بقلم : رشاد أبو شاور ... 20.05.2009
من لهجته، وملامح وجهه وما ارتسم عليها من غضب وتوتّر - ثمة ابتسامة خفيفة متوعدة - خمّنت أن وراء الأكمة ما وراءها، فاستبشرت خيراً، وقلت لنفسي: وأخيرا بلغ السيل الزبى، لقد فار دم الجماعة، وفي مقدمتهم السيّد الرئيس، وما بقي غير الرّد على النار بالنار، والتصعيد بالتصعيد، والتحدي بالتحدي، وملعون أبوك يا حياة الذّل، و(طز) في المفاوضات، وليكن ما يكون، والدليل هذا الرد الناشف :
ـ لن تكون هناك مفاوضات إذا لم يتوقّف الاستيطان!
كان هذا جواب سيادته على سؤال وجهته مذيعة 'الجزيرة'، مستفسرة عن رد السلطة على الاتفاق الذي فضحته 'هآرتس' بين نتنياهو وليبرمان، والقاضي ببناء ألوف الوحدات السكنيّة التي ستحكم انتزاع القدس وتهويدها، وتفصل الضفّة إلى منطقتين غير متصلتين، وتشقّح ـ يعني تقسّم، وتجزّىء ـ كالبطيخة، كل منطقة، إلى عدّة مناطق مفصولة بعدّة مستوطنات، وعشرات الحواجز، ناهيك عن تأوّد وتلوّي وتغنّج الجدار بينها، لاهفا المزيد من مساحات تضيق على الفلسطينيين!
قلت لنفسي: ما حدث كان يجب أن يحدث، وإن بعد تردد، وطول صبر، وتحمّل إكراما للرباعيّة، والمبادرة العربيّة، هذا ما طمأنت به نفسي المتشوّقة لوقفة عز، ولو لمرّة واحدة من جماعة المفاوضات، والمزيد من المفاوضات...
طبعا أنتم لفت انتباهكم أننا ما عدنا نرى أو نسمع صوت (أبو علاء) قريع، اللهم سوى تصريح يتيم مفاده أن مؤتمر الحركة ـ الحركة بركة ـ لن يؤجّل. في ما بعد تمّ تسريب أخبار بأن المؤتمر سيؤجّل، وربّما يُعقد في (جوف) الاحتلال، مع وعد بتحييد شدقيه، وأنيابه، و..إخراج (يونس) الفتحاوي سليما، وقذفه من جديد إلى المنافي بعد انتزاع موافقته على المزيد من المفاوضات، والجنوح للسلام!!
وهناك عبد ربّه أيضا منذ فترة توارى عن الأنظار، وكونه يساريا سابقا، وهذا ما لا يجب أن يُنسى، أو يغيب عن البال، فإن الاختفاء ليس كما يروّج مبغضوه بأنه انهماك في إعداد وثيقة جديدة بينه وبين بيلين، لتنازل جديد عن (حق عودة اللاجئين)، ولكن لأنه نزل تحت الأرض استعدادا للمرحلة القادمة، وهو يجتمع في مخبئه مع عدد من أبطال (أوسلو) الذين تستفزهم تصريحات ليبرمان، وتوعدات نتنياهو، وهؤلاء جميعا لا أريد أن افشي أسماءهم حتى لا أقدم معلومة للعدو الذي يتربص بهم - قد تنادوا فورا، عند افتضاح أمر اتفاق نتنياهو وليبرمان، والتقوا في مكان سرّي لم يُعلن عنه، وتهامسوا لزوم السريّة المطلقة، ودقّوا رؤوسهم برؤوس بعض، كما يقال، وقد تناهى إلى مسامعنا طرف من الحوار المعمّق بينهم، والذي يوحي بأن استراتيجيّة جديدة في طور النشوء بينهم، تعتمد على مفهوم (الكرة في ملعبهم):
ـ يا اخوان! ..القدس ضاعت، والضفة ضاعت، و..الدولة لا تحلموا بها، فما العمل؟
ـ يا أخي ما بدك تبطّل يساري؟ لماذا تثبيط الهمم، ها؟!
أحدهم منفعلاً :
- نحن غرقنا تحت المااااااء.
- بلا ماء بلا بطيخ: نحن غرقنا في ال..راء، والقادم أعظم..لو ماء بسيطة!
يصيح أحدهم مهتاجا:
- أعود للسؤال: ما العمل؟
- نعلن بحزم ، في وجه الرباعيّة، وأوروبا، وآسيا، وأفريقيا، والمؤتمر الإسلامي، وقوى التحرر، وقوى ال...
