بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 24.08.2009
يحلو للبعض الترديد: بأن هنالك أطرافاً فلسطينية تضغط على السيد عباس لفك الارتباط مع غزة، والتخلي عنها، وتركها تغرق مع حركة حماس في البحر الذي تمناه لها يوماً إسحق رابين، ويردد هذا البعض أن السيد عباس، والسيد فياض كلاهما يرفض الفكرة بشدة، ويصران على تواصل تقديم رواتب الموظفين الذين لا يعملون، ورواتب قادة وعناصر الأجهزة الأمنية الذين ينتظرون، مع تقديم بعض الخدمات المالية الأخرى، ولتفسير أصل هذا الدعم المالي المقدم لغزة، أقول: أنه لا يأتي من حساب فياض الشخصي، أو من جيب السيد عباس، ولا يأتي بفعل فهلوة هذا، ومهارة ذاك، ولا يأتي المال لشطارة الرجلين في استقطاب الدعم الخارجي، ولم يكن هذا المال يأتي من قبل بسبب كوفية أبو عمار رحمه الله، ولن يأتي هذا المال لاحقاً بفضل القيادي فلان، أو عضو اللجنة المركزية علان، فقد بات معروفاً أن المال الذي يدفع للسلطة الفلسطينية هو مال سياسي، والهدف منه هو إسكات الشعب الفلسطيني عن المقاومة، وتهيئته لتقبل الحلول السياسية التي تعد في الخفاء. ومن لديه كلام غير هذا فليخرج علينا ويقول: أن المال يأتي كي نعد أنفسنا للمقاومة المسلحة، أو الانتفاضة، أو بهدف الصمود في وجه الإسرائيليين، أو أن المال يتدفق بسبب الحس الإنساني الغربي، واعترافهم بالظلم الواقع على الفلسطينيين، أو تكفيراً عن عقدة ذنب، كل هذا الكلام لا ينطلي على طفل في المدرسة الابتدائية يعرف الهدف من تقديم المساعدات المالية للفلسطينيين.
المساعدات المالية تأتي لكل الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت إبط الدولة العبرية، ولا يستثنى منه إلا الفلسطينيون في دول اللجوء العربية، ماداموا لا يشكلون خطراً أمنياً مزعجاً لإسرائيل، فإذا شكل هؤلاء الفلسطينيون في ساحة الأردن، أو في الساحة اللبنانية أي خطر على أمن الدولة العبرية، ستندلق عليهم الأموال كي يهدئوا، وينقطوا المجتمع الدولي بسكوتهم، أي أن المال يأتي للساحات الفلسطينية التي تشهد توتراً، أو قد ترهق السياسة الدولية الحريصة على التهدئة، وتمرير الحلول السياسية.
إذن المال يأتي لغزة قبل الضفة الغربية، ويأتي لتعزيز دعاة الصمت والهدوء، وما السلطة الفلسطينية إلا قناة توصيل فقط، مع هامش محدود للتلاعب في كيفية التوزيع، وآليته، وطريقته، فهل يستطيع عباس، أو فياض، أو من ينطق بلسانها أن يقول: لا نريد حصة غزة من هذا المال، فتشوا عن جهة أخرى، أو قناة أخرى لتمرير المال! لا أحسب ذلك، لأن البديل قائم، ومن لا يصدق هذا الكلام ليسأل الاتحاد الأوروبي عن الأسباب التي جعلته يدفع قيمة 2200 متر مكب من الوقود الصناعي اللازم أسبوعياً لتوليد الطاقة الكهربائية لغزة، ومباشرة دون المرور من بوابة الحسابات المالية للسلطة الفلسطينية!
رحم الله الأستاذ إبراهيم سكيك، أستاذنا جميعاً في غزة، الذي توفاه الله وهو يردد: أن المجتمع الدولي الذي ساعد إسرائيل على القيام على حساب الشعب الفلسطيني، وأرضه، هو المسئول عن توفير السكن، والعمل، ومقومات الحياة، حتى أجرة البيوت لكل اللاجئين الفلسطينيين إلى حين حل القضية الفلسطينية، وعودة اللاجئين، وإذا كانت ألمانيا تقوم بتعويض اليهود عما لحق بهم قبل عشرات السنين، فإن المجتمع الدولي الحاضن لإسرائيل مطالب بتعويض اللاجئين عن معاناتهم، مع احتفاظهم بحقهم في العودة إلى أرضهم ووطنهم.