بقلم : رشاد أبو شاور ... 29.07.2009
عاتبني بعض الأصدقاء، رفاقا واخوةً، هاتفيّا، وبرسائل الكترونية، وفي تعليقات على مقالتي الأخيرتين اللتين أعقبتا تفجير أبو اللطف للوثيقة ـ المحضر، التي تتهم رئيس السلطة أبو مازن، ودحلان، بالتواطؤ مع شارون في قتل الرئيس عرفات، لأنه بدا لهم أنني أتجنّب الكتابة في الموضوع.
هنا أود التذكير بأنني كتبت الكثير في موضوع فتح واختطافها وتوهانها عن دورها، والأمراض المبكّرة التي تفشّت في بدنها وتسببت في مأزقها الحاد الذي تعيشه حاليّا.
لقد أُجريت لعيني اليمنى عمليّة في مستشفى العيون التخصصي بعمّان، وكان أن فوجئت مع غيري بوثيقة أبي اللطف التي أحدثت دويّا إعلاميّا وما زالت مفاعيلها تتوالى، وسيكون لها أبعد الأثر على مستقبل فتح...
طلب منّي الطبيب أن لا أطأطئ رأسي حرصا على عيني، وأن لا اقرأ ولا أكتب على مدى ثلاثة أسابيع.
أنا بالأساس لا أطأطئ رأسي، ولذا فتعليمات الطبيب من هذه الناحية لا ضرورة لها، ولكن الحرمان من القراءة والكتابة راحة مملّة غير اختياريّة، فالجلوس في العتمة، وعدم متابعة الفضائيات إجراء وقائي ما زلت أصبر عليه مضطرا.
مقالتي السابقتين كتبتهما قبل الدخول إلى غرفة العمليات، ومفاجأة أبي اللطف تابعتها بعين واحدة اختلست بها أجزاء من نشرات، ولقد لجأت للراديو بعد فراق سنين، والراديو للأذن وليس للعين.
من طرحوا الأسئلة على أبي اللطف، ومهما كانت نواياهم، هذا من حقّهم، فلا مصادرة على طرح الأسئلة: لماذا تأخر أبو اللطف في إبراز الوثيقة، ولماذا بايع أبا مازن على رئاسة السلطة، وعلى رئاسة اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، في حين كانت الوثيقة بحوزته، وكان عرفات أرسلها له وهو محاصر في المقاطعة؟
شخصيا حمّلت أبا اللطف خطيئة المبايعة على رئاسة اللجنة التنفيذيّة، لأنني ككثيرين رأيت في رحيل (أبو عمار) فرصة لفصل التداخل بين المنظمة والسلطة، وإنهاء مرحلة الفردية واستبدادها، وما جرّته من مصائب على فتح، والثورة، ومنظمة التحرير الفلسطينيّة.
رحل عرفات ولم تُشكّل لجنة فتح المركزيّة لجنة للتحقيق في اغتيال عرفات بالسم، وهذا ليس سرّا، فالجريمة واضحة، والقاتل الذي حكم على عرفات بالإعدام معروف وهو شارون، والسؤال المعلّق فوق الرؤوس هو: من الفلسطيني المنفّذ للجريمة، وهو بالتأكيد ليس مجرّد مرتزق مأجور، ولكنه طامح طامع، وله مصلحة أكيدة في إزاحة عرفات، أي أن الجريمة سياسيّة بامتياز..ولكن من هو، أو هم، من شاركوا ونفذوا؟
تأخر أبي اللطف شيء يُسأل عنه فرديّا، ولكن المساءلة الحقيقيّة التنظيميّة والوطنيّة في جريمة اغتيال عرفات، وعدم التحقيق فيها جديّا، بتشكيل لجنة تحقيق يشارك فيها من ينوب عن اللجنة المركزية لفتح، وعن القيادة الفلسطينيّة، والطبيب السيد اشرف الكردي، ورجال قانون مشهود لهم كالدكتور أنيس القاسم، ومن شخصياّت عربيّة قانونيّة، وشخصيّات عالميّة، ومن يتم اختياره من رجال أمن موثوقين ليسوا من الأجهزة الأمنية الفلسطينيّة المخترقة سيئة السمعة..هو التقصير الذي تتحمّله قيادة فتح، وتحديدا قيادة السلطة.
تمّت اللفلفة بورقة من قريع الذي ترأس لجنة غير ذات قيمة، تقول بأن السم الذي دس لعرفات يحتاج لوقت حتى يُكتشف، وكانت تلك مهزلة، فهي استهتار بعرفات رفيق السلاح..والرمز الذي تباكوا عليه، وأغدقوا عليه محاسن الصفات، ولم يتذكّروا فيه شائبة، فهو الأب والقائد وحامي وحدة فتح وقائد المسيرة، والرمز!