- خلصنا: ماذا نُعلن؟
- نعلن تعليق المفاوضات حتى توقيف الاستيطان!
- توقيف، أم وقف.. ها؟!
- أنا لست مع التوقيف، أو الوقف، أنا مع شيء آخر: التعليق!
يفرك أحدهم يديه بسعادة:
- نعم: التعليق، فالتعليق يعني...
- لا لا لا، نريد شيئا أكثر حزما: فلنقل: الكرة في ملعب ال..الرباعيّة، ونحن لن ...
- بلاش لن، لأنها تحمل معنى التهديد...
- نحن لن نهدد، نحن سننفذ...
- وبماذا ننفّذ بعد كل الذي جرى؟
- نلبس كاكي.. جميعا.
بجدية مفرطة إلى حد الميلودراما:
- ونحلق على الصفر مثل منتخب البرازيل، خاصة أنت مدعبل مثل رونالدينو في آخر أيامه.
- بلا مسخرة، خلونا في الجد: نحلق على..لخبطتني، نلعب على (السفر)..عجبك هيك؟ انت خربطتني، توهتني عن الفكرة ..نلبس كاكي، ونظهر أمام الكاميرات بنظارات سوداء، و..لا نجيب على أي سؤال، سوى بالعبارة التالية: الكرة في ملعبهم...
ـ لنفرض أنهم أعادوا الكرة إلى ملعبنا؟
- نعيدها إلى ملعبهم، يعني: نلعب بهم، يعني ندوخهم ونحن نلعب معهم، ونعيد الكرة إلى ملعبهم، ولا نعطيهم فرصة للخروج من الملعب...
ـ هذا إذا دخلونا في الملعب يا حلو، فالملعب ملعبهم، ونحن لا ملعب لنا يا ..مُلعب!
ـ إذا ما دخلونا الملعب، بنروح مع الجمهور، وبنصير نشجّع الشغب في الملعب!
ـ لا، لا..لازم تكون عندنا روح رياضيّة حتى نكسب الرأي العام، والحكم، واللجنة الدوليّة، و..بلاتر!
ـ ومن هو بلاتر بلا مؤاخذة؟!
ـ سؤالك ينم عن جهل بكرة القدم! ..بلاتر هو
رئيس (الفيفا)...
ثمّ انتقل (الجماعة) إلى وضع خطّة استدراج في حوار القاهرة، وذلك بتمديد عدد الجولات، حتى يزهق (الراعي)، ويمل الشعب الفلسطيني، وتكون الإدانة للطرف المسوّف، المماطل...
ولذا بادر واحد (منهم)، وما هذا بصدفة، وأعلن ببراءة أن (الراعي) المصري، أي رئيس المخابرات اللواء عمر سليمان، ابلغ المتحاورين، بأن هذه الجولة، الخامسة، هي الجولة قبل الأخيرة، وأنه سيبلغهم إن لم يتفقوا، بالقرارات النهائيّة الملزمة!
ولأن مصطلح (جولة) له صلة بالملاكمة، رغم أن الجماعة ليسوا رشيقين، ولا أعمارهم المستهلكة تناسب الصعود على الحلبة، فقد آلوا على أنفسهم أن يستعينوا في جولات الحوار، بدراسة تاريخ الملاكمة، وعدد الجولات في المباريات، ولمّا اكتشفوا ان الجولات للهواة ثلاث فقط، وللمحترفين فوق العشر جولات، يعني 11، أو 13، أو 15، وأنها تقتضي من لاعبي الأوزان الثقيلة قوّة عقلية ونفسيّة وبدنيّة، ورشاقة ..يئسوا، فلا هم هواة، ولا هم محترفون، فما العمل؟!
قرروا بعد التشاور مع (المرجعيّة) المصريّة، بأن ست جولات تكفي، ولتكن الكلمة لسيادة اللواء، فهو الأب، وهو الذي سيرفع يدنا على الحلبة، ونحن ما علينا سوى رسم رقم 7 العربي، أو الحرف الإنكليزيV، مع شوية ضجيج، وننتهي من حرج جولات الحوار!
'حماس' ستجد نفسها أمام السؤال الشكسبيري الهملتي: نقبل أو لا نقبل، ذلكم هو السؤال؟
أمّا الشعب الفلسطيني، في الضفّة والقطاع، وفي الشتات، والمهاجر، فأتوقّع أن لا يستمر في التفرّج على لاعبين مترهلين، وملاكمين غشماء، جميعهم يلعبون ضد بعضهم، وعلى بعضهم، في حين لم يبق من أرض الضفة ما يكفي لملعب كرة قدم بالمقاييس الدوليّة، فما بالك بدولة؟!