من علم الطير الحذر بالكاد ليس فطرة الله وحدها، إلا أنه المكان حين يزف الخوف والارتقاب، لكن تجلي فكرة الحذر عند الطيور لدى الكاتب الفلسطيني ابراهيم نصرالله المختزل لصنوف الابداع الفني والأدبي في مشاهد الحذر المغرد مع الطيور خرجت من عبق البراءة الطفولية لدى اطفال المخيم الفلسطيني في روايته “طيور الحذر” ضمن مشروعه المستمر “الملهاة الفلسطينية”.
الروائي نصر الله عرض مقتطفات واضاءات أدبية من رواياته الست التي يحتويها مشروعه «الملهاة الفلسطينية»، في جولة سريعة وقصيرة كانت مليئة بالحديث الذي لا يعرفه قطاع فلسطيني كبير عن فلسطين التاريخية وما قبل النكبة وخلالها، امام جمهور ظل صامتا ليستمع ويذهل لما يصل الى مسامعه من معلومات و حكايا نصراوية ان شئنا التعبير، فجمهور منتدى موطني في عمان اراد من نصر الله ان يربط بين النكبة وتجلياتها في رواياته السبعة التي بدأ كتابتها منذ ضمن مشروع الملهاة الفلسطينية عام 1985، إذ كشف نصر الله في حديثه عن تفاصيل الكتابة الأدبية للمقاومة والنكبة الفلسطينية عن خطورة الضعف في الاهتمام والكتابة عن الذاكرة الفلسطينية على عكس الهولوكوست الصهيوني، إذ قال إن الأدب المقاوم الذي ولد عام 1948 أي من عمق فلسطين التاريخية، لم يكتب ربع ما كتبه العدو عن الهولوكوست وبذاكرة جمعية واسعة الاهتمام.
اللقاء الذي روس ندوة الكاتب بعنوان «تجليات النكبة في مشروع الملهاة الفلسطينية»، تحول مجرى الحديث فيه عن أن 29 عاما منذ بدء الكتابة للملهاة يحتاج إلى أكثر من 29 جلسة تفصيلية تصف التجهيز الذهني والمادي من حيث المكتبة الخاصة التي صممت لجمع تاريخ الخيول البيضاء في زمن اندثرت عنه معالم التذكر والذاكرة.نصر الله قال خلال الحوار الذي دار بينه وبين الضيوف، أن أي خطأ تاريخي يضعف الإقبال على قراءة الرواية، فالفلسطيني الذي يبلغ عمره تسعين عاما قد يقرأ تاريخ فلسطين في احدى الروايات ولا يقتنع بالصورة المكتوبة، لذا فإن التاريخ عنصر أساسي للكتابة الحقيقية والواقعية. الذي قتلك في المساء ليحتل صبحا مكانك.. شاب ولم يزل عاجزا ان يمتطي حبيبي حصانك. بهذه الرباعية الشعرية يصف نصر الله لجمهوره ومن خلال اضاءاته النكبوية على شعب تهجر إلى مناف عديدة، حجم الاحتلال والتعدي من قبل العدو وتأثيره في الشعب الفلسطيني كي ينسى، فهو رسم شخصية في رواية «أعراس آمنة» شخصية رغدة التي كانت تخاطب غسان كنفاني قائلة له «أتعرف يا غسان.. ما مصير الحكايات التي لا نكتبها.. انها تصبح ملكا لأعدائنا».
فالكاتب يتفق تماما مع المبدأ الأساس في أن ترسيخ الذاكرة الفلسطينية وتناقلها مثبتة على الورق هو النصر الأساس على العدو إذ إن الحرب هي حرب ذاكرة. ومن خلال حديثه عن رواياته التي تقدم سلسلة مشروع متكامل بين التاريخ والجغرافيا والأدب، يسقط نصر الله الضوء على زاوية خطرة، عندما شرع في تفسير فردية الذاكرة الأدبية الفلسطينية، إلى اسباب الكتابة تحت رقابة التنظيمات الفلسطينية منذ زمن طويل، فهو يدعم الكتابة باستقلالية لأنها تعطي الكاتب حرية الكتابة عن نقاط واسعة في حياة الوطن وعن نقاط الضعف تحديدا، وأبرز مقال على ذلك حسب نصر هو ظاهر العمر الزيداني الذي لم يكتب عنه أحد وكيف أنه كان سببا في تراجع الحكم الفلسطيني في فترة حكمه.
