بقلم : رشاد أبو شاور ... 22.07.2009
أبو نتنياهو البروفيسور بن تسيون نتنياهو أكّد لتلفزيون العدو القناة السابعة، بأن ابنه رئيس وزراء الكيان إيّاه يضحك على العرب، وأنه لن يعطي الفلسطينيين دولة، وهو يطرح عليهم شروطا لا يمكن أن يقبلوها: نتنياهو لا يدعم دولة فلسطينيّة، فهو أخبرني خلال أحاديث عائليّة بأنه يكذب على العرب، حيث وضع أمام هذه الدولة شروطا تعجيزيّة لن يقبل العرب مطلقا بأي شرط منها.
البروفيسور فخور بإبنه، ولذا فهو وبمناسبة مائة يوم على ترؤسه الوزارة يصرّح: أنا واثق بأنه يعرف ماذا يفعل، وأنا أعتقد بأنه لن يفعل أشياء تافهة...
أمّا موقف أبو نتنياهوالشخصي من الدولة فهو: إن هذه البلاد يهوديّة وليست عربيّة، ولا يوجد مكان للعرب ولن يكون، كما انهم لن يقبلوا بشروطنا للأبد...
يُمتدح الرجل إذا ما كان شجاعا بأنه راضع من حليب أمّه، وفي حالة نتنياهو فهو راضع أفكار أبيه، فثقافتهما الواحدة المتوارثة غير شخصيّة، بل هي صهيونيّة قّح، تنطلق من أن فلسطين لليهود، وأن العرب لا مكان لهم فيها، وأن هذا يتحقق باجتثاث العرب بالقوّة، وبالتحايل عليهم بالأكاذيب، مع تهويد الأرض، ومحاصرة المتشبثين بها بحيث ييأسون ويضطرون للهجرة بسبب الفقر، والحاجة، والسجون، وتضييق كل سبل العيش.
نتنياهو الإبن من ذلك الأب، والكذب على العالم وعلى العرب بالأخص مبرر، وهو جزء فعّال في الاستراتيجيّة الصهيونيّة التي لا تعنيها الأخلاق، ولكن الوقائع التي تتحقق على الأرض.
ونتنياهو يضحك على الأبوات الذين ابتلينا بهم، والذين رغم كل ما يحصل على الأرض، فإنهم لن يفكروا في تغيير شيء من خيارهم التفاوضي الذي لا خيار لهم غيره.
يمضي نتنياهو ومعه بعض عتاة الصهاينة: ليبرمان، بيريس، باراك، بخطوات تحقق انتزاع الأرض من الفلسطينيين، وتفويت الفرصة على أي بصيص أمل بأن تكون القدس الشرقيّة عاصمة للدولة الفلسطينيّة، وآخر ما تمّ الكشف عنه سلسلة من الأنفاق تحت المسجد الأقصى، تشبه أن تكون حيّا كاملاً بغرض السياحة تحت الأرضيّة، التي ستنبثق فوق أرضيّه بطرفة عين في وقت غير بعيد إذا ما استمر حالنا على ما هو عليه من تراخ ولامبالاة، وبقيادة المضحوك عليهم!
هناك (مأثرة) استيطانيّة جديدة، وهي تحويل حي الشيخ جرّاح إلى حي يهودي لاستكمال تهويد القدس.. بينما المفاوضات بين فتح وحماس تتواصل في القاهرة، وستتواصل مع تواصل الاستيطان وضياع القدس!
أبو نتنياهو فخور بابنه الذي لن يتغيّر، والذي سيجرجر العرب وراء أكاذيبه، وبخاصة الأبوات المزمنين فلسطينيّا.
قاطرة الصهيونيّة تمضي سريعا في تحقيق مشروعها، وتحويل أحلامها إلى حقائق ووقائع لن تدفع الرأي العام الدولي الرسمي المُهيمن عليه أمريكيّا ـ وفي أغلبه هو منحاز للمشروع الصهيوني ـ لمعاقبة الكيان العنصري للانصياع والانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 67، خاصة وبعض المستوطنات باتت مدنا كمعاليه أدوميم وأخواتها.
نكبتنا ليست في الصهاينة الذين لا يخفون عداءهم، ولا يغطّون مشروعهم بتفاصيله، ولكن نكبتنا المكرّسة هي في هؤلاء الذين يركضون وراء أكاذيب الصهاينة، ومراوغاتهم، و.. وعود أمريكا بدولة، إدارة بعد إدارة، بينما الاستيطان يزحف من كل الاتجاهات، فيهوّد القدس، ويقبض على ضفة نهر الأردن الغربيّة في منطقة الأغوار، ويمسك بالبحر الميّت بالمستعمرات، والمشاريع الاقتصاديّة الاستثمارية، بحيث لا يبقى للفلسطينيين سوى الملح في عيونهم ليسيلوا غزير الدموع على واقع كابوسي أغواهم بوعود السلام، وأخذ منهم كّل ما كان معهم قبل مسيرة أوسلو الحقيرة.
