أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الأصول الديموغرافية للأزمة العراقية !!
بقلم : الديار ... 23.06.2014

دراسة تؤكد أن ما يجري في العراق عملية لإقصاء المكون السني كلياً عن المشهد السياسي لصالح استيطان شيعي يرسخ مشروع التوسع الإيراني... يشكّك الباحث السياسي الشيعي محمد جواد، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بغداد، في كون الشيعة يمثلون أكثرية في العراق، ويرى أن نسبتهم تتراوح بين 40 و45 بالمئة، وأن نسبة السنة تبلغ 53 بالمئة.
بغداد - حذر مركز المزماة للدراسات والبحوث في دبي من النفوذ الإيراني المتغلغل في العراق، واستغلاله للصراع الدائر فيه حاليا، تنفيذا لمخطط تعمل عليه طهران منذ عشرات السنين لتصدير المد الشيعي إلى منطقة الشرق الأوسط، انطلاقا من العراق، والعمل على تكريس الطائفية بإبراز المكون الشيعي كعنصر مهيمن ديمغرافيا مقارنة بالمكون السني.لطالما شكّل العراق بؤرة صراع إقليمي ودولي، مستندا إلى جملة عوامل اقتصادية وأيديولوجية وتاريخية، عملت على تدمير مقومات دولة لم تعرف الاستقرار بعد الاحتلال الأميركي لأراضيها، وعملت على إعادته إلى حالة من البدائية والعبثية، والاقتتال الداخلي بين كافّة مكوناته، وصولاً إلى محاولات تفكيكه المستمرة عبر التاريخ، لصالح القوى التي تهيمن على النظام الإقليمي أو الدولي. من هذا المنطلق تناولت دراسة تحليلية بعنوان ”الدفوعات الديموغرافية في الصراعات العراقية”، صادرة عن مركز المزماة، البعد الديموغرافي الذي ترتب على التداخلات الإقليمية والدولية في العراق، والدفع نحو تفكيكه، للاستفادة القصوى من موقعه ونفطه، عبر تثقيل الإشكاليات المذهبية والعرقية فيه في محاولة لتجزيئه عن محيطه المشرقي.
بعد الاحتلالين الأميركي والإيراني
لا يختلف الخبراء في تقييم الأطماع الإيرانية المصوبة نحو العراق على مرّ تاريخه، في سياق استراتيجية للتوسع الإيراني في المحيط العربي، انطلاقا من جواره سياسيا وعقائديا وعسكريا، عبر الاستناد على العنصر المذهبي الموالي لها “الشيعة” والدفع بهم إلى واجهة الأحداث، لتشكيل إطار سياسي محلي يشرعن الهيمنة الإيرانية على العراق، مترافقا بعمليات تصفية واسعة تطال البيئة الشيعية العربية الرافضة لهذا الدور، والمناهضة للهيمنة الإيرانية. وتبرز الدراسة التدخلات الإيرانية المستمرة في العراق منذ العام 2003 أي إثر الاحتلال الأميركي بعد أن عمدت إلى تقديم الدعم السياسي والمالي للعنصر الشيعي الموالي لها في العراق، وتدريبه عسكريا على فرض ذاته على المجموع العراقي، عبر جملة واسعة من الميليشيات المدربة على يد الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، ولعل من أبرزها: ميليشيا جيش المهدي، مليشيا بدر، حزب الدعوة/ الجناح العسكري، فرق الموت، جند الإمام، حزب الله العراقي، عصائب أهل الحق، حركة الإمام الرباني، المجاميع الخاصة، حركة المجاهدين، المجلس الأعلى لتحرير العراق، قوات العراقيين الأحرار، جند السماء، حزب ثأر الله، كتائب المختار.
ورغم نشوء كثير منها إبان الاحتلال الأميركي للعراق وقبله، إلّا أنّها لم تشتغل فعليا على مقاومة هذا الاحتلال والتصدي له، وفق فتوى المرجع الشيعي علي الحسيني السيستاني، الذي رفض الدعوة العراقية السنية إلى إعلان الجهاد ضدّ المحتل الأميركي، باعتبار أنّ الشيعة هم في زمن غيبة المهدي المنتظر، وألّا جهاد فترة الغيبة تلك، حتى يعود المهدي من غيبته.
