من قواعد الإرهاب الأمريكي (إزرع الإرهاب ليحصده غيرك)
للولايات المتحدة تأريخ حافل في إيقاظ المارد الإرهابي من سباته، في عام 1963 جاء في كتاب جيمس بامفورد عما يسمى بوثيقة (نورثودز) عن الوسائل التي تتبعها الإدارة الأمريكية في حربها القذرة على الشعوب الضعيفة والمقهورة من خلال إشعال فتيل الإرهاب وإتهام جهات وطنية بإفتعالها بغية إقناع دافع الضرائب الأمريكي بأن الخطر الإرهابي يقرع بابه، أو كما يعبر المسؤولون في الإدارة الامريكية سيطاردونه قريبا في نيويورك! لابد من إثارة مخاوف المواطن الأمريكي وإلا فشلت الإدارة في إستحصال الضرائب الباهظة من جيب مواطنها لتمويل العمليات الحربية والإرهابية، وذلك قبل أن تدخل دول الخليج العربي في شراكة غير متوازنة بتحمل جزء كبير من النفقات، إنها شراكة مثيرة حقا! لأنها تدر أرباح لشريك وخسائر للشريك الثاني! الأرباح للإدارة الأمريكية فقط! والخسائر على دول الخليج العربي. لأن الإدارة الأمريكية تعتبر بقاء الحكام العرب في كراسيهم ورضاها عنهم إنما هو ربح كافِ لهم.
شعور المواطن الأمريكي بالفزع من الإرهاب وخوفه من أن يطرق بابه، من شأنه ان يجعله يفرغ جيوبه برحابة صدر لتمويل العمليات الحربية، لذا تعمل الإدارة الامريكية دائما على خلق العدو وهي مهمة يسيرة في ضوء المعلومات الغزيرة لديها، والإمكانيات المخابراتية الهائلة، والخبرة بالمنطقة وإنقياد دول اوربا لها بكل ذل وخضوع، علاوة على هيمنتها على الأمم المتحدة. وإنتهاءا بآلاف الطفيليات من وحل العمالة.
من أساليب الحرب القذرة التي تحدث عنها بامفورد ضد كوبا على سبيل المثال لتبرير الهجوم عليها هو قيام وكالة المخابرات الامريكية بخطف طائرة ركاب مدنية امريكية وإنزالها في قاعدة امريكية سرية وارسال أخرى شبيهة لها وإسقاطها عمدا في سماء كوبا، مدعين ان القوات الكوبية أسقطتها لخلق حجة لضرب كوبا. ومنها تدمير بارجة حربية امريكية وتكرار نفس الإدعاء. وسبق للولايات المتحدة ان استخدمت خدعة مماثلة عام 1941 في واقعة بيرل هاربر لتتمكن من ضرب اليابان مشيعة بان اليابانيين هاجموا قاعدة امريكية وهو ادعاء كاذب. كما يذكر جوناثان راندل: في بيروت السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كانت تجري العمليات الذكية ولكن على انحطاط يثير الاشمئزاز تتم على أيدي الإسرائيليين محرضين المسلمين الشيعة على زرع سيارات مفخخة تستهدف المسيحيين الموارنة على أمل أن يحتل المسلمون من السنة رأس قائمة المتهمين". ( كتاب أسامة بن لادن/57).
ولو أسقطنا هذه الإرهاصات على الحاضر فبالتأكيد ستكون احداث الحادي عشر من أيلول أبرز دليل على ذلك في تبرير الحرب على افغانستان والعراق وليبيا، مع قناعة المواطن الأمريكي بأن الإرهاب يلعب في ساحة داره الخلفية. في شهادة ريتشارد كلارك منسق أعمال مكافحة الإرهاب سابقا أمام لجنة التحقيق المستقلة في 24/3/2004 ذكر بان الرئيس بوش حاول جاهدا أن يربط بين العراق وهجمات 11 سبتمبر. ولكن انقشع الغيم فتبين إن الطيارين الانتحاريين تلقوا تدريباتهم في مدارس أمريكية للتدريب على الطيران في فلوريدا واريزونا واوكلاهوما منيسوتا. الطريف في احداث الحادي عشر من سبتمبر كان عدد الارهابيين (15) منهم (11) سعوديا و(2) من الامارات هما (هاني حنجور) و(ماجد مقيد) وواحد من لبنان هو (زياد الجراح) وآخر من مصر هو (محمد عطا). أي من الدول الحليفة للولايات المتحدة، وليس من محاور الشر.
