي الشعبي، وتدخِل المفردات ذاتها في الاستعمال اليومي، بغضّ النظر عن شرعيتها القانونية أو الأخلاقية. لكن مقترح ترامب يشكل أيضاً فرصة للدول العربية، وبخاصة دول الطوق، والسعودية إذا استمر موقفها الرافض التطبيع الرسمي مع إسرائيل، لأن تتحدّى ترامب، مستفيدة من مناخ الرفض التهكمي العالمي لخطته، ودخوله في معارك مع معظم الدول الحليفة والعدوة. إذ لا يمكن لأي دولة تأييد كلام ترامب، فهو سرقة علنية تذكّر بوعد بلفور بوطن قومي لليهود في فلسطين، لكنها أكثر وضوحاً في التعامل مع غزّة كعقاب تملكه إسرائيل، وتطالب أميركا بنقل ملكيته إليها، لكنه تصرّف معروف بين كبار تجار العقارات غير الأخلاقيين، بالاستيلاء على أراض وعقارات وتهديد سكانها، لدفعهم إلى الرحيل لبناء مشاريع أكثر ربحاً تحت مسمّى التطوير.
**التعامل مع غزّة بشكل علني أرضاً عقارية مباحة لنقل الملكية والشراء والبيع، وبكلمات فجّة وواضحة، لا يمكن أن يلقى قبولاً دولياً، ما يسهل ويقوي موقف العرب الرافض تهجير الفلسطينيين، خصوصاً أنه تهديد لاستقرار الأردن ووجوده، وهذا في ذاته تهديد لاستقرار العالم العربي.
الأجدى دعم أهل غزّة ومعاونتهم في إعادة البناء لضمان عودتهم إلى بيوتهم، والموقف البديل لا تسمية أخرى له سوى الخيانة
وبدا واضحاً أن تصريح وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الذي جاء رداً مغلفاً نوعاً ما، على تصريحات ترامب، بأن "حل القضية الفلسطينية في فلسطين والأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين"، يبين استشعار الأردن حجم الخطر والضرر الذي تلحقه تصريحات ترامب التي لم ترقَ إلى أن تشكل خطة واضحة المعالم بعد. وقد جاء تصريح الصفدي قبيل مباحثات مكثفة أجراها الملك مع قادة السعودية ومصر والسلطة الفلسطينية ودول أخرى، وعشية لقائه المزمع بعد غدٍ الثلاثاء مع ترامب، ويُتوقع فيه أن يعيد فيها الملك التأكيد والتشديد على أن بلاده لا تقبل بهذا التهديد الوجودي للدولة الأردنية وللعرش، وبتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن والفلسطينيين معاً. وسيكون موقف الملك مستنداً إلى تأييد عربي، حصل عليه في اتصالاته العربية، وكذا في البيان السداسي العربي، بتأكيد موقف بلاده الرافض أي مخطّط لتهجير الغزّيين أو فلسطينيي الضفة الغربية من أرضهم. وهو الموقف الذي أبلغته عمّان لإدارة الرئيس السابق جو بايدن العام الماضي.
صحيح أن ترامب لا يهتم بالقانون الدولي الذي يمنع طرد السكان الأصليين، أو نقل سكان من الخارج إلى مناطق محتلة، لتنفيذ مشاريع تتيح لإسرائيل بناء مستوطنات "عصرية". لكن تصرفه كرجل عصابات أمام العالم، خصوصاً أنه يستعمل الأسلوب نفسه مع باقي الدول، يُسقط أي مبرّرات قد تسوقها دول أو مسؤولون لتبرير جبنهم، فرفض هذا المقترح غير العقلاني ليس صعباً، إلا إذا رأت دول عربية أن تشارك في الجريمة.
أملنا الأقوى في صمود أهل غزّة الذين يحمون العالم العربي من إسرائيل، فالأجدى دعمهم ومعاونتهم في إعادة البناء لضمان عودتهم إلى بيوتهم، ولا تسمية أخرى للموقف البديل سوى الخيانة.

1