مايسترو النكبة والمقاومة الذي يعزف مقطوعته في زقاق فلسطين وحقولها كحارس المدينة الضائعة يحاول ترميم ما تبقى من جراح المنفى لكي لا يتحقق قول الصهيوني بن غوريون «سيموت كبارهم وسينسى صغارهم». وقال نصر الله لـ «العرب اليوم» ان ما جعله يكتب المشروع هو ان يبحث عن مادة أدبية تفاجئ من يعرف فلسطين ليكتشف انه يعرف عنها القليل سواء على صعيد الأدب والأدباء المبدعين من فلسطين أو على صعيد التاريخ الفلسطيني وتكذيب الرواية الصهيونية. ويضيف نصر الله «الحرب هي فعلا هي فعلا حرب ذاكرة، نحن نخوضها اليوم واعتقد انه في واقع عربي ضخم كثيف لحد كبير يصبح التذكر مسألة كبرى لانه في النسيان لا وجود للاعداء. واعتقد ان النسيان شكل من اشكال الموت السريري للذين يريدون ان يفرضوه علينا. بشتى الطرق سواء بتقليم اظافر الذاكرة او بابتلاع اعين الذاكرة».
إبراهيم نصر الله، كاتب وشاعر وأديب من مواليد عمّان، الأردن، عام 1954م من أبوين فلسطينيين، هُجِّرا من أرضهما في قريةالبريج «فلسطين»،28 كم غربي القدس عام 1948م، يعتبر اليوم واحدا من أكثر الكتاب العرب تأثيرا وانتشارا، حيث تتوالى الطبعات الجديدة من كتبه سنويا، محققة حضورا بارزا لدى القارئ العربي والناقد أيضا، ومن اللافت هذا الإقبال الكبير من فئة الشباب على رواياته وأشعاره، كما تحظى أعماله بترجمات إلى لغات مختلفة، وإلى ذلك الكتب النقدية الصادرة عن تجربته، ورسائل الماجستير والدكتوراة المكرسة لدراسة انتاجه في الجامعات العربية والأجنبية. درس نصر الله في مدارس وكالة الغوث في مخيم الوحدات، حصل على دبلوم تربية وعلم نفس من مركز تدريب عمان لإعداد المعلمين في عمان عام 1976م.
في روايته السابعة في مشروع الملهاة الفلسطينية يواصل إبراهيم نصر الله (قناديل ملك الجليل)، وتتناول الرواية فترة مجهولة إلى حد كبير، لكنها مهمة في التاريخ العربي، وما قام به القائد ظاهر العمر الزيداني لتأسيس دولة وطنية مستقلة في فلسطين، تغطي فترة زمنية واسعة ممتدة من عام 1689 حتى عام 1775، وهي الفترة ذاتها التي شهدت ميلاد ورحيل هذا القائد الذي اتصفت فترة حكمه بالعدل والتسامح ونشر الأمن، والتجاء كثير من الفئات الاجتماعية المضطهدة إلى المدن التي كانت تحت سيطرته، مثل عكا وحيفا والناصرة وطبرية وسواها، ونمو التجارة والزراعة وإقامة العلاقات الدبلوماسية مع كثير من دول العالم، وتدور أحداث الرواية في فلسطين والأردن وسورية ولبنان ومصر واسطنبول.
و صدر في السلسة ذاتها زمن الخيول البيضاء ،طفل الممحاة، طيور الحذر، زيتون الشوارع، أعراس آمنة وتحت شمس الضحى، كما يشار لسلسل أخرى من أعمال نصر الله الشعرية والروائية والفوتوغرافية أيضا، نالت العديد من الجوائز وترجم عدد منها إلى لغات كثيرة.
“طيور الحذر” لإبراهيم نصر ألله وتأريخ الملهاة الفلسطينية!!
بقلم : الديار ... 31.05.2014