أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
162 63 64 65 66 67 681345
تسلق النخيل في الجنوب التونسي.. مهنة تقليدية محفوفة بالمخاطر!!
14.12.2023

توزر (تونس) - “القطّاع” أو متسلّق النخيل هو روح الواحة في منطقة الجريد، فبفضله تجنى الثمار من رؤوس النخيل الباسقات في الخريف، وهو نفسه من يقوم أوائل فصل الربيع بتلقيح العراجين، يتسلق ويصعد أشجار النخيل مهما كان علوّها لذلك يعتبر الأهمّ بين العمال الزراعيين في الواحات، ويتقاضى الأجر الأعلى من بين رفاقه الذين يقومون بمهام أخرى في منظومة العمل الزراعي المتعلقة بالنخيل، نظرا إلى صعوبة مهمته وأخطارها المحدقة في كل حين.واصف الدريدي مزارع شاب يعمل في أرض والده بضيعة زكريا بحامة الجريد من ولاية توزر، وهو كذلك عامل فلاحي في “موسم الخريف” (مصطلح فلاحي يعتمده أهل الجريد للدلالة على موسم جني التمور)، يتهافت إليه المزارعون والمجمعون ليشتغل معهم نظرا لمهارته وخفته وتمرسه في صعود أعالي النخيل منذ كان يافعا.
يتحدّث واصف عن المهنة لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) بأسى، فواحد من أصدقائه المقربين أضحى من أصحاب الإعاقة منذ بضع سنين بعد سقوطه من أعلى شجرة نخيل، ما سبب له عجزا جزئيا لم يستطع معه العودة إلى نشاطه، ففتح محلا لبيع مواد التنظيف بعد تلقيه إعانة من الدولة.ولئن يمثل موسم الخريف فرصة لواصف ونظرائه من متسلقي النخيل من أجل الكسب، إلّا أنهم يعودون خلال باقي أشهر السنة إلى سجل العاطلين عن العمل، فعملهم موسمي يرتبط بفترة التلقيح ثم الجني، وفق تأكيد واصف الذي يعتبر أن مهنة تسلّق النخيل مثلما تدر أرباحا على صاحبها قد تكون أداة لموت محقق في بعض الأحيان.وكمزارع يعين والده في مختلف مراحل العمل داخل الضيعة، يعتبر واصف أن النشاط في واحات الجريد وخاصة حامة الجريد قد تحوّل إلى نشاط غير مربح نظرا لتراجع إقبال المصدرين على اقتناء المنتوج على رؤوس النخيل ما دفعهم إلى جنيه بمفردهم وتحويله إلى معامل تكييف التمور أين يروج بأسعار بخسة، وفق تأكيده.
ومن جهته، قال عبدالرحيم العكرمي والذي قضى سنوات من شبابه يتولّى مهمة تسلق النخيل، إن “هذه المهنة على خطورتها تفتقد لعدة جوانب من بينها التغطية الاجتماعية (التأمين) ووسائل الحماية”، ففي كثير من الأحيان تكون حياة العامل عرضة للخطر بسبب الحوادث وأخطرها السقوط من أعلى النخيل، داعيا أجهزة الدولة إلى التفكير في توفير تغطية اجتماعية لعمال الزراعة في الواحات وخاصة متسلقي النخيل.وتعدّ الأخطار من بين أسباب عزوف الشباب عن تعاطي تسلّق النخيل في السنوات الأخيرة، والّذي أصبح حكرا على مجموعة قليلة تمتهنه لغياب فرص تشغيل أخرى، كما يعدّ النشاط منسيا باعتباره لم يحظ باهتمام الأجهزة الرسمية ومصالح وزارة الفلاحة، وفق ذات المصدر.وكانت إشكاليات وأخطار مهنة تسلق النخيل محور اهتمام جمعية المنحلة للمواطنة الفاعلة بتوزر التي تناولت الموضوع من 5 جوانب، بحسب سالم بن سالمة عضو الجمعية، وهي الجانب القانوني والتشريعي باعتبار أن هذه المهنة لا وجود لها في المعجم الوطني للمهن، وحوادث الشغل المرتبطة بمهمة العامل أثناء تسلق النخيل حيث لا تتوفر قائمة في المخاطر والحوادث المحتملة وسبل الوقاية منها، وغياب التأمين الاجتماعي نظرا لغياب علاقات تعاقدية واضحة بين العامل والمشغل سواء كان فلاحا أو مجمعا أو مصدرا، علاوة على عدم توفر مسالك للتكوين المهني تهتم بالمهنة وذلك للتقليل من المخاطر المحتملة وتحسين الوسائل المعتمدة للوقاية في ظل تواصل استعمال وسائل بدائية.
فلهذه المهنة أخطار عدة لا تقتصر فقط على حوادث السقوط من النخيل وما تسببه من أضرار بدنية تصل حد الإعاقة لدى البعض، بحسب عمل ميداني أجرته الجمعية، بل تشمل كذلك حوادث لدغ الحشرات السامة، ودخول الأشواك في يدي وقدمي المتسلق، وكذلك أضرار استنشاق العامل للأدوية المستعملة للقضاء على بعض الأمراض والحشرات وهي أخطار تتطلب، حسب بن سالمة، زيا خاصّا.ويعتبر غياب الميكنة جانبا خامسا اشتغلت عليه الجمعية للتنبيه والتقليل من حوادث تسلق النخيل، فوسائل العمل الزراعي في الواحات ما تزال تقليدية وبدائية وتكاد تكون يدوية بنسبة تقارب مئة في المئة، ولم تطوّع ميكنة الزراعة لتتلاءم مع خصوصية العمل داخل الواحات وخاصة في تسلق النخيل إذ تغيب آلات للجني من رؤوس النخيل مثلما هو معمول به في أنشطة زراعية أخرى ومنها جني الزيتون، وفق ذات المصدر.وبغاية التوعية، نفذت جمعية المنحلة للمواطنة الفاعلة ضمن المشروع العديد من الأنشطة التحسيسية بالشراكة مع المزارعين ومصالح الحماية المدنية، وأنشطة أخرى مع مصالح إدارية ذات العلاقة، كما وفّرت بعض وسائل الحماية كالقفازات واقتنت آلة رافعة وضعتها على ذمة مركز التكوين المهني في زراعة النخيل بدقاش كخطوة أولى لبدء إدراج الميكنة داخل الواحات.وشملت خاتمة هذه الأنشطة الجانب التشريعي والقانوني، حيث تقوم الجمعية بحملات مناصرة للاعتراف بخصوصية مهنة تسلق النخيل على مستوى برامج التكوين ومعجم المهن، وإفرادها بدليل إجراءات خاص يهم السلامة المهنية والوقاية من حوادث الشغل.


1