في المقابل، تغاضت الولايات المتحدة عن هذا النفوذ العسكري الإيراني في العراق، بل وسمحت لطهران بفرض سيطرتها على كثير من المناطق، عبر منطق الإرهاب والقوة، واستعانت ببعضهم في محاربة المقاومة السنية الناشئة عقب الاحتلال، عبر منهج استندت إليه تلك الميليشيات، أدى إلى جرائم واسعة ضد الإنسانية وتهجير كبير للسكان السنة من عدة مناطق في بغداد وجنوبها، مما أخلّ بالتركيبة السكانية في تلك المناطق لصالح الشيعة العراقيين أولا، والإيرانيين المجنسين لاحقاً.
ووضحت الدراسة كيف عملت الولايات المتحدة مع إيران بشكل غير مباشر، على إعادة تشكيل العراق شيعيا، والدفع بالمكون السني بعيدا عن تمركزه التاريخي، وإقصائه من العملية السياسية، ومنه خُلِق ما عُرف لاحقاً بالمثلث السني، الذي يضم أربع محافظات شمال وغرب وشرق بغداد، عبر رسم خط تقسيم وهمي داخل العراق، وهي: الأنبار، نينوى، صلاح الدين، ديالى، عدا عن قرابة نصف سكان بغداد على الأقل.
يأتى ذلك، بعد أن سهلت إيران والولايات المتحدة، ترسيما حقيقيا لحدود ما بات يعرف بإقليم كردستان العراق، من خلال تمكينه من أسس قيامه، من خلال جيش وعتاد وعملية سياسية خاصة به، وعلاقات خارجية مستقلة عن الحكومة الفدرالية، وسيادة تعيق العراقيين الآخرين من دخول هذا الإقليم، في انتظار لحظة تاريخية مواتية لعملية انفصاله، مع عدم رضا تام من قبل المكوّن الكردي عن تلك الحدود، والسعي إلى توسيعها باتجاه “المثلث السني”، وتوسيع ربطه بالمناطق الكردية في شرق سوريا.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قد نشرت عام 2013، قائمة بالدول الجديدة المحتملة، تشمل دولة كردستان المستقلة: “تشكّل كردستان المستقلة، وافداً محتملا جديدا آخر في منطقة الشرق الأوسط، ضمن نادي التغيرات الجيوسياسية، عبر توحيد الأقاليم الكردية في العراق وإيران وتركيا وشمال سوريا، وعلى أقل احتمال، فقد تنشأ دولة كردستان المستقلة في شمال العراق، حيث رأت الصحيفة أنّ “حكومة إقليم كردستان من أكثر المناطق استقرارا في البلاد، وترفع علمها الخاص، وتعقد صفقات الطاقة والبنية التحتية باستقلالية.
التركيبة السكانية في العراق
استندت الأطراف الشيعية في هيمنتها المطلقة على العراق، إلى أطروحات الأكثرية/الأقلية التي تمّ ترويجها، والتي ذهبت في بعض الأحيان، إلى تضخيم المكون الشيعي باعتباره يشكّل 70-75 بالمئة من السكان، وكانت مبررا في السلوك العنفي والإقصائي الذي شهده العراق طيلة العقد السابق، من التسلطية الشيعية المبرمجة عليه، غير أنّ كثيرا من الإحصائيات والدلائل ذات الصدقية تطيح بتلك الأطروحات كليا.
وبالنظر إلى تلك النسب يشكّك الباحث السياسي الشيعي محمد جواد، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بغداد، في كون الشيعة يمثلون أكثرية في العراق، ويرى أن نسبتهم تتراوح بين 40 و45 بالمئة، وأن نسبة السنة تبلغ 53 بالمئة.
وتوصلت إحصائية المنظمة الإنسانية الدولية (Humanitarian Coordinator for Iraq)عام 1997، إلى أن تعداد السنة يزيد بـ 819 ألفا و950 نسمة على تعداد الشيعة، وقد أشارت إحصائية أعدت بالاستناد إلى معطيات التقرير السنوي للجهاز المركزي للإحصاء العراقي (نسخة دائرة الرقابة الصحية) التابعة لوزارة الصحة العراقية، وإلى دراسة الأكاديمي العراقي سليمان الظفري، إلى أن نسبة السنة من مجموع أبناء العراق المسلمين تبلغ 53 بالمئة، بينما تبلغ نسبة الشيعة 47 بالمئة.
في حين اعتبر الأكاديمي العراقي الدكتور مازن الرمضاني، عميد جامعة النهرين العراقية سابقا، وأستاذ العلوم السياسية، أنّ نسبة السنة تفوق نسبة الشيعة، مشيرا إلى أنّ أول من أطلق المزاعم بكون الشيعة يمثلون أغلبية كبيرة في العراق هو الكاتب حنا بطاطو.
ذات الإشكالية في تحديد نسب المكونات الديموغرافية، تظهر لدى أكراد العراق، حيث تذهب مصادرهم الخاصة، إلى وضع نسب مبالغ فيها بشكل كبير، وترى بعضها أنّ نسبة الأكراد في العراق، تبلغ 28-30 بالمئة من مجموع السكان، فيما تتفق كثير من الإحصائيات الأخرى على أنّ تلك النسبة لا تتجاوز 13 بالمئة.
الهوية والثورة
وضحت الدراسة الأسباب التي زادت في حالة الاحتقان الأكثري/الأقلوي أي بين الأكثرية والأقلية وهو يرجع إلى ارتباط عديد من الحركات الأقلوية في الدول العربية بهُويّات خارجية أو بمشاريع انفصالية تقسيمية، وهو ما رأت فيه الأكثرية المجتمعية تهديدا لهُويّتها من جهة، ولأوطانها ومصالحها من جهة أخرى، وساهمت دول إقليمية ودولية في تعزيز حالة الاحتقان تلك، وتصاعد الحالة الطائفية بشكل متزايد.
وتظهر هذه الحالة بشكل جلي في العراق، ضدّ نظام المالكي، وخاصة أنّ المكون الأكثري السني في العراق، عمل على مناهضة الاحتلال الأميركي لعقد من الزمن، كما عمل على محاولة تشكيل أطر سياسية تدفع البلاد نحو تحول ديمقراطي حقيقي ما بعد الاحتلال، غير أن المؤشرات الصادرة عن أداء حكومة المالكي، أثبتت عجزه عن إدارة عملية التحول الديمقراطي أولاً، وعملية إدارة البلاد كلياً، والانزياح نحو سياسة مذهبية خالصة، تطيح بمقومات العمل السياسي، وتدفع نحو هيمنة سلطوية استبدادية على المكون الــسني حصراً، في ظلّ إســناد من قبل المحتل الإيــراني.
وحذرت الدراسة من تمادي النفوذ الإيراني في العراق من خلال تصوير ما يجري فيه وإنسابه إلى نفوذ داعش لتحويلها إلى حركة إرهابية تستجلب السند الدولي إلى نظام المالكي، وتفتح أفق التقارب العلني بين الولايات المتحدة وإيران، في ظلّ الدفع الأميركي نحو تعزيز تلك العلاقات، على حساب جميع الأطراف العربية في الشرق الأوسط، وخاصة الحلفاء في الخليج العربي.
و تخلص دراسة مركز المزماة للبحوث والدراسات إلى أن ما يجري في العراق، ينساق على سوريا ولبنان، وهو عملية لإقصاء المكون العربي السني كلياً عن المشهد السياسي، ومنه عملية تهجير وإبادة له، لتفريغ المشرق العربي كلياً من سكانه الأساسيين، لصالح استيطان شيعي يرسخ الاحتلالات الإيرانية المتوسعة في المنطقة، في ظل مهادنة دولية لنظام الملالي الإيراني، وإسناد له في عملية التغيير الديموغرافي تلك، ويشكل مرتكز انطلاق نحو دول عربية أخرى، كحتمية لسقوط المشرق بيد إيران!!

المصدر : العرب
1