أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الفيلم الأمريكي «انعتاق»: العبودية في رحلة التحرر منها!!
بقلم : سليم البيك ... 31.03.2023

لا تنتهي حكايات العبودية التي يمكن بها صناعة أفلام تُظهر هذا العار الإنساني، لمُشاهده، كأنه، العار، يمرّ للمرة الأولى أمام عينيه. عبودية لا تزال آثار لها حاضرة في المجتمعات الغربية، الأمريكية تحديداً وهي موضوع فيلمنا هذا، آثار لها اسم هو العنصرية.
فيلم «انعتاق» للأمريكي أنطوان فوكوا، آخر الأفلام المتناولة لزمن العبودية الأمريكي، أتاها من ناحية تفصيلية اختصرها عنوان الفيلم، فالفيلم يصوّر رحلة الانعتاق، رحلة الهروب من مالكي الأراضي والمزارع. من مَشاهده الأولى التحضيرية، التي تقرر فيها الشخصية الرئيسية الهرب، إلى المَشاهد الأخيرة التي تتخطى فيها الحدود وتصبح رجلاً حراً يعود جندياً ليقاتل مستعبديه.
الفيلم(Emancipation) الذي عرضته في كانون الأول/ديسمبر منصة «آبل تيفي بلس» بدور بطولة لويل سميث، بأداء متميز حمل به الفيلم على كتفَيه، صُوّر بألوان باهتة قاربت الأبيض والأسود، في أجواء سوداوية وكئيبة تلاءمت بها الألوانُ ومواقع الأحداث مع الظلم المتضمّن في الحكاية، والواقع على شخصياته، وقد أظهر الفيلم معالمَ لزمن العبودية، في قساوتها ووحشيتها، دون الحاجة إلى إبهار بصري أو إثارة سردية. الفيلم كان بسيطاً في أدواته السينمائية، لعل لجوئه إلى ألوان شديدة البهوت يدل على ذلك، إضافة إلى قلّة الشخصيات. وكان ثقل الفيلم، برمته، ملقىً على رحلة الانعتاق للشخصية وأداء سميث لها.
أما الشخصية هذه فهي واقعية، والحكاية مستمدة من قصة هروبها، الحديث هنا عن «بيتر المجلود» الذي حاول عبور مستنقعات لويزيانا لأيام طويلة، مكيّفاً نفسه مع حياة في هذه المستنقعات والغابات، متحمّلاً جراحاً أصابته، هارباً من مطارديه وكلابهم، هم على أحصنتهم وهو على قدميه، وبجسد منهك وجريح وجائع. هذا كان ما صوّره الفيلم، بتمييز واضح بين الخير والشر، كما هي صور الفيلم الأقرب إلى الأبيض والأسود، وببهوت في إنسانية الحياة آنذاك، كما هي كذلك ألوان الصور. وذلك في رحلة هروب وحشية، أقرب إلى ثلاثية «الظرف الإنساني» للياباني كوباياشي (1959-1061) باختلاف السياقات والمآلات.
تناولت السينما الأمريكية تحديداً، العبودية في أفلام قد لا تكون كافية، في زمن راهن لا تزال تطال هوليوود فيه اتهامات محقة في مسألة التنويع في الصناعة السينمائية، من مواضيع الأفلام إلى جوائزها، يتم فيها تهميش السود من ناحية، والأقليات والنساء من ناحية ثانية. لكن أفلاماً ممتازة خرجت في هذا السياق، أفلام عبودية لكل منها مقاربته وأسلوبه، بحسب مخرجه. منها أفلام «اللون قرمزي» 1985 لستيفن سبيلبرغ عن رواية لأليس ووكر، و«دجنغو بلا قيود» 2012 لكوانتين ترانتينو، و«12 عاماً عبداً» 2013 لستيف ماكوين، و«هارييت» 2019 لكاسي ليمونز.
الأفلام قليلة في عمومها، كأن هوليوود تتجنب الخوض في زمان أرادت نسيانه، وتعويضه بالخوض في العنصرية كموضوع راهن، أو معاصر، وأخف وطأة. تكثر الأفلام المتناولة لها بالمقارنة مع عار وسمَ تاريخ المستعمرات الأمريكية على طول القرن التاسع عشر. والمخرجون المتناولون للزمن العبودي، بكل الأحوال، هم بأسماء معروفة يمكن أن تفرض رأياً ما، في مواضيع أفلامها، كما هو الحال مع ماكوين وترانتينو وسبيلبرغ، أو هم مخرجون سود، إضافة إلى أن تنويعاً وجرأة أكبر رافقت أفلام منصات البث التدفقي التي شكّلت عالماً إنتاجياً وتوزيعياً موازياً لسطوة هوليوود وتقاليدها.
«انعتاق» إضافة قد لا تكون متميزة في هذا الموضوع، لكنه فيلم جيّد، أفضل من غيره يُحتفى به ويُرشَّح لأوسكارات. واختار الفيلم المبني على قصة حقيقية، مبنية هي على صورة اشتهرت لبيتر المجلود، أن يبتعد عن عمليات التعذيب، وإن كان لا بد منها لكنها لم تكن أساس الفيلم، ولا الممارسات الاستعبادية فيه كانت في حالة مستقرة، بل هذه الممارسات وتلك العمليات كانتا ضمن حالة الهروب واللحاق، حيث يكون الظرف الإنساني شديد الخصوصية، في صعوبته واستحالة احتمالية النجاة.

1