لا نلوم (أبو نتنياهو) على فخره بابنه، ولكن يفترض أن نلوم أنفسنا على استمرار السير وراء أبوات جلبوا على شعبنا وقضيتنا كّل المصائب وما زالوا يواصلون جلب المزيد، فلا ضمائر تستيقظ، ولا عقول تفكّر، ولا وطنيّة توقظ، فهم يسيرون مضبوعين خائفين مستسلمين، والمصيبة انهم لا يفكرون في الانسحاب وترك القيادة ليختار الشعب من يثق بهم، ومن لا يخافون على مصالحهم وامتيازاتهم، وما يتنعّم به أبناؤهم في تجارتهم وسمسراتهم وثرائهم المفاجئ والذي لم يرثوه عن أسرهم التي هي أسر آبائهم الفقيرة كأغلبية الأسر الفلسطينيّة.
أبو نتنياهو مبسوط من ابنه فهو ينفّذ الدروس التي لقنه إيّاها على العرب البلهاء، ونحن بماذا نفخر؟! بهبلنا أننا صدقنا هكذا قيادات، وأننا لم نعاقبها على كل ما فعلته بنا وبقضيتنا!
نتنياهو مثل أولمرت مثل بيريس مثل..يضحكون على الأبوات الذين نكبنا بهم، وهؤلاء يقيّدون أيدينا وأرجلنا، وهم الآن يخنقون شعبنا بمخططات الجنرال دايتون، و..نحن ندور في معادلة لا مخرج منها إلاّ بأن يتحرّك الشرفاء الصادقون، فينفضوا التردد والمراهنة، فالوحدة الوطنيّة لن تتحقق وهؤلاء موجودون، والتغيير لا يتم بالمصادفة، ولا يأتي من عالم الغيب، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
تصريح أبو نتنياهو أوجعني كما أوجع الفلسطينيين الذين سمعوه أو قرأوه، فهو استهتار بنا، وبوعينا، وبذكائنا، وبخبراتنا!
نحن شعب ذكي، متعلّم، يُفترض أنه استفاد من التجارب التي ذاقها، وعانى من أكاذيب القادة الصهاينة قبل نتنياهو وبعده، ومن مراوغات الصهاينة، ووعود أمريكا، وجرائم دايتون الأمريكي الذي يفسد في الضفة ببناء أجهزة مُرتزقة، والذي صرّح مباهيا بأن الأجهزة التي بناها منعت تفجّر انتفاضة ثالثة أثناء الحرب على غزّة!.
لقد لحق بالأبوات من يرفعون شعار دولة في حدود 4 حزيران /يونيو، وبهذا تكتمل دائرة العجز ومسيرة الوهم، فالأبوات لم يخلعهم من جاء بعدهم، ومن راهنّا عليهم ببراءة، و..كأننا نسينا جذورهم السياسيّة، وخلفيتهم الحزبيّة التي عملت دائما في خدمة أعتى نظم الرجعيّة العربيّة!
أبو نتنياهو يفخر بابنه ونحن ليس لنا إلاّ أن نخجل من وجود الأبوات، ومن تبعهم، ومن ينافسهم في مسلسل التنازلات!
عاتبني أحد الأصدقاء لأنني لم أكتب هذا العام عن المعلّم غسان كنفاني..وها أنا اذكّر بواحد من الدروس التي تركها لنا في روايته الصغيرة الكبيرة القيمة (رجال في الشمس).
في تلك الرواية يُهـــرّب فلسطيني اسمه أبو الخيزران ثلاثة فلسطينيين هربوا من حياة الشقاء في المخيّم إلى الكويت، في صهريج تحت شمس الخليج الرهيبة، فيكون ان يموت الثلاثة : أبو قيس، مروان، وأسعد.
لقد وضع الفلسطينيون مصيرهم لسائق قائد خصي فقد رجولته في حرب48...
في بيروت، قبل سنوات، كتبت مقالة بعنوان: احذروا عودة أبي الخيزران...
ومن جديد أعود لأحذّر: إلى متى يستمر تسليم مصيرنا لأبوات الخيزرانات؟!
أبو الخيزران رمى بجثث الفلسطينيين الأشقياء على مزابل الكويت، ولم ينس أن ينتزع الساعات من حول معاصمهم، فالموتى لا يحتاجون لمعرفة الوقت!
يؤلمني أننا حاليّا خارج الوقت، وأن عدونا يستغل دوخاننا، وتضييعنا للاتجاهات..وها هو يرسم مستقبل فلسطين، بينما (أبوات الخيزرانات) يصادرون زمن فعلنا، ويضعون شعبنا وقضيتنا في الصهريج...
في رواية (رجال في الشمس) يحمّل أبو الخيزران ضحاياه مسؤولية موتهم: لماذا لم تدقوا جدران الخزّان؟!
فلندق نحن من نعي الكارثة ـ النكبة الجــــديدة..الــــجدران، ولنتخلّص من الخصيان الذين استنسخوا من أبي الخيزران، وصاروا سلالة تمسخ قضيتنا، وتشوّه وجه شعبنا، وتضيّع حاضره وماضيه ومستقبله...