لا أعذار مقبولة لأبي اللطف في تأخره عن الإفراج عن الوثيقة التي تستحق التحقيق فيها صحيحة كانت أم ضعيفة، ولا في مبايعة أبي مازن على قيادة المنظمة، ووراثة عرفات في كل مناصبه التي كانت تلغي أدوار كل من يحيطون به، وتقزمهم، وتحولهم إلى تابعين يأتمرون، وينفذون، يُقصيهم ويقربهم متى شاء، ولكنني أرى أن الرجل فجّر (قنبلته) في عمليّة اعتراضيّة للمؤتمر المزمع عقده في بيت لحم، والذي واضح من قراءة مجريات الأمور أنه مؤتمر سيكرّس نهجا هو امتداد لأوسلو، وأنه سيختطف فتح نهائيّا، وسينصّب قيادة مُنتخبة ديمقراطيّا ظاهرا. ويكفي التوقف عند اتهامات عضو المجلس التشريعي عن فتح حسام خضر، عن دور الفساد المالي الذي بات سمة رئيسة للقيادة المهيمنة المتنفّذة!
لم نكن ننتظر مفاجأة أبي اللطف لنحكم على مؤتمر فتح الذي سيعقد بمباركة ورعاية الاحتلال والجنرال دايتون قائد أجهزة الأمن السلطويّة، ولعلّ هذا المؤتمر هو أعجب مؤتمر لحركة تحرر، فهو ينعقد بموافقة الاحتلال، وتسهيلات منه، وهذه سابقة في تاريخ حركات التحرر، بل هي أعجوبة...
هل يُقدّم الاحتلال تسهيلات لعقد مؤتمر فتح وهو يتوقّع أن يتخذ قرارا بالمقاومة وبكافة أشكالها للإستيطان، وتهويد القدس، وأنه سيختار لهذا النهج قيادة تمتاز بالصلابة والإستعداد للتضحية إلى أقصى حدود التضحية، سجنا، واستشهادا؟!
في حياة الأحزاب، وحركات التحرر، تكون المؤتمرات محطّات لطرح الأسئلة، وإعادة النظر، وتجديد الدم في العروق، وتصحيح المسيرة، ولتجديد الحيويّة فكريّا، وقياديّا، وتحالفيّا، والتوقف عند أسباب النكسات، وعوامل التطوير والتقدّم..فهل مؤتمر فتح السادس في بيت لحم سيكون كذلك؟!
هل ستُطرح الأسئلة عن اغتيال عرفات، والتقاعس عن رفع القضيّة إلى محكمة العدل الدوليّة أسوة بقضيّة اغتيال الرئيس الحريري؟ ولماذا لم يتّم ذلك؟ من له لهم، مصلحة في التعتيم على اغتيال عرفات؟ من له لهم، مصلحة في التنازل عن مواقفه في كامب ديفيد سوى من يرون في التفاوض خيارا وحيدا لا رجعة عنه؟!
دعونا من تأخر أبي اللطف في الكشف عن الوثيقة ـ وهذا لا يُقلل من وطنية الرجل، ومعارضته لأوسلو، وحرصه على وحدة فتح ـ ولنتساءل: إذا ما تمكّن أصحاب المصلحة في تسويف التحقيق في اغتيال عرفات، فردا أو مجموعة، من الهيمنة على مؤتمر فتح السادس، وباتوا هم الشرعيّة بمؤتمر مزيّف ينهي وحدة الحركة، ويتجاوز المساءلة، ولا يقوم بالمراجعة الجديّة لمسيرة أوسلو، ومحاسبة من ضيّعوا فتح، والمنظمة، والقضيّة ..فما العمل عندئذ؟!
هذا السؤال مطروح ليس على كوادر فتح وحدهم، ولكن على كل الفصائل، والتي أرى أن بعضها تتربّص منتظرة أن تؤول القيادة لها في ظّل غياب فتح التي لن تعود موحدة بعد مؤتمر بيت لحم، وبعضها لا تقدر على اتخاذ موقف لأسباب ذاتية غير خافية، ومنها من ترتبط بقيادة أوسلو مصلحة ونهجا...
من خلال تواصلي مع بعض المرشحين لعضوية مؤتمر بيت لحم، لمست الألم في تبريرهم للمشاركة عن غير قناعة لأنهم مهددون بالراتب، أي بلقمة الخبز وهم في هذا العُمر!
هناك حالة تيه وارتباك في أوساط كوادر فتح، فهم ضائعون لا (رأس) لهم، ولا مرجعيّة ...
ولأن المؤتمر قادم، فإنني أتساءل: إذا كانت بيت لحم هي مهد ولادة السيّد المسيح، فهل اختيارها سيشهد ميلادا جديدا لفتح، أم موتا لا قيامة لها بعده، فزمن المعجزات والقيام من الموت وقف على الأنبياء لا على لاعبي السياسة!
هناك من يتلمظون على المناصب كونها تدر امتيازات ومكاسب، ولذا أقترح أن يكون شعار المؤتمر: حنتش بنتش واللي يلحق ينتش!
ترى: هل ستدعى الأحزاب (الإسرائيلية) لحضور المؤتمر..ولم لا، لقد زار نتنياهو السفارة المصريّة مهنئا بأفول زمن ثورة 23 يوليو التي لم تعد ناصريّة!
ثورة 23 يوليو! ..وثورة فتح!
نحن نشهد تحوّل الثورة إلى ثورة مضادة..هذا ما ينتظر شعبنا وقضيتنا..وليسأل كل واحد منا نفسه: ما العمل؟!