أحدث الأخبار
الأربعاء 04 كانون أول/ديسمبر 2024
الأزمات الاجتماعية والاقتصادية تفاقم ظاهرة التشرّد في تونس!!
بقلم : الديار ... 19.06.2022

نسب الفقر والبطالة تتزايد مقابل عجز الدولة عن تقديم الحلول.
انتشرت منذ سنوات ظاهرة التشرد في شوارع المدن التونسية وازداد عدد المتسولين من مختلف الأعمار، كما افترش آخرون الرصيف حيث يعيشون حيث بلا مأوى بسبب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد في ظل غياب حلول جذرية لهؤلاء من قبل حكومات تتوالى دون انتباه للظاهرة التي أصبحت تؤرق كل التونسيين.
تونس – ارتفعت أعداد المتشردين في الفضاءات العامة والشوارع التونسية خلال السنوات الماضية بسبب توسع دائرة الفقر وارتفاع نسبة البطالة، فضلا عن تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي ضربت البلاد على غرار ارتفاع كلفة المعيشة للفئات الضعيفة وقصور دور الدولة في معالجة الظاهرة.
وخرجت ظاهرة التشرّد إلى العلن، لتكشف عن واقع مرير في تونس، بعد أن كانت من المواضيع المسكوت عنها قبل ثورة يناير 2011 وتخضع لرقابة صارمة.
ويعرّف الخبراء التشرّد بكونه انتقالا من فضاء البيت إلى فضاء الشارع، ومن الاستقرار إلى الاضطراب، وغالبًا ما يكون إكراهًا وليس خيارًا بالنسبة إلى الذين أعيتهم مصاعب الحياة.
وأكّدت راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية في تصريح خاص لـ”العرب” أن “ارتفاع نسب الفقر والبطالة بسبب غياب سوق الشغل فاقم صعوبات الوضع الاقتصادي، وتزايدت معه ظاهرة التشرّد التي شملت، فضلا عن التونسيين، سوريين وأفارقة”.
وأضافت “منذ ثلاث سنوات أنجزنا مشروعا لإيواء المتشرّدين والمتشرّدات بين شهري نوفمبر ويناير 2019 و2020، ووزعنا الأكلة على الجميع ووفرنا العلاج لـ20 متشرّدا من بينهم أيضا أسرة من اليمن وأسرة من الجزائر وأخرى من ليبيا، فضلا عن متشرّدات من محافظات المهدية (وسط)، وصفاقس ومدنين (جنوب)”، موضّحة أن “حوالي 200 فرد من فاقدي السند والمتشرّدين بمحافظة المهدية من بينهم أفارقة استفادوا من برنامج الإيواء”.
ودعت الجربي مختلف الهياكل إلى “الانكباب على مقاومة ظاهرة الفقر وتفعيل التدخّل الاجتماعي للفئات الضعيفة ودفع نسق التنمية بالجهات لمعالجة ظاهرة التشرّد”، قائلة إن “الأعداد كبيرة وطاقة الإيواء لا تكفي، والدولة عليها الاعتناء بهؤلاء بالترفيع في ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية وتوفير مراكز للإيواء”.
ويرى مراقبون أن هناك ارتفاعا لافتا في أعداد المتشردين في الأماكن العامة، على غرار الحدائق ومحطات النقل والمستشفيات وغيرها، مفسرين ذلك بتزايد نسب الفقر التي ارتفعت إلى أكثر من 4 ملايين فقير وكذلك ارتفاع نسبة البطالة، إضافة إلى تراكم الأزمات الاجتماعية والتفكك الأسري.
وقال عامر الجريدي كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة إن “البلاد تعيش منذ إحدى عشر سنة على وقع انفلات سلوكي وانتهازية سياسية وفساد عارم وسط حرية لا مسؤولة وديمقراطية مغشوشة، وهو ما جعل الشأن التنموي اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا ينزل إلى أسفل السافلين بساسة جدد متعاقبين لا يملكون المؤهلات الأخلاقية والقيادية والسياسية للسير بالبلاد نحو آفاق الكرامة”.
4ملايين فقير في تونس في ظل ارتفاع نسبة البطالة وتراكم الأزمات الاجتماعية والتفكك الأسري
وأضاف أن “التشرد ظاهرة انفجرت بعد الزلزال السياسي الذي عصف بالبلاد بين ديسمبر 2010 ويناير 2011″، موضحا أنه “يمكن الإشارة إلى الانفلات السلوكي والاستهتار بالقانون الذي صاحب ونتج عن انهيار المنظومة التربوية والمجمتعية (أي القِيمية) وانحدار المنظومة التعليمية، فضلا عن العجز السياسي والقيادي الذي ميّز القائمين الجدد المتعاقبين على مسؤوليات الدولة”.
وفسّر علماء الاجتماع الظاهرة بوجود تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة، فضلا عن فشل السياسات المتعاقبة في الاهتمام بقضايا المجتمع، وضعف نموذج التنمية والتشغيل، ما ساهم في تزايد نسب الفقر بالبلاد.
وأفاد الباحث في علم الاجتماع العيد أولاد عبدالله بأن “التحولات الاجتماعية ساهمت بشكل كبير في تفاقم ظاهرة التشرّد والإهمال في صفوف مختلف الفئات على غرار الأطفال والشيوخ والنساء، فضلا عن وجود فشل ذريع في مستوى تحقيق الاستحقاقات الاجتماعية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “لا بدّ من الوقاية من تلك الظاهرة باستهداف مختلف العوامل مثل التفكّك الأسري وامتصاص نسب البطالة والفقر إلى جانب المعطى الرعائي بتكوين مؤسسات اجتماعية لرعاية هؤلاء الأشخاص بتوفير العلاج والإقامة وغيرهما، علاوة عن إعادة الإدماج”.
وتابع أولاد عبدالله “التشرّد هو نتيجة لواقع اجتماعي صعب وفشل البرامج الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى الفقر والبطالة ومخلفات جائحة كورونا وغلاء المعيشة حتى أصبح البعض يقتات من مصبات النفايات”، مؤكّدا أنه “لا يمكن حصر الظاهرة في أرقام وإحصائيات دقيقة، بل إن الملاحظات السوسيولوجية تقول إن الأعداد تتفاقم”.
وأشار إلى أن “الدولة هي مقاربة تقليدية قديمة وفشلت في تحقيق العدالة الاجتماعية والجبائية، وهي مطالبة بتغيير خططها في المجال، فضلا عن كون المجتمع المدني مطالبا بمعاضدة المؤسسات الوطنية لمساعدة هذه الفئات وتمكينها من مراكز إحاطة”.
وتؤكّد الجهات الرسمية على صعوبة إحصاء عدد المتشرّدين والمتشرّدات في تونس، وكثيرا ما تختلط بظاهرة أطفال الشوارع وظواهر أخرى، حيث يوجد الطفل الفاقد لأي سند أو مأوى، وكذلك يوجد الطفل العامل في الشارع تحت رعاية عائلته أو أحد أفرادها، لتتقاطع بذلك ظاهرة المتشرّدين مع ظاهرة عمالة الأطفال التي باتت بدورها متصاعدة في البلاد.
وفي وقت سابق كشف رئيس قرية “أس.أو.أس” المحرص (مؤسسة لرعاية الأطفال) أشرف السعيدي أنّ عدد الأطفال المتشرّدين في شوارع تونس سنة 2019 بلغ أكثر من 17 ألف طفل، في حين بلغ عدد العائلات الراغبة في التفريط في أبنائها بسبب الظروف الصعبة التي تعانيها حوالي 4300 عائلة، وهو عدد الإشعارات التي تلقاها مندوبو حماية الطفولة سنة 2019.
وأكّد السعيدي في تصريح لإذاعة محلية “سعي قرى الأطفال في تونس لاستقبال حوالي 800 طفل من المتشرّدين والمهملين، على أن تتكفل قرية ‘أس.أو.أس’ المحرص بـ200 طفل بالإضافة إلى الـ440 الموجودين حاليا بالقرية”.
وفي مارس الماضي أكّد عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين “توسّع قاعدة الفقر في تونس لتشمل 4 ملايين تونسي”، موضّحا أنّ “الفقير في تونس، حسب معهد الإحصاء، هو من يعيش في اليوم الواحد بما قيمته 4800 مليم (1.56 دولار)، أما الفقر المدقع فهو في حدود الثلاثة دنانير (0.98 دولار).
وأضاف منير حسين في تصريح لإذاعة محلية أنّ “الطبقة المتوسطة تآكلت في تونس نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة وانخفاض نسبة النمو وانعدام خلق الثروة بسبب التداين المفرط”.
وتشير الأرقام الرسمية في تونس إلى ارتفاع نسبة البطالة لتبلغ 18.4 في المئة بسبب تداعيات الأزمة الصحية الناتجة عن انتشار فايروس كورونا في السنوات الأخيرة الذي ساهم في إحالة عدد من العمال على البطالة، فضلا عن ضعف سياسات الدولة في التعامل مع ملف التشغيل ووضع استراتيجيات لذلك.

*المصدر : العرب
1