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: طالما إن محور الشر حسب تسمية بوش في خطابه بتأريخ 29 كانون الثاني2 2002 شمل العراق وإيران وكوريا الشمالية بإعتبار هذه الدول هي الراعية للإرهاب الدولي، وغيرها فيما بعد جون بولتون(الممثل الأمريكي الدائم في الأمم المتحدة) بعد مضي خمسة أشهر لتضم ليبيا وسوريا وكوبا، وغيرتها عام 2005 وزير الخارجية الزنجية كوندوليزا رايس إلى كوبا وميانمار وروسيا البيضاء وزمبابوي ووصفتهم بـ " ركائز الإستبداد".
لماذا لم يجرِ عدوان أمريكي إلا على العراق وتلاه ليبيا طالما إن الإرهاب يضم بقية الدول المذكورة؟ ولماذا تُسلم الولايات المتحدة إحدى دول محور الشر(العراق) إلى دولة أخرى من محور الشر (إيران) على طبق من ذهب؟ هذا ما صرح به الأخضر الإبراهيمي لجريدة الحياة بتاريخ 25/6/2014 بقوله " لقد أهدت أميركا العراق لإيران على طبق من ذهب".
أليس للأمر علاقة بأمن الكيان الصهيوني؟ ألا يعني هذا إن إيران لا تشكل تهديدا للأمن الصهيوني؟ منذ عام 1986 أنشأت الولايات المتحدة صندوقا برأسمال(20) مليون دولار لزعزعة نظام الملالي، وعام 1985 هدد الرئيس الأمريكي ريغان بضرب إيران وسوريا لتورطهما في عمليات الإرهاب. ولحد الآن تستمر المهاترات الإعلامية بين الطرفين كزوبعة في فنجان، إلى كشف اللثام عن رابع رسالة أمريكية من الرئيس أوباما الى الخامنئي، ومن المؤكد إن الرسائل لا تتضمن التهديد والوعيد بل التنسيق السري لإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة.
التنصل من الشرعية الدولية عندما تتعارض مع المصالح
يذكر نعوم تشومسكي" أطاح الأمريكان بالحكومات الديمقراطية عندما ظهر لهم أنها لا تخدم مصالحهم الإجرامية كما حدث في إيران عام 1953م وجواتيمالا عام 1945 وشيلي عام 1972 وفي الوقت نفسه تتغاضى عن الأنظمة الديكتاتورية طالما تخدم أغراضها ولا تصطدم بمصالحها" . فعلا فقد احتضنت أمريكا سابقاً كل الطغاة السفاحين ودعمتهم بكل أنواع الدعم ضد شعوبهم مثل سوموزاني في نيكاراجوا، وبيونشيه في تشيلي، ودييم في فيتنام، وماركوس في الفلبين، وفرانكو في إسبانيا. ويما يتعلق بالعراق كما يذكر جيف سيمونز " ثمة مسحة من السخرية في حماسة واشنطن لحث العراق على احترام التزاماته الدولية تجاه الأمم المتحدة في حين كانت نفسها تستهر بالمنظمة الدولية، هي نفسها التي نسفت معاهدة الأمم المحدة للحد من الاسلحة البيولوجية برفضها توقيع ( بروتوكول التحقق). كما انتهكت شروط معاهدة الحد من الاسلحة الكيمياوية، بل طردت المدير الكفؤ لمنظمة حظر الاسلحة الكيمياوية د. روبرت واطسون من وظيفته لرفضه املاءات واشنطن". (عراق المستقبل/367).
