بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 08.08.2009
تصيرُ الكلمةُ صرخةَ توجّعٍ، أو تعبيراً وجدانياً عن واقعٍ، وتصيرُ جرساً يدق الأبوابْ، أو قمراً يتدلي في ليل الغيابْ، وغزةُ امرأةٌ حاملٌ، تتعثرُ لو سارتْ في الظلمة، فإن جاءها المخاضُ، تَهزُّ بجذعِ النخلةِ، وقد هزت غزةُ بجذعِ النخلة مراتٍ ومراتْ، وتساقط عليها رطباً أبياً، عندما فرضت على "شارون" ملك الاستيطان، وصاحب قبضة الموت، الهروب من غزة، واقتلاع مستوطناته بيديه، ولكن شارون ما كان ليهرب لولا هروب اللواء "غازي الجبالي" قائد شرطة غزة، وأمثاله، وإلا لظلّت غزة أسيرة لخارطة الطريق، ولظلت الدولة العبرية في مأمن من هزات غزة الأرضية، ولكن غزة استعذبت الهز مستمسكة بجذع النخلة أمام صناديق الاقتراع للمجلس التشريعي، فتساقط عليها رصاصاً غبياً، عندما صارت غزة ترش الملح على جرح غزة، وترجم فوانيس الأمل ببلاهةٍ، إلى أن جاءها المخاضُ، وهزّت غزة بجذع النخلة، فتساقط عليها أمناً جنياً، وسلاماً داخلياً، وثقة بالغد، واستعداداً للمواجهة مع عدوٍ لا يعرف إلا لغة الموت، لتعيش غزة، وتجمحُ رغم أنف القاعدين، وتصمت غزة وهي جانحةٌ للصراخ، وتصمد غزة وهي جائعةٌ إلى الرطب الجني، وتصمد غزة، وهي في جائحةٌ إلى الأسمنت، والحديد، والبناء، والخشب، والحجر، والمعابر، والسفر، ولكن غزة قبل هذا وذاك بحاجة إلى الطاقة الكهربائية التي تنبت من سقف البيت الفلسطيني لتضيء كل الأركان.
غزة قلمُ حبرٍ يكتبُ على الجدرانْ، وقطرة صبحٍ تسيل على خد الزمانْ، وأصداء عشقٍ تهمس بعنفٍ، وحنانْ: صامدون، وصامدون، وصامدون؛ إنها قمر الكلام الذي طالما أضاء ليل الغربة، والشتات، والمواجهة. صامدون؛ كلمة السحر في ذاك الزمن الفلسطيني عندما كانت الرجال لا تنخُّ تحت الأحمال، ولا تلتفت إلى وقع خطاها، ولا تلتقط ما تساقط من فتات، عندما كانت فلسطين هي كل فلسطين، وكانت "صامدون" تهز الوجدانْ، وتتحدث عن إرادة رجال تأبي الانكسار، رجال تجردت، فانبرى لها الشرف، وقضتْ يُحَضّنُها الوطن، ليكتب القلم الذي توضأ في فضاء غزة، يعبّر عن واقع تراه العين، ويعزف ما تسمعه الأذن، وينطق بما ارتجف له القلب، وذابت فيه الروح، ليرسم أفقاً من كلام: صامدون، صامدون هنا، قرب هذا الجدار الأخير، وفي يدنا يلمعُ الرعبُ، في يدنا، رغم هذا الحصار الكبير، وفي دمنا يلمعُ الحب، والشوق إليك والحنين، حتى ينطفئ المصباح في قلوب أعدائك يا فلسطين.