أحدث الأخبار
السبت 09 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
هاشم الشعباني: شاعر وشهيد عربستان!!
بقلم : د.خالد الحروب ... 06.03.2014

كلما كتب الأحوازيون شعراً تحسس غلاظ الحرس الثوري الإيراني مسدساتهم، في استنساخ ملخص لسيرة غوبلز الهتلري مع مثقفي ألمانيا خلال الحقبة النازية. وكلما أنتج عرب الأحواز شعر غزل يغني للحرية والكرامة، توترت طهران وملاليها وأرسلوا مصفحات جديدة لتقصف أبيات الشعر وتغتال القوافي. قبل خمسة أسابيع، وفي مكان سري لم يُعلن عنه، أعدم ملالي طهران الشاعر الأحوازي الشاب هاشم الشعباني وهو لم يتجاوز اثنين وثلاثين ربيعاً، ومعه رفيقه الحقوقي والمثقف هادي رشيدي. هاشم الغارق في الحلم بالانعتاق وتحرير مساحات الحرية للناس في عربستان، كتب بدمه آخر قصيدة من سجنه. كلماته الحرة، بالعربية والفارسية، تطارد قاتليه وتزرع في هضاب الأحواز وعلى ضفاف نهر كارون ورداً أحمر.
هاشم الشعباني فرد من شعب عربي كبير يعيش في منطقة شرق الخليج العربي، أقل التقديرات تقول بأن عددهم خمسة ملايين وبعضها يصل إلى 12 مليوناً. كما تختلف التقديرات حول المساحة بحسب أي المناطق تُعتبر ضمن عربستان. فالتقديرات الإيرانية الرسمية والتي تقلل مساحة المنطقة إلى أقل ما يمكن، تقول إنها لا تتجاوز 65 ألف كيلومتر مربع، بينما تقديرات الأحوازيين أنفسهم تضم مناطق أخرى وتصل بالرقم إلى أكثر من ثلاثمائة كيلومتر مربع. حديث الأرقام هذا يخبرنا بضخامة قضية الأحواز وبنجاح ملالي إيران في طمسها وإبقائها في الظل، مقابل تسليط الضوء على «المظالم» والقضايا التي تريد طهران إشعالها في الجوار ثم استثمارها لمد النفوذ والتأثير. تاريخياً، امتدت مملكة عربستان مستقلة في شرق الخليج على مدى عدة قرون وتم القضاء عليها سنة 1925، حيث تم ضمها إلى إيران، وتغيير اسمها إلى محافظة خوزستان. والمفارقة التاريخية أن اسم عربستان كانت قد أطلقته الدولة الصفوية على المنطقة معترفة بأنها منطقة عربية وسكانها عرب.
الشعباني ورفيقه الرشيدي ليسا وحيدين في قافلة المُغتالين على يد قضاة جدانوف في طهران الذين أصدروا الحكم مشفوعاً بتهم «الفساد في الأرض» ومعارضة «قدسية ولاية الفقيه»، ليدخلا قائمة طويلة ضمت عشرات المثقفين والشعراء والكتاب الأحوازيين الذين طالبوا بالحرية لشعبهم، وبالحقوق التي تقرها شرائع البشر للناس والأفراد. ليس مهماً بالنسبة لملالي طهران أن ثلث الأحوازيين شيعة، المهم والمقلق والمرفوض أنهم عرب، لهذا تنفلت آليات التنكيل والقمع والاضطهاد. تستثمر الاستراتيجية الإيرانية أوضاع الشيعة العرب وتزعم الحرص على مصالحهم في كل أرجاء المنطقة، فتثير الاضطرابات ونزعات التقسيم، بينما هي تقتل شيعتها العرب وتدوس على حقوقهم.
إيران الغارقة في القومية الفارسية حتى الثمالة توظف الشعارات الإسلامية والشيعية لتخترق المنطقة العربية، مرة دفاعاً عن «مرقد السيدة زينب» في سوريا، ومرة في البحرين، وثالثة في المنطقة الشرقية بالسعودية. لكن ذلك التدخل لا علاقة له بالدين ولا بالتشيع ولا بالانتصار للمظلومين، بل جوهره الحقيقي قومي فارسي وإمبراطوري خفي لمد السيطرة والنفوذ على منطقة الخليج والمشرق العربي. في ذروة الثورة الخمينية وعندما كانت متلحفة بالإسلام، طرح أحدهم تسمية الخليج بـ«الخليج الإسلامي»، لكن إيران رفضت بقوة وتمسكت بوصف «الخليج الفارسي». من حق إيران أن تكون فارسية أو ما تريد، لكن ليس من حقها فرض قوميتها على ملايين العرب، كما لم يكن من حق العراق فرض القومية العربية على أكراده. وليس من حق إيران أيضاً أن تتدثر بالدين وشعاراته لتمرر مشروعاً قومياً مليئاً بأحلام النفوذ والسيطرة.
تتمدد إيران قومياً واستراتيجياً في قلب المنطقة العربية ويتحمل المسؤولية التاريخية أولئك الذين فاتهم درس ابن المقفع (الفارسي المسلم) في قصة كليلة ودمنة ومن أُكل يوم أكل الثور الأبيض.
الذين يقفون إلى جانب إيران في المنطقة يوفرون لها جسر العبور الذي ما أن تقطعه حتى تتمسك بما بعده. تعتمد القومية الإيرانية في انطلاقتها نحو قلب المنطقة العربية على رافعتين أيديولوجيتين، هما شعار الدين وشعار المقاومة. لكن كلا من الشعارين عند تمحيصه يتبدى خاوياً. إسلاموية إيران خليط من الشيعية السياسية والقومية الفارسية المعادية للعرب.
تتمدد القومية الإيرانية الفارسية بكل قوة في ظرف تاريخي تعاني فيه القومية العربية من ضياع وتمزق كبيرين ولا تستطيع مجابهة الهجوم القومي الفارسي المُتستر تحت شعاري الدين والمقاومة. أما الإسلاموية الحركية العربية فتعاني هي أيضاً من ضعف داخلي لا يؤهلها للوقوف في وجه إيران وتمددها.
إعدام الشعباني، الوطني الأحوازي، يذكرنا بجذر المشكلة مع إيران. هاشم يعتز بكونه إيرانياً، لكنه يفرق بين الإيرانية والفارسية، ليس له ولاء إلا للأحواز وعربستان. قاتل بضراوة ضد صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم عارض ملالي إيران، سياسياً وثقافياً وحقوقياً. لا يمكن لأحد اتهامه بـ«العمالة» والولاء للخارج. كان ولاؤه وانغماسه للداخل، للأحواز التي ذاب عشقاً فيها ونطق بجمالها في أشعاره لنهر كارون الذي تغنى به، لزوجته وطفله، لأناسه الذين رقوه إلى مرتبة قديس وكان لا يزال طفلا صغيراً. من سجنه وقبل إعدامه هرّب هاشم الشعباني آخر قصائده. كتب يقول: «سبعة أسباب تكفي لأموت. لسبعة أيام وهم يصرخون بي: أنت تشن حرباً على الإله! في السبت قالوا: لأنك عربي. في الأحد قالوا: حسناً، إنك من الأحواز. في الإثنين: تذكر أنك إيراني. في الثلاثاء: أنت سخرت من الثورة المقدسة. في الأربعاء: ألم ترفع صوتك على الآخرين! في الخميس: أنت شاعر ومغن. في الجمعة: أنت رجل، ألا يكفي كل هذا لتموت؟»

1