علاوة على هذا تُعد الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم التي رفضت قرار مجلس الأمن الذي دعا الى احترام القانون الدولي واستخدمت الفيتو لنقضه؟
والولايات المتحدة رفضت التوقيع على اتفاقية اوتاوا التي تحظر استعمال وتخزين وانتاج ونقل الالغام ضد الافراد.
ولم تحترم الولايات المتحدة الشرعية الدولية في غزوها للعراق، فقد اعلن الأمين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان بأنه " دون الحصول على قرار من مجلس الأمن سيكون العمل العسكري ضد العراق غير شرعي". وكان هذا رأي خبراء القانون الدولي أيضا، فقد ذكر روبرت جاكسون (عضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة) بأن " حرب السيد بوش تنتهك القانون الدولي وتمثل جريمة حرب". وأيد يد فيرماج استاذ القانون الدولي في جامعة يوتا الامريكية هذا الرأي بقوله " ان الرئيس بوش يقود البلاد الى حرب غير دستورية، كما انها تمثل خرقا للقانون الدولي، وإعتداء على حقوقنا المدنية، وتهدد أمنا القومي، وتنهك معايير المنطق السليم". (عراق المسقبل/21).
كما قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بتعطيل(2326) عقدا وافقت عليه الأمم المتحدة اثناء الحصار الاقتصادي على العراق ومنها الأدوية وأقلام الرصاص. حتى صار الأمين العام للأمم المتحدة مسخرة أمام الرأي العام، وهذا ما عبر عنه جيف سيمونز بقوله " لقد دأب الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان على التأكيد بأن دوره لا يتجاوز الخادم لمجلس الأمن، وان منصبة لا يزيد عن سلطة أدبية فقط، لكنه موقف يرضي الولايات المتحدة". ولا أحد أن ينكر بأن أمناء الأمم المتحدة لا يتم إنتخابهم إلا وفق مقايسس الولايات المتحدة، وقبل أن يمارسوا دورهم الأممي يلبسون اللجام الأمريكي. ولم نجد لأي منهم موقف معارض أو مندد بسياسة الولايات المتحدة رغم كل جرائمها ضد الشعوب والتي تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. وهل يجرأ العبد أن يحاسب سيده؟
الإرهاب صناعة أمريكية بريطانية بإمتياز
يقول نعوم تشومسكي" علينا أن ندرك بأن معظم سكان العالم يعتبرون الولايات المتحدة دولة تقود الإرهاب، ولهم في ذلك أسبابهم الوجيهة". (الحادي عشر من أيلول/43) وفي حوار مع قناة (روسيا اليوم) بتأريخ 9/11/2014 ذكر تشومسكي" إن الولايات المتحدة لها دور كبير في حالة عدم الاستقرار الدولي وسوء الوضع العام، بسبب تدخلها في شؤون الشرق الأوسط والصراعات الإقليمية الضارة". والحقيقة إن الولايات المتحدة ما أدخلت أنفها المزكوم في شأن عربي وأوسطي إلا ونقلت له فايروسات العنف والإرهاب، والأمثلة كثيرة منها العراق وليبيا وإفغانستان في الوقت الحاضر.
