أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
حاجز واحد فقط يفصلها عن الموت... أو الحياة!!

بقلم : سهام نصر  ... 20.05.2009

بعد المعاناة اللامتناهية الخالية إلا من الابتسامات الروتينية على شفاهٍ اعتادت الصباحات رؤيتها مع الموسيقى الفيروزية، التي تعلن النقطة الأولى وربما ساعة الخلق الأولى، حتى يعانق التعب التجاعيد المترامية بقسوة القهر تحت العين، مداعباً الجفن العلوي، عله يتناسى قوانين الكون مرة واحدة فقط بالصدفة، وينجذب إلى سرير الغرفة الوحيدة عدد كاف من دقات الساعة التي ضجرت من العبثية المتكررة عند السابعة صباحا والسابعة مساء...
الآلام أصبحت بالنسبة لها مشتهاة! والسابعة مساءً أصبحت جنة موعودة بأنهار رقراقة! فالحب على موعد مع الابتسامة، تلك الابتسامة التي خرقت العزلة، وألفت الوحدة، وأصبحت أعذوبة الحزن الوحيدة...
عيونها تبتعد إلى الشرر الساحر المنبعث منه، أسر أضلاعها وذلك القلب المختفي بينها، تتحرك أصابعها لتبحث دائماً عن الأقلام التي تلون الشفاه وُتخرجها من لون العمل، تبحث في الجيوب الضائعة في حقيبتها المتناهية في الصغر، عما يغير هيئتها، الهيئة التي تراها الشمس كل صباح، فترتدي الألوان الفاتحة علها تعكس الأمل في تفاصيل حياتها المضجرة...
تراه ، تبتسم تلك الابتسامة الغائبة عن الحقيقة، تحتفظ بذكرى الابتسامة فقط لتستطيع البقاء عالقة في زحمة تفاصيل الكون! وتستمد منها القوة الرمادية لتتحمل عناء اليوم التالي ...
في الليل!! والظلام ُيتعب الروح، والجسد يتأوه طالباً الضياء، تتقافز صيحات الضمير ونداءاته، هذه الصيحات التي طالما حرمتها السلام، هي الوحيدة وليست الوحيدة!
تعيش معها تقاليد الحياة القادمة على طريقٍ طويل من بلدها إلى بيتها، لا تتركها أبداً، ُتيقظها أيام العطل باكراً لتعذبها أكثر، هي الحاملة في ذاكرتها عشرين عاماً، وقصص الموت والعشق، والعار والهروب، والدم والتمرد، والحب الذي ما عرف الولادة الطبيعية أبداً...!
هي المخبئة تهديدات أمها في زاوية نائية في غرفتها الوحيدة، إذا ما اقتربت من الخطر المحظور الاقتراب منه...
ولكنها في السابعة صباحاً تظاهرت بأنها تناست الجدل الدائر مع الجدران، وضحكت هذه المرة بدلاً من ابتسامتها المباحة لأجله!!!
"هو أيضا لديه زوايا في ذاكرته تعشش فيها المحرمات، لكن لديه الآن فتاة تبتسم كل يوم واليوم ضحكت.. هي إذاً سهلة جداً، لن تقاوم، لن تجادل، هي فرصة لن تتكرر"
لم تستطع غرفتها الوحيدة أن تصمد أمام فرحتها عندما طلب منها موعداً مكتوباً على ورقةٍ صغيرةٍ جداً كأحلامها، نسيت عندها أمها وغرفتها وتهديدات الموت أو الحياة...
ذهبت إلى موعدها دون مبالاة، رافضة التفكير بحقيقة الوهم أو وهم الحقيقة، ظنت أنها ستدخل مقهىً صغيراً تعج ألوانه الرومانسية بالحب الصاخب بين الشموع، لكن شيء من قبيل الرعب انتشر في خلاياها عندما أدار المفتاح بيده في ثقب الباب المغلق...
سحر ابتسامته الذكية جعل الرعب المتخفي يتطاير من نوافذ مفتوحةٍ، وأغلقت فجأة بحجة البعد عن فضول الأشجار والمارة..!
جمدت عروقها الحمراء عندما لمستها يده، تمنت لو أنها لم تأت، ضاعت في التفاصيل، ضاعت بين اليقظة والانهيار، تناهت بين ألوان غريبة ما اعتادت أبداً رؤيتها سابقاً، ترى بقاياها المحطمة العارية أمامها على المرآة، تحاول جاهدة أن تكذِب المرآة، تصرخ لربما الكابوس يتلاشى، لكنه قدر، والصيحات لا تمحيه...
عندما وضع يده على فمها وقال: أليس ذلك ما أردته ولأجله قبلت الدعوة؟؟
كانت تلك العبارة الأخيرة التي التقطتها خلايا النسيان لديها...
حملت خيبتها، غادرت الوهم، غادرت الحقيقة والقدر، ورحلت...
لم يتبقى لديها سوى... خسائر
كانت تحلم لو أن روحها المغتصبة تعود، لو أنها لم تفقد ذلك الحاجز الوحيد الذي يفصلها عن الموت، لو أن وجع المصيبة وخجلها واحمرار وجنتيها يرأفان بها، لو أن الحرارة العالية المترامية على جبهتها وأطرافها تنقذها، لو أنها لن تصبح إشارة استفهام... لو أنها ... لو أنها...
في السابعة صباحا مرة أخرى، فكرت، ماذا هي فاعلة؟
ليس أمامها سوى جهنم تنتظرها، رصاصة الدفاع عن الشرف، أو سكين قتل العار!
تسحب أشلاءها إلى القمة، ليس باستطاعتها الآن أن تحتفظ بابتسامتها، تودعها ، تودع ذرات الندى، تودع السماء... آخر الألوان التي رأتها...

المصدر : موقع نساء سوريه