أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
تقرير: التكامل سبيل لنهضة عربية تحرر الشعوب من الخوف والتبعية !!
بقلم : الديار ... 19.06.2014

ضعف التعاون العربي يمثل سببا رئيسيا في خلق نظام إقليمي عاجز عن الدفاع عن مصالح الدول العربية ما نجمت عنه مجموعة من التحديات
بيروت- “التكامل العربي ” هو الحلّ الذي تعتبره لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا” السبيل الأمثل لتحقيق نهضة دول المنطقة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج وتجاوز المأزق التنموي والسياسي الراهن الذي ورّطت فيه هذه الدول نفسها بنفسها.استعدادا لانعقاد القمة الاقتصادية والاجتماعية العربية المقبلة في بداية العام 2015 في تونس، وفي ظل المناقشات الجارية حول تشكيل الاتحاد الجمركي العربي في إطار جامعة الدول العربية، أصدرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ” الإسكوا” التابعة للأمم المتحدة تقريرا بعنوان “التكامل العربي: سبيل لنهضة إنسانية”. ويوفّر التقرير تحليلا واقعيا وجديدا للتكامل العربي، ويهدف إلى تقديم رؤية استراتيجية لتكريس التكامل العربي الفعال بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.التقرير شاركت في إعداده مجموعة من المفكرين العرب الذين عرّفوا التكامل على أنه الوسيلة الأهم لتحقيق نهضة إنسانية شاملة تعم العالم العربي يشارك في صنعها جميع أبنائه بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو جنسهم، مواطنين أحرارا متساويين في القيمة الإنسانية. ويــرى فريق التقرير أن الســبيل الوحيد لتحقيق هــذه النهضة، هو امتلاك مقوماتها من إرادة مســتقلة وعلم، وقــدرة فعلية لا وهمية، وحياة دائمة التجديد، ولا ســبيل لامتلاك هذه المقومات إلا في تكامل عربــي فعّال.هذا التكامل ليس اكتشافا جديدا أو بدعة محدثة، فقد أدركت الدول العربية منذ منتصف القرن الماضي أهمية إنشاء تكتل قوي و منيع يحفظ لها استقلالها و يعينها على النهوض باقتصاداتها وتحقيق الأمن الإنساني لجميع مواطنيها.فعقدت اتفاقيات للدفاع المشترك ولإقامة وحدة اقتصادية كاملة، كانت رائدة في ذلك الزمن، ولكن عقودا مرت على توقيع تلك الاتفاقية دون أن تنفذ الدول العربية إلا الجزء اليسير من أحكامها.
والتقريــر يبحث في أوجــه هذا القصور فيحلل أســبابه و تبعياته، لينتقل بعد ذلك إلى وضع رؤية استراتيجية للتكامل ترتكز على أركان ثلاثة:•تعاون سياسي يدعم إقامة الحكم الديمقراطي في الدول العربية ويشكل كتلة حرجة تعمل متجانسة في المحافل الدولية للحفاظ على الحقوق والمصالح العربية.
• تعميق التكامل الاقتصادي باستكمال تنفيذ الاتفاقيات القائمة واسترجاع مشروع الوحدة الاقتصادية الشاملة التي كانت أول أهداف التعاون الرسمي العربي.
•الركن الثالث، وهو الأهم و الأصعب حسب ما جاء في التقرير، يتعلّق بأهمية الإصلاح الثقافي والتربوي الذي يمكن العرب من استعادة روح المبادرة التاريخية ويكوّن الأشخاص القادرين على بناء مجتمعات المعرفة واقتصاداتها.