الحرب على الإرهاب مخطط أمريكي بريطاني بالدرجة الأولى الغرض منه إعادة ترتيب المنطقة العربية وفق سياقات جديدة تؤمن مصالح الدول الكبرى من جهة، وتخرب ركائز الدول المستضعفة من جهة أخرى، مع التركيز على حفظ وتعزيز الأمن القومي الصهيوني، حتى لو ركع النظام العربي كله تحت البسطال الأمريكي تبقى الأولوية للكيان الصهيوني ومصالحه العايا سيما الجانب الأمني. وهذا ما عبر عنه كنيث بولوك، أحد مخططي السياسة الأمريكية بالقول"الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1978 تعتمد على ضمان استمرار تدفق النفط، ومنع هيمنة القوى الأخرى على المنطقة، وضمان بقاء إسرائيل كدولة مستقلة، مع المحافظة على علاقات مستقرة مع الدول العربية المجاورة". قد كجاوت امريكا العرب والمسلمين الذين وقفوا معها في حرب الخليج الثانية ضد العراق وحرب البلقان وحرب الشيشان بتدمير افغانستان والعراق. فنِعمً الجزاء! ونِعمً الدرس! ولكن الأنظمة العربية أقسمت بأن لا تستفيد من الدروس مهما بلغت قوتها.
نقلت صحيفة (ديلي ستار) الصادرة في 19/9/2012 عن النائب عن حزب الاحترام جورج غالاوي قوله بأن" القوات البريطانية درّبت إرهابيي تنظيم القاعدة في المملكة المتحدة. وأن تنظيم القاعدة هو من صنع بريطانيا، فهي قد موّلت وسلّحت ودرّبت نشطاء الإرهاب لمحاربة الروس في عقد الثمانينيات من القرن الماضي". مضيفا "إن تنظيم القاعدة ظهر في أفغانستان لأننا ساهمنا بإرساله إلى هناك، وسلّحنا وموّلنا مقاتليه وأسميناهم مناضلين من أجل الحرية، لقد درّبت بريطانيا مقاتلي تنظيم القاعدة في موقع عسكري في بلدة فورت وليام باسكتلندا".
كما ذكر الكاتب البريطاني(جورج مونبيوت) في صحيفة الغارديان البريطانية بتأريخ 30/11/2001 بأنه يوجد في " مدينة فورت بينينج بولاية فرجينيا معهد خاص لتدريب الإرهابيين، يسمى (ويسترن هميسفير للتعاون الأمني، تموله حكومة الرئيس بوش، وكان يسمى (مدرسة الأمريكيين) وقد قام بتدريب ستين ألف مقاتل للفترة 1946 ـ 2000 معظمهم من أمريكا اللاتينية، بغية القيام بإعمال الإرهاب والتعذيب في بلدانهم". ( الكتاب الأسود لبيتر سكون). ومن هذا يتضح إن الإرهاب في المنطفة والعالم هو من نتاج الماكنة الأمريكية البريطانية، ويبدو إن مخصص للسوق العربية فقط!
ذكر جاك مايلز" الحرب داخل الإسلام، بين الإسلاميين الراديكاليين والطوائف السنية والشيعية، تترك وراءها اليوم آلاف القتلى وملايين المشردين. المشهد الذي يظهر فيه الكثير من المسلمين وهم على استعداد لمتابعة هذه الحرب الدامية، والتي طال أمدها، بسبب خلافات دينية طفيفة، لا يتسبب للأمريكيين بالرعب فحسب، بل وبالحيرة أيضًا. حيث إننا نجد أنفسنا نتساءل أمام هذا المشهد: لماذا يفعلون ذلك؟ وربما على نحو أكثر إلحاحًا: أين سينتهي هذا المسلسل؟ وواحدة من الوسائل الجيدة لإشراك أنفسنا بهذه الأسئلة هي أن نسأل لماذا لم نفعل نحن ذلك؟". (هافينغتون بوست في 2/11/2014).
سنجيب على تساؤلات هذا الكاتب الأمعي الذي لم يدرك بعد بإن الإنتاج الأمريكي للإرهاب غير مخصص للسوق الأمريكية والأوربية! ونجيبه على تساءله: لماذا لم نفعل ذلك نحن! بالقول هل الخياط الذي يفصل بدلة للغير عليه أن يلبسها أو يفصلها على مقاسه؟
للحديث تابع.
هم يزرعون الإرهاب ونحن نجني ثماره/2!!
بقلم : علي الكاش ... 17.11.2014
كاتب ومفكر عراقي