بقلم : ريم عبيدات ... 20.03.2009
هي قصة القصص، وحكاية الحكايات، منذ تباشيرها نصبتها الطبيعة لتكون الخارقة، بل لتكون المستحيلة، فوحدها الخصب المطلق والطبيعة العصية على الانصياع، ووحدها تباريح الفرح والخير حين تثمر كل الفصول عناقيدها المشتعلة ألقاً وأنوثة وجمالاً، ومن غاباتها فعل الاخضرار الدائم الذي لا يعرف الجفاف مهما تناسلت نيران الحياة، وحاولت النيل من عذوبته ورقّته.
في تلافيف ذاكرته الأولى كانت أول المعبودات، الفكرة البكر للابتهال والاسترحام والتضرع، وكانت معابد الهلال الخصيب هي سكن الآلهة وأمكنة اتصالها بالناس مثل: إنانا وعناة وعشتار.
في تراثنا الأسطوري تبدو تلك الشامخة والعصية على اليومي والعابر، تجيء في أحلامنا رشيقة كسهم الحياة. وتبدو المرأة في ملاحم تراثنا، خارقة القدرة، مبدعة لكل أشكال التكوين، مهيوبة كما يليق بسطوتها الأسطورية المذهلة.
منذ هناك وجديلتها يسكنها ملايين الأطفال، وتحرسها عيون تنفتح في شرق الأرض لتغمض في غربة، ومن رحمها يتناسل الفرح مواسم وأعياداً وحضارات، أغاني وأهازيج وحكايات.
الأسطورة الكنعانية نصبتها فعلاً للمقاومة فيما تقول “عند قدمي عناة انحنيا واركعا، أعلنا لسيدة الأبطال رسالة بعل العلي: أن أقيمي في الأرض وئاماً، وابذري في التراب محبة، واسكبي السلام في كبد الأرض، وليهطل الحب مخترقاً جوف الحقول”.
الأمومة ليست الفرع الذي استل من شجرة الإنسانية الوارفة، بل هو لحن الغابات المجتمعة لتصدح في أرواحنا صيفاً قبل شتاء، نهاراتنا العفية العابقة بالفعل وبالإنجاز وبالترحال الحر، ومساءاتنا المكتحلة بانتظار فارسها الخارق للفعل الفروسي برمته.
في محاولة يائسة لوصفها، تنتشر بين غيوم الأرض والسماء كشلال من الذكريات يسيل بين تداعيات وذكريات ومقارنات في الذاكرة يستعصي لجمها، وتوهجات قادمة من مستقبل الحلم بلا هوادة.
ومن أين نبدأ وصف الأمومة من استتباعات الجسد وتشقلباته الكثيرة، وقدرته الجديدة على أعتى درجات الاحتمال. من الإرادة التي تتحول إلى صخور القوة، فتنقلب فجأة إلى قوة خارقة صلبة فولاذية على الاحتمال والصبر على المولود الذي يتسلح بالبكاء الدائم. من انطلاقات العقل الجديدة فتلك حكاية أخرى في الوصول إلى عوالم لم تطلها القدرات الواعية ولا حتى المستترة عميقاً في كهوف تجاويف الدماغ، أم من خريطة الوجدان التي تتمازج تضاريسها لتصبح في لحظة كل الفصول وكل الثلوج وكل الشموس وكل الشتاء.
الأمومة فعل الأرض الأوحد، فعل الصخرة الأقوى وفعل النبض الذي لا يتوقف إلا بتوقف الحياة، فهل الشتاء الذي ما انفك يعلن موعده ليلاً نهاراً.
إلى أمهات هذا الكون العصي على الأمومة: كل عام وأنتن بألف خير.