هذه المحاور الثلاثة لخصتها ريما خلف، الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا”، مستعرضة أهم التحديات التي تواجه المنطقة العربية في ظل المتغيرات السياسية وتطورات الأوضاع الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وانعكاساتها السلبية، مشيرة إلى أن خُمس العرب يعيشون حاليا تحت خط الفقر، وثلثهم يعانون من الأمية، لافتة إلى أن الشباب العربي يعاني من أعلى معدل بطالة في العالم، في حين تعاني النساء من أقل نسبة مشاركة اقتصادية. وأضافت خلف أن أكثر من نصف مليون طفل في اليمن ومليون آخرين في الصومال وعدد لا يحصى من الأطفال السوريين مهددين حاليا بـ”الموت من الجوع “.
وقالت إن عقودا من التنمية “في ظل التشرذم” لم تولد الازدهار المرجو ولا الحياة الكريمة التي ينشدها العرب ويستحقونها، لافتة إلى أن الهوة بينهم وبين المجموعات الأخرى “اتسعت” خلال هذه العقود. واعتبرت أن هذه الهوة أنتجت “قهرا داخليا وتعثرا تنمويا” خلفا فقرا وبطالة.
قصور في العمل العربي المشترك
ينطلق التقرير من أن ضعف التعــاون العربي ولد نظامــا إقليميا عاجــزا عن الدفاع عن مصالح أو سيادة الدول العربية. ونجمت عن هذا الضعف مجموعة ضخمــة مــن التحديــات، أخطرها مــا يتعلق بأمــن المواطــن وحرية الأوطان، فالفشــل في اتخاذ مواقف عربية موحدة جعل من المنطقة العربيــة واحــدة من أكثــر المناطــق اســتباحة في العالم مــن القوى الخارجية.
كمــا أدى ضعــف التعــاون العربــي إلى فقــدان مقوّمــات الاســتقلال الحقيقــي، حيث تعــج بلــدان عربيــة عديــدة، بوجــود عســكري أجنبــي ضخــم، بينمــا تشــهد أخــرى نفــوذا لهــذه القــوة أو تلــك مــن القــوى الأجنبيــة بمــا يرســخ التبعيــة ويهدد الأمن القومي.
من أهم معالم تدهور الأمن القومي، استفحال مشاكل اللجوء والتهجير القسري في المنطقــة العربية حتى تجــاوز نصيبها 53 بالمئة من مجمــوع اللاجئين في العالم، في حين أنها تضم أقل من 5 بالمئة من مجموع سكانه. والأرقام على جسامتها، تبقى قاصرة عن التعبير عن حجم المأساة الإنسانية التي يعانيها هؤلاء، وجل اللاجئين من النساء والأطفال. ولعل التحدّي الأخطر في مسيرة العقود الماضية كان التشّوه الثقافي الذي ولد نعرات طائفيــة وعرقية، باتت تهدد وحــدة المجتمعات العربية وسلمها الأهلي. وقد غذّت هذه النعرات الفوضى التي عمّت المنطقة بعد اندلاع ثورات “الربيع العربي”.
هذه الثورات التي بدأت بانتفاضات شعبية ضد الأنظمة الديكتاتورية ثمّ تحولت إلى صراعات دامية تطغى عليها مشــاهد العنف والاقتتال، وتلاشت معها فكرة التحول السياسي الديمقراطي.رغم صعوبة الوضع الحالي، يبدو تقرير “الاسكوا” متفائلا في هذا السياق، حيث تؤكد اللجنة المشرفة أن قطار الديمقراطية الذي انطلق في المنطقة العربية سوف يسير بسرعة متباينة، وسوف ينتكس تارة ويندفع بالاتجاه المنشود تارة أخرى، إلى أن تحقق نتائجها المرجوة في المد التحرري الحقيقي الذي يؤذن بتحول نحو نظم سياسية ديمقراطية تبنى على المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي، وهو بحد ذاته فرصة لإحياء التكامل السياسي والاقتصادي، فالنظام الذي يمثل الشعب حق تمثيل ويعبر عن طموحه ومصالحه من الطبيعي أن يرى في التكامل الاقتصادي رافدا لنمو اقتصاده وتحقيق الرفاه لشعبه.
عوائق أمام التكامل الاقتصادي
يشير التقرير إلى الكثير من الأسباب التي تعيق جهود التكامل العربي وهي أسباب عربية ذاتية أهمها هو أن عددا من أنظمة الحكم لم تكن تمثل شعوبها، وبعض هذه الأنظمة ارتبطت مع قوى خارجية استمدت شرعيتها وأمنها منها، على غرار النظام السوري الذي يرتبط ارتباطا شديدا بإيران.
وأفرز غيــاب الإرادة السياســية جــل العوائــق الأخــرى للتكامل ومنهــا العراقيل الاقتصاديــة، كالجمركيــة، والفنية ومنها قصــور أداء أجهــزة العمــل العربــي المشــترك، والأهم من هذا السياســات الاقتصادية التي ربطــت الاقتصــادات العربية، كلا على حدة مــع الشريــك الأطلسي، الأمر الــذي بات يشــكل تحديا حقيقيا أمام اســتكمال التكامــل العربي حتى في شــقه الاقتصادي.
وتطرقت الدراسات التحليلية، التي تضمنّها التقرير الدولي، إلى مجموعة من السيناريوهات في إطار الاستعدادات القادمة في عام 2015 لمناقشة المكانية تحقيق تكامل عربي اقتصادي عن طريق إنشاء اتحاد جمركي واستكمال منطقة التجارة العربية الكبرى، في ظل الاتفاقات الدولية والاقليمية التي تنظمها. ودعت اللجنة الدول العربية إلى أن تخلق لنفسها مجالا اقتصاديا حيويا باتخاذ خطوات جذرية وسريعة للوصول إلى تكامل اقتصادي عميق وشامل.
الإصلاح الثقافي
إصلاح الفضاء الثقافي مثّل ركنا هاما في التقرير الذي أكّد على أن مؤسســات العمل العربي المشــترك الرسمية لم تفلح في حماية مقومات مشروع التكامل وأدواته مــن ثقافة و لغة ولا في اســتحضار أفضــل ما في الحضــارة العربيــة عامة في ثوب معاصر، ولا في إقامة منظومة فعالة للتعليم الراقي النوعية أو للبحث العلمــي والتطوير التقاني، بما كان يمكن أن يشــكل قاطرة محركة للإبــداع الفكري والعلمي الذي هو أســاس أي نهضة.ولبناء منظمة المعرفة التي باتت مقياس التقدم في المجتمعات لا بد من المرور بإصلاح يطال النظم التعليمية واكتساب المهارات التحليلية وتحسين نوعية التعليم في جميع مراحله وتنشيط التفاعل المعرفي مع الثقافات الأخرى والاستفادة من الكفاءات العربية المهاجرة وإيجاد آليات لدعم البحث العلمي.
ولم يغفل التقرير دور الثقافة في مشروع التكامل الشامل على غرار السياسة والاقتصاد، وبين أن التمسك بالتنوع الثقافي هو من أهم مقومات تفوق التعاون العربي الشعبي، فالهوية لا تثرى ما لم تقبل التنوع، خاصة في ظل ما حققه العمل الشعبي العربي من مبادرات هامة فاقت المبادرات الرسمية و الحكومية، خصوصا في إقامة الشبكات العربية باستخدام وسائل الاتصال الحديثة والتحرك لحل قضايا هامة مثل حقوق الإنسان و حقوق المرأة.
يخلص التقرير إلى أن التكامل الشامل الذي يدعو إليه لا يعني الانتقاص من مشروعات التكامل الاقتصادي العربية القائمة، بل استكمالها وتوسيعها لتشمل جميع الفضاءات السياسية والتربوية والثقافية، كما لا يأتي ليعزل الوطن العربي عن محيطه الطبيعي والعالم من حوله، بل ليوطد العلاقات الاقتصادية مع الكتل والتجمعات الأخرى، خاصة في العمق الأفريقي والآسيوي للعالم العربي، وليوثق التفاعل مع الحضارات الإنسانية المختلفة.

1