لقد حققت المقاومة الفلسطينية إنجازات عظيمة وتاريخية في مواجهة العدو الصهيوني، ورسخت قواعد جيدة للسجال العسكري على أرض فلسطين. لقد نقلت المقاومة الفلسطينية المواجهة العسكرية نقلة نوعية كبيرة على الأرض الفلسطينية، وأدت إلى انهيار النظرية الأمنية الإسرائيلية، وجعلت من إسرائيل آخر مكان آمن لليهود في العالم. وأنجزت المقاومة تعزيزا فلسطينيا ذاتيا، ورفعت من منسوب الثقة بالنفس والإصرار على الاستمرار في الاستعداد والتطوير والإعداد.لقد خابت إسرائيل وفشلت، وهذا بحد ذاته انتصار للمقاومة الفلسطينية. المقاومة التي تصمد وتقاتل ببسالة، وتحول بين العدو وأهدافه لا شك منتصرة. المقاومة لم تدمر إسرائيل، ولم تُعد اللاجئين إلى ديارهم، لكنها وضعت الأسس المتينة للوصول إلى الأهداف التي تعني عودة الحقوق إلى أصحابها. وبالرغم من ذلك، ما زال الفلسطينيون بحاجة إلى الكثير من الجهود.
بين توازن الرعب والردع
حققت المقاومة الفلسطينية توازن رعب مع إسرائيل، لكنها لم تحقق توازن تدمير أو ردعا لإسرائيل. صحيح أن إسرائيل ستفكر ألف مرة قبل أن تهاجم غزة من جديد، لكن الردع الفلسطيني لن يتحقق الآن، ولن يتحقق إلا بعد تحقيق توازن في القدرات التدميرية. إسرائيل تتمتع بقدرة تدميرية هائلة، وقدراتها تتطور مع الزمن. الصواريخ التي تملكها المقاومة تحقق نوعا من توازن الرعب، لكن قدرتها التدميرية ضعيفة مقارنة بقدرات إسرائيل. إذن ما العمل؟
ضرورة توفر قاعدة عسكرية
حتى تتمكن المقاومة من تحقيق توازن تدميري لا بد لها أن تطور أسلحة وصواريخ أكثر دقة في إصابة الهدف وأكبر حمولة بحيث تشكل رادعا. تطوير مثل هذه الصواريخ يتطلب تطويرا تقنيا عاليا جدا، ويتطلب بنية تحتية كبيرة ومعقدة وشائكة، ويتطلب وجود منصات قادرة على الحركة والمناورة، ويتطلب أيضا حرية في نقل المواد الخام، ومساعدة الخبراء وربما مساعدة دول. من الناحية التقنية، المقاومة الفلسطينية قادرة على تطوير هذه الصواريخ مستقبلا. لكن مشكلة المقاومة تتعلق بالجغرافيا أكثر منها في أي عامل آخر. قطاع غزة صغير المساحة ومكتظ بالسكان الأمر الذي يشكل عائقا أمام تطوير قدرات ردع تدميرية. كما أن القطاع محاصر من قبل العرب والغرب وإسرائيل، وليس من المتوقع أن ينتهي هذا الحصار ما دامت المقاومة الفلسطينية موجودة ولديها طموح السير إلى الأمام. لا العرب يسمحون، ولا الغرب ولا إسرائيل. ولهذا مطلوب أن توفر دولة ما للفلسطينيين مساحة أرض واسعة يقيمون عليها قاعدة عسكرية ذات بعد استراتيجي. هذا ليس طلبا غريبا، فقد سبق أن خصصت الجزائر قاعدة لتدريب الفدائيين، وكذلك فعلت سوريا. لكن المطلوب الآن ليس مجرد قاعدة للتدريب وإنما قاعدة للردع.
المطلوب بوضوح أن تتخلى دولة ما مؤقتا عن سيادتها على مساحة أرض مناسبة لإقامة قاعدة عسكرية فلسطينية وتهبها للفلسطينيين مؤقتا وفق اتفاق قانوني يحدد مسؤوليات وواجبات وحقوق المقاومة. علما أنه ليس من المطلوب أن تكون الحقوق أصيلة وإنما ممنوحة ولكن مع ضمانات لحفظ إنجازات المقاومة الفلسطينية من بناء وتطوير تقني وتطوير معدات، الخ.
القاعدة العسكرية المطلوبة ضرورية من أجل إقامة ثكنات وورش ومختبرات تمكن الفلسطينيين من تطوير أدواتهم الضرورية لردع إسرائيل. وإذا كان لنا أن نفكر بأفضل المواقع لإقامة هكذا قاعدة فإن جبال القلمون هي الأفضل، وتليها جبال زاغروس. لكن الدولة التي يمكن أن تقدم هذه الخدمة للمقاومة الفلسطينية يجب أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي هجوم إسرائيلي فيما إذا استخدم الفلسطينيون القاعدة لردع إسرائيل. وهذا يجعل جبال زاغروس هي الموقع المتقدم. سوريا لا تملك قدرات استراتيجية للدفاع عن نفسها ضد إسرائيل إلا إذا دخل حزب الله على الخط، أما إيران فلديها القدرات العسكرية بخاصة فيما يتعلق بالدفاع الجوي للدفاع عن نفسها. فهل لدى إيران الاستعداد لتقديم هذه الخدمة للفلسطينيين علما أن أي قاعدة من هذا القبيل تتطلب أدوات للدفاع الجوي، ومخابئ من أجل الاحتماء من أي هجوم نووي إسرائيلي. يستمر الإيرانيون بالحديث عن تحرير فلسطين: شكرا لهم، وإقامة قاعدة من هذا القبيل سيشكل ترجمة عملية للحماس الإيراني تجاه فلسطين والفلسطينيين.
أعي تماما صعوبة قيام دولة باتخاذ قرار من هذا القبيل بخاصة أنه يتعلق بالسيادة والثقة المتبادلة، لكن الأمر مهم ويستحق التفكير به. ويشكل نقطة تحول استراتيجي بالنسبة للفلسطينيين.
الفلسطينيون بحاجة لقاعدة عسكرية!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 06.09.2014