أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
مخيم اليرموك: الحياة تدبّ من جديد بين أنقاض البيوت المدمّرة!!
بقلم : الديار ... 24.11.2022

دمشق – ارتبط اسم مخيم اليرموك، منذ تأسيسه لإيواء اللاجئين القادمين من فلسطين بعد العام 1948 في حي القاعة الملاصق لدمشق، بالحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي، فوجود مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية وبقية القوى العلمانية التي هي واجهة ثورة الفلسطينيين، أسهم كثيراً ليس في تنشيط المخيم وحده، بل أيضا تنشيط دمشق كلها في فترات الركود التي عرفتها منذ ثمانينات القرن العشرين.
وقد شُيّد اليرموك في العام 1957 كمخيم للاجئين الفلسطينيين، ولكنه نما إلى ضاحية نابضة بالحياة اجتذبت أيضا الطبقة العاملة السورية. وكان نحو 1.2 مليون شخص يعيشون فيه، قبل أن تتحول انتفاضة 2011 إلى حرب مدمّرة، من بينهم 160 ألف فلسطيني، وفقا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ومجرّد استعراض أسماء من عاشوا في المخيم من القيادات السياسية الفلسطينية أو السورية، وأولئك المفكرين والفنانين والمبدعين المشاهير، كفيل بعكس صورة عن هذا المكان الذي كان مصيره الدمار الشامل.
كان مخيم اليرموك بأحيائه، فلسطين والتضامن والحجر والتقدّم وشارع لوبيا، جزءاً من ذاكرة دمشق ومن حياة السوريين، مكاناً يحفل بالحياة والتجارة وصالات السينما والأسواق الشعبية والمعارض الفنية والمراكز الثقافية والاجتماعية. لكن هذا لم يمنع من تحوّله إلى ساحة حرب منذ العام 2011، حين شهد خروج تظاهرات ما لبث أن ووجهت بالعنف على يد السلطات السورية، قبل أن تنبت فيه المجموعات المسلحة ويتعرض لمسح عسكري شامل دمّر أبنيته وهجّر سكانه، ومازالت تلك الصورة التي نشرتها الوكالات الأجنبية تثير الذعر مما كانت عليه أوضاع سكان المخيم المحاصرين من قبل قوات مشتركة، تقودها الأجهزة الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد وتؤازرها قوات القيادي الفلسطيني أحمد جبريل وميليشيات الجهاد الإسلامي التابعة لإيران.
بكلمات أخرى، كان المخيم هو صورة الفلسطينيين في عصر ما قبل ظهور حماس والجهاد، ولم يكن لأي من هاتين الحركتين تواجد قوي فيه، بفعل البيئة الاجتماعية المتحررة والمنفتحة التي كانت تتناقض مع رؤية الإسلاميين وتوجهاتهم.
ويصف تقرير آبي سيوال في أسوشيتد برس المنشور قبل أيام مخيم اليرموك بأنه كان أكبر مخيم فلسطيني في سوريا يعج بالنشاط؛ مليئا بالحافلات الصغيرة وبالمحلات التجارية لبيع الفلافل والشاورما والكنافة النابلسية المصنوعة من عجينة الجبنة النابلسية. وقد لعب الأطفال فيه كرة القدم وتقاتلوا بالبنادق البلاستيكية حتى جاء رجال مسلحون ببنادق حقيقية.
عودة بعد تهجير
فيليب لازاريني: الفلسطينيون يعودون إلى أنقاض اليرموك لأنهم لا يستطيعون تحمّل نفقات العيش في أماكن غيرها
فيليب لازاريني: الفلسطينيون يعودون إلى أنقاض اليرموك لأنهم لا يستطيعون تحمّل نفقات العيش في أماكن غيرها
لا تزال أكداس الركام، حتى اليوم، في شوارع اليرموك. وترفرف الأعلام الفلسطينية المبعثرة من منازل معظمها مهجورة، في تذكير بأن المكان كان ذات يوم مركزا سياسيا وثقافيا رئيسيا للاجئين الفلسطينيين في الشتات.
وقد بدأت السلطات السورية قبل عامين في السماح لسكان اليرموك السابقين الذين يمكنهم إثبات ملكية منازلهم واجتياز فحص أمني بالعودة، لكن القليل منهم عادوا متجاوزين الخوف من احتمال الاعتقال أو التجنيد بالقوة، بينما لم تعد لدى الآخرين منازل يعودون إليها حتى لو أثبتوا ملكيتهم لها أو لم تثبت عليهم أي تهمة أمنية. ومع ذلك، ومع انحسار القتال في معظم أنحاء سوريا، يريد البعض رؤية ما تبقى من منازله.
فتحت الحكومة مخيم اليرموك لزيارة نادرة للصحافيين في وقت سابق من هذا الشهر، بهدف تسليط الضوء على مساعيها لإعادة الإعمار. وكانت المناسبة حينها تدشين مركز مجتمعي جديد بنته منظمة غير حكومية.
وكان محمد يوسف جميل من بين الذين عادوا. وأصله من قرية لوبيا الفلسطينية الواقعة غربي مدينة طبريا، وكان يعيش في اليرموك منذ العام 1960. وربّى ثلاثة أبناء في المخيم قبل اندلاع الحرب.
وعاد الرجل البالغ من العمر 80 عاما قبل سنة ونصف السنة مع موافقة الحكومة على إصلاح منزله المدمر. وفيما كانت 30 أو 40 عائلة تعيش في الشارع الذي يقع فيه البيت، لم يعد هناك الآن سوى أربع أسر.
نُهبت الكثير من المباني التي لم تدمّرها القنابل، وجُرّدت من النوافذ والأسلاك الكهربائية وحتى صنابير المياه. ولذلك يقول الرجل عن منزله “سأبقى هنا لحمايته من اللصوص”.
انهار النصف الأيمن من منزل عائد آخر يدعى محمد طاهر، بينما كان يصلح النصف الأيسر الذي لا يزال قائما. ويشتكي الرجل البالغ من العمر 55 عاما قائلاً “لا توجد كهرباء”، إذ لم تبق مياه إلا في بعض أجزاء المخيم أما نظام الصرف الصحي فلا يزال يعمل، لكن دون سكّان.
وإلى حدود يونيو الماضي عاد حوالي 4 آلاف شخص إلى اليرموك، حسب الأونروا، بينما نالت 8 آلاف أسرة أخرى إذنا بالعودة خلال الصيف.
وقالت الوكالة إن العائدين يعانون من “نقص الخدمات الأساسية ومحدودية وسائل النقل والبنية التحتية العامة المدمرة إلى حد كبير”، حتى أن البعض يعيش في منازل دون أبواب أو نوافذ.
وذكرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين أن عدد العائدين إلى اليرموك زاد جزئيا، لأن المخيم يوفر السكن المجاني. وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني ضمن مؤتمر صحفي عقده مؤخرا إن عددا متزايدا من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا “يعودون أساسا إلى الأنقاض لمجرد أنهم لا يستطيعون تحمل نفقات العيش حيث يتواجدون”.
وكانت علاقة الفصائل الفلسطينية بالسلطات السورية في دمشق معقدة في غالب الأحيان. وكان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات خصمين لدودين.
لكن اللاجئين الفلسطينيين عاشوا في راحة نسبية في سوريا، متمتعين بحقوق اجتماعية واقتصادية ومدنية أوسع من تلك التي يوفرها لبنان المجاور.
ومع بدء الانتفاضة السورية حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء على الحياد، ولكن المخيم انجرّ إلى الصراع بحلول أواخر العام 2012، وانحازت مختلف الفصائل إلى أطراف متعارضة في الحرب.
ودعمت حركة حماس المعارضة السورية، قبل أن تغيّر موقفها بعد سنوات وتعود إلى الالتصاق بنظام الأسد والمحور الإيراني، بينما قاتل آخرون، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، إلى جانب النظام السوري.
ثم أصبح مخيم اليرموك في العام 2013 هدفا لحصار مدمّر من القوات الحكومية. وسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف (داعش) في العام 2015. لكن هجوماً حكومياً استعاد السيطرة على المخيم في العام 2018، وأفرغه من سكانه المتبقين.
ويقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت ساري حنفي الذي نشأ في اليرموك، إن العائدين يرجعون “للضرورة القصوى، ولا يعود الآخرون لأن هذا المكان غير صالح للعيش”.
ويوافقه شاب من اليرموك يعيش في مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان حالياً؛ فمع بقاء نظام الأسد، قال إنه إذا عاد سيظلّ “يعيش دائما في حالة من القلق ودون الشعور بالأمن”. وأضاف الشاب الذي طلب عدم الكشف عن هويته، خوفا على سلامة أقاربه في سوريا، “لم يعد الشخص الذي يعود إلى المخيم، أو إلى سوريا بشكل عام، يفكر في مقدار الحرية التي سيحصل عليها. يريد فقط أن يعيش في منزل”.
وفي وقت سابق وعد محافظ دمشق محمد طارق كريشاتي، عند افتتاح المركز المجتمعي، بإزالة الأنقاض وترميم المرافق وبعث المواصلات العامة.
وقال محمود زغموت من “مجموعة العمل من أجل الفلسطينيين في سوريا” ومقرّها لندن، والمتحالفة مع المعارضة السورية، إن “طريق إقناع الناس بالعودة مازال طويلا”. وذكر أن منطقة اليرموك تفتقر إلى “المستشفيات والمخابز ومراكز توزيع الغاز والمواد الاستهلاكية الأساسية والغذائية”.
وحتى الآن يوجد من يأمل في عودة اليرموك إلى مجده السابق، مثل سهيل الناطور، الباحث المقيم في لبنان وعضو “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” اليسارية، الذي أشار إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي دمرته القوات الإسرائيلية في 1982 وأعيد بناؤه فيما بعد. وقال إن اليرموك يمكن أن يكون “ذات يوم رمزا مزدهرا لإحياء اللاجئين الفلسطينيين”.
ويبقى البعض الآخر متشككا؛ كما في حالة سميح محمود البالغ من العمر 24 عاما، والذي نشأ في اليرموك ويعيش الآن في لبنان، إذ يقول إنه لم يتبق الكثير من ذلك المكان الذي يتذكّره، مشدّداً على كونه غير مرتبط بمباني اليرموك وشوارعه. وختم بالقول “أنا مرتبط بالناس والطعام وجو المخيم. وقد انتهى كل ذلك الآن”.
كان هذا الشاب واحداً ممن شاهدوا قبل أربع سنوات كيف نهب جيش الأسد والميليشيات الموالية له المخيم في مايو عام 2018. وتم تمزيق اليرموك إلى قطاعات، في شارع الـ15 وشارع لوبيا وغيرهما، وكانت الشاحنات تدخل فارغة إلى المخيم وتخرج مليئة بالأثاث والأجهزة والبضائع ورخام الأرضيات والكابلات الكهربائية وحديد الأسقف المنتزعة من البيوت المدمّرة. والسؤال اليوم؛ بعد أن تم “تطهير” المخيّم من المعارضين والمتطرفين، وحتى عناصر داعش، من هم أولئك الذين سيتم إسكانهم فيه الآن؟ هل يعود اليرموك إلى سابق عهده؟ أم سيكون ضاحية جنوبية ثانية تقودها حماس، بعد تطبيعها الأخير مع نظام الأسد، ومعها الموالون لها، بؤرةً تديرها إيران عن